“قَالُوآ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن

“قَالُوآ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا”.

حبيبي يا كليم الله؛ كيف وقعت هذه في نفسك سيدي! كيف أطقتها!

توهَّم نفسك وقد أحسنت إلى زوجٍ أو ولدٍ أو صاحبٍ إحسانًا كبيرًا؛ فكافأك بمِثلها!

كيف بإحسانٍ ليس كمِثله إحسانٌ؛ تعشُّق رسولٍ من الله دخولَك على الله!

هم الفقراء إلى الاهتداء، وهو الغني بصلة السماء؛ ثم يجازونه بهذه الشنعاء! رحمةَ الله نستغيث.

فما كان جوابَ طيِّبِ الخِلال كليمِ ذي الجلال -الذي صنعه الله قديمًا على عينه، واصطنعه كريمًا لنفسه- إلا أن قال لهم: “عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ”.

أين مثقال حبةٍ من خردلٍ من حظوظ النفس هنا! بل سماحةُ قلوب كبار الكبار، وجلالُ خلائق سادة السادة.

إن من أعظم دلائل نبوتكم يا رُسُل الله؛ عَجَبُ احتمالكم صنوف الأذى، ونقاء نفوسكم من كذا وكذا.

صلَّى الودود عليكم في الخالدين وسلَّم، وزكَّى قلوبنا بشمائلكم وعلَّم، ووهبنا لأمانكم يوم نلقاه وَجِلِين.

أخي الحجَّام؛ اخلع البالطو، أنت

أخي الحجَّام؛ اخلع البالطو، أنت لست طبيبًا.

الحجامة من سنن نبينا -صلى الله عليه وسلم- الشافيات، نزل بها من السماء -مع الصلاة- ليلة المعراج؛ الصلاة عطاء الله -تعالى- لأرواح عباده، والحجامة هديته -سبحانه- لأبدانهم.

لكنَّ الحجام -على ما يُيسر الله به من خيرٍ- ليس طبيبًا يفحص المرضى، ويكشف عن الداء، وينعت الدواء، ويوصي بالتحاليل، ويطالع الأشعة، ويأمرهم بكذا، وينهاهم عن كذا.

ليس هذا تحقيرًا لك -صانك الله وزانك- أخي الحاجم، ولقد احتجمتُ وحَجَمتُ -ولله الحمد- كثيرًا؛ لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “من تطبَّب ولم يُعلم منه طبٌّ؛ فهو ضامنٌ”، ومعنى “تطبَّب” تكلَّف الطب وليس له، ومعنى “فهو ضامنٌ” أي عليه ما أتلف من نفسٍ أو عضوٍ أو مالٍ.

كم حدثني مرضى -كنت أحجمهم- عن حجامين تطببوا فيهم؛ هذا أمرهم ونهاهم، وذاك بكذا وكذا أوصاهم! وأكثر هؤلاء لا يعرف عن شيءٍ في هذا شيئًا، لكنَّ الفهلوة حرفة من لا حرفة له.

رأيت أحدهم يطالع تحاليل مريضٍ؛ فبحلق فيها -بعينٍ دون عينٍ- كأنه بُقْرَاطُ أو يزيد قليلًا، ثم جعل يرفع رأسه ويخفضها كطبيبٍ عَرَكَته التجارب، ثم جمجم بكلماتٍ لم يُخلق لها فاهمٌ سواه، ثم أدهش فقال: الموضوع بسيط؛ شوية “مكترأنخيهعح” في الدم -نعم هكذا- وهتنزل بالحجامة.

عامة الناس جهلاء مساكين، ويعظم جهلهم ومسكنتهم إذا ابتُلوا فضعفوا وعجزوا؛ فالواجب -حينئذٍ- تقوى الله فيهم مزيدًا، لا أن يُخدعوا ويُدلَّس عليهم، وأقبح هذا ما يكون على اسم الله ورسوله؛ ذلك بأن الحجامة لم تزل -عند أكثر الناس- من بركة نبيهم الذي يذكرونه في الكُرَب، وبسنته يلوذون.

أما كشف بعضهم عورات المرضى بلا سببٍ طبيٍّ يبيح لأهله هذا؛ فخزيٌ ثانٍ، في ذاكرتي من دواهيه ما يندى له جبين الحياء خجلًا. ربنا أفرغ علينا فقهًا وارحم بنا عبادك وتوفنا مؤدَّبين.

وقفت بنفسي -في الوقت الأخير-

وقفت بنفسي -في الوقت الأخير- على أكثر من تجربةٍ دعويةٍ وتثقيفيةٍ لشبابٍ؛ فيها من جُمل الخير -بتوفيق الله- ما يذكر ويشكر، بعضها مجالس مغلقةٌ وأخرى دروسٌ مفتوحةٌ، منها في السوشيال ميديا ومنها على الأرض، يسر الله التعليق على شيءٍ منها -منهجيًّا ومسلكيًّا- بما يحب ويرضى.

لكن عايز اعلق على شيء مهم دلوقت؛ لاحظت في أكتر من مجموعة خلل كبير في خطاب الدعاة والمثقِّفين مع البنات؛ “خلل نوعي” باقتصار بعضهم على نوع معين من موضوعات يُعلم تأثيرها على النساء أكتر، “خلل كيفي” بتكثيف بعضهم لهوامش معينة -في الكلام- بدون حاجة، “خلل مسلكي” بانفتاح بعضهم الواسع حبتين؛ لطافة زايدة ملهاش داعي، استظراف واعي وغير واعي.

علاقة الرجال بالنساء في الإسلام -ولله الحمد- محكَمة جدًّا ومعقولة جدًّا؛ لا بيقول إن الرجل والمرأة أول ما يتعاملوا مع بعض لازم يتكهربوا، ولا بيقول إن التعامل بينهم يبقى بالدرجة دي من الأمان والغفلة حينًا أو الاستهبال والاستعباط أحيانًا أخرى، خصوصًا في واقع الضغط والكبت الاسود اللي عايشين فيه، “اللَّهُ الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ”، “قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا”.

أكيد البزرميط ما بين الرجال والنساء -في الواقع المر ده- ملوش حدود كمية ولا كيفية، لكن خطورته -هنا- إنه على اسم الله ورسوله والإسلام، وده وجه عظيم من وجوه الفتنة ابتداءً وانتهاءً؛ ابتداءً من حيث إن أطرافه بيكونوا غير واعيين للمشكلة بدرجة كبيرة، لفرط الأمان الحاصل بالموضوع الديني بينهم، وانتهاءً في مستوى المعالجة؛ حيث تكثر التبريرات النفسية الدينياوية حينئذ.

القانون الكلي في الأمر؛ “المعاملة بين الرجل والمرأة للحاجَة وبقدْرها”، اللهم خشيتك والسلامة.

اوع تعاطفك مع اخواتك المسلمين

اوع تعاطفك مع اخواتك المسلمين في أي بلد؛ يخليك تدافع عن حكامها مهما أحسنوا؛ كلهم “صبيان المعلم” يا صديقي، والفروق (الحقيقية) بين أنظمتهم ليست كما يوهمك المدلسون والطيبون.

الكلام ده مش كلام مرسل؛ دي حقائق بات يدركها المجانين، ولا ينازع في شهودها العميان.

المعيار الأوحد الذي لا منازع له -في الحكم عليهم- هو موقفهم من المحتل العالمي، الذي لا يخطر ببالهم ولا يدور بخيالهم -بعيدًا عن ظنونك الحسنة وآمالك الحالمة- أن يخالفوه في كبير شيءٍ.

وسل قواعد المحتل العسكرية وتاريخها في بلادهم (مثالًا)؛ تنبئك بالحق، وليخسأ المبطلون.

ما أحكم هذا الدين! يعلمك أن أعداءك ليسوا سواءً، ويفرِّق في معاملتهم بحسب عداوتهم، ويبيح لك اغتنام المسافات والتدافعات بينهم؛ لكنه يربأ بك أن تدافع عنهم، فضلًا عن الذوبان فيهم.

في “أمة الأرانب والفيل” يقول أحمد شوقي: فقيلَ لا يا صاحبَ السموِّ ** لا يُدفعُ العدوُّ بالعدوِّ

ما الجزيرتان اللتان باع خنثى

ما الجزيرتان اللتان باع خنثى الطواغيت -عجَّل الله به إلى لظى نزاعة الشَّوى- بأغلى من الدين الذي يحاربون، ولا العرض الذي ينتهكون، ولا الدم الذي يسفكون، ولا الأحرار الذين يسجنون، ولا العيشة التي يفسدون؛ ومع ذلك فهذا القدَر من العليم الحكيم حجةٌ من حججه -علا وتعالى- على عباد الطاغوت، الذين رأوه كسفًا من السماء ساقطًا فقالوا: “سحابٌ مركومٌ”، وغنوا له -فجرةً أنجاسًا-: “اللي حامي الأرض يسلم”؛ بصَّر الله بهم، وأعدَّ لهم، وأمكن منهم، ولعنهم -سادةً وعبيدًا- لعنًا كبيرًا.

في القرن الثاني من الهجرة؛

في القرن الثاني من الهجرة؛ قال حيوة بن شريحٍ -رحمه الله- لبعض نواب مصر:

لا تخلين بلادنا من السلاح؛ فنحن بين قبطيٍّ لا ندري متى ينقض، وبين حبشيٍّ لا ندري متى يغشانا، وبين روميٍّ لا ندري متى يحلُّ بساحتنا، وبربريٍّ لا ندري متى يثور.

في القرن الخامس عشر الهجري؛ نحن بين أخبث طواغيت الأرض، وجنودٍ لهم -في كل جهةٍ- شرٍّ منهم، وطوائف من أكابر مجرميها يعاونونهم؛ فالله المولى والمستعان.

نزع المحتلُّون أسلحة الشعوب، ثم جعلوها في وكلائهم؛ فكانوا أشدَّ منهم فيهم فتكًا.