لَفَحَتْ روحَه ريحٌ شاويةٌ، واجتاح

لَفَحَتْ روحَه ريحٌ شاويةٌ، واجتاح قلبَه الموجُ من كل مكانٍ، وظنتْ نفسُه أنها أُحيط بها، إن سَلِمَ من حرقٍ لم يأمن من غرقٍ؛ صرخ: لئن أعتق الله روحي وأطلق قلبي وحرَّر نفسي؛ لأكونن من الشاكرين.

شاهدت مقطعًا لشيخٍ يصف تنظيم

شاهدت مقطعًا لشيخٍ يصف تنظيم الدولة بالغلو، ويفصل القول فيه تفصيلًا.

بعيدًا عن هذا الوصف الذي يعلم السادة إخواني -من قديمٍ- ما عندي فيه؛ لا ينبغي لمن دينُه الخَرَسُ عن الطواغيت بألف علةٍ باهتةٍ؛ أن يطول لسانه فيمن يجاهدونهم. ألا تعس النذل البليد.

قال قائلٌ: ألا يدخل هذا في باب الكلام في المقدور عليه؟ قلت: بل يدخل في باب الشعرية.

سوء الظن بأوباش طلبة العلم هؤلاء -من غير تعيين تهمةٍ- فريضةٌ شرعيةٌ، وضرورةٌ عقليةٌ.

تَرى يا صديقي هؤلاء الذين

تَرى يا صديقي هؤلاء الذين ينقضون السلفية -اليوم- حجرًا حجرًا؟ هم سلفيون، يعلم الله وأولو النهى أنهم سلفيون، كلما صاحوا “لسنا سلفيين” رجع إليهم الصدى “أنتم سلفيون”، غارقون في السلفية إلى آذانهم وهم لا يشعرون، لا يزيدون كلما لجُّوا في عداوتها سوى تقرير أنهم سلفيون.

ليست السلفية بأصلها عارًا نصِمُهم به، وإن كثيرًا من قواعدها لَمعاقدُ الإسلام، بل من حيث محادَّتُها سبيلَ الحق فيما كشفته للخلق مقاديرُ الله الحسان، لكننا لا نراوَغ بضجيج اللهو واللعب وعجيج الزهو والشغب عن حقائق الأمور، ونُلصقهم بها بقدر ما يُقصون هم أنفسهم، ننظر إليهم -فرحين بالنكوص عنها مغتبطين بالفرار منها- فنظل نعجب! إن يندفعون إلا في دائرةٍ وهم لا يبصرون.

قال صديقي: لكنَّ الفرق بين أُولاء الثائرين عليها وبين من عرفنا من السلفيين؛ واسعٌ عظيمٌ.

قلت: ميزاننا في القضية واحدٌ؛ “لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ”، ذلك فرقان خير الفاصلين الحقُّ، جعله ميزانًا مطلقًا في الحكم على عباده، جماعاتٍ ووحدانًا، ويوم يلقونه يفصل بينهم بمبناه كما قضى فيهم هنا بمعناه؛ أنه لا يكون أحدٌ على شيءٍ حتى يأخذ الكتاب كلَّه، ويعمل به كلِّه، ويجاهد في سبيله كلِّه، إلا ما عجز دونه؛ ذلك حقُّ إقامة الدين.

كلهم -يا صديقي- على صراط المقتسمين، “الَّذِينَ جَعَلُواْ الْقُرْآنَ عِضِينَ”؛ فقالوا: “نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍٍ”، وهؤلاء -اليوم- يؤمنون بالكتاب كله؛ لكنهم فرَّقوا -جهلًا- بين جوانبه في النظر، وعارضوا -ظلمًا- بين نواحيه في العمل، جعلوا لله مما أنزل من الشرائع والأحكام نصيبًا؛ فقالوا: “الصراع السلطوي” للجاهلين الحماسيين الفارغين بزعمهم، والعلوم والفلسفة والآداب لأنفسنا، فما كان لغيرهم شنَّعوه بتصريحاتٍ وتلميحاتٍ وبشَّعوه، وما كان لهم فحِمَىً عزيزٌ حَرِيزٌ مصونٌ؛ لأشباههم وما ملكت شمائلهم كهنوتٌ مكنونٌ، وعن من خالفهم محظورٌ مجذوذٌ ممنونٌ، ساء ما يحكمون.

يا صديقي إن يكن من فرقٍ حقٍّ بين هؤلاء وأولئك؛ فجَهْدُ المحدَثين أن يتوسعوا في علومٍ قصُر عنها الأقدمون عَرْضًا، وأن يتعمقوا في النظر في أبوابها طُولًا، ولولا عزلُهم هذا عن جهاد الطواغيت -الذين يُساق الناس بويلاتهم كل ساعةٍ إلى الجحيم زُمَرًا- لشكرناهم به وشكرناه بهم.

يا صديقي؛ السلفيُّ بالسلفية فيه صار سلفيًّا، والإخوانيُّ بالإخوانية فيه صار إخوانيًّا، والجهاديُّ بالجهادية فيه صار جهاديًّا؛ أنماطٌ نفسيةٌ، وأنساقٌ عقليةٌ، وجيتوهاتٌ اجتماعيةٌ، ثم أفكارٌ.

أرجو أن تزيد المنشورات بالتعليقات في المقصود بيانًا، والله مولانا، يسلِّمُنا ويسدِّدُنا أجمعين.

أخوف ما أخاف علينا أن

أخوف ما أخاف علينا أن نتماشى مع الطغيان وإن كفرنا به، وأن نتلاءم مع الاستبداد وإن لعنَّاه؛ فإن طُول المَساس يخسِف بالإحساس، كما حذرنا ربُّنا أمةً قبلنا: “فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ”.

أيها المخلصون دينهم لله؛ احرثوا بالسُّخط أرضكم، واحفظوا جمر الحميَّة متَّقدًا في قلوبكم، وتواصوا بالغِلِّ فيما بينكم، حتى إذا باتت أحقادُكم أنفاسَكم أصبحتم نارًا تفور؛ وقودها العداوة والبغضاء، كلما أُلقى فيكم فوجٌ من عدوكم كدتم من غيظٍ تميَّزون، فلا يخفف عنهم منكم ولا هم يُنظرون.

يا أولياء الدماء؛ تهيؤوا بكل حيلةٍ ووسيلةٍ لقدرٍ مقدورٍ، “كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ”.

لا أحصُر قضاء الله في ثورةٍ؛ سيدي مليكٌ مقتدرٌ، أقداره أوفر وأوسع، وإنها لا تأتي إلا بغتةً.

واعلموا أن أخبث العبيد بينكم -اليوم- مبتغٍ إطفاءَ شرارةٍ سعَّرها الله لكم، وساعٍ في إخماد جذوةٍ واحدةٍ من جحيمكم، وإن دعاكم إلى علمٍ تطلبونه أو نسكٍ تحققونه أو إصلاحٍ تنجزونه.

ألا إن العلم هو العلم؛ بصائرُ الله الحافظاتُ عبادَه، لكنَّ طالبَ علمٍ لا ينازل الجاهلية ولدٌ لها وإن ادَّعى لغيرها، وغاية علمه أن يُعَمَّمَ جاهلًا بالله، مهما فاق في فنونه طُولًا ومَهَرَ عَرضًا.

وإن النسك هو النسك؛ حكمة الحق من الخلق، لكنَّ استدبار العابدين مقارعة الكافرين صلواتٌ في محاريب الشياطين، وشيوخه دجالون، وإن طالت لحاهم إلى السُّرر، وقصُرت قُمُصُهم إلى الرُّكب.

وإن الإصلاح هو الإصلاح؛ قِبلة رسالات السماء، لكنه بإذنٍ من فرعون خرابُ الأرض، وكلُّ ناقةٍ لا تكيد الجاهلية لعقرها فليست بناقة صالحٍ، وإن نعق في الناس: إني رسولٌ من رب العالمين!

ذُكِرَ بين يدي خالٍ لي

ذُكِرَ بين يدي خالٍ لي -رحمه الله- شيخٌ كبيرٌ يشار إليه بالبنان، فقلت -وكنت فتىً صغيرًا- ياه يا خالو! الشيخ ده وشه منور جدًّا ما شاء الله، فقال لي على الفور -وكان خبيرًا بالرجل ومنهجه بصيرًا-: دي السَّمنة البلدي يا حبيبي، قلت له: ازاي بس يا خالو مينفعش كده؟! قال لي: براحتك، ثم مرَّت سنون، وأدركت حقيقة الأمر المُرَّة، وعرفت الفرق بين الأنوار الإيمانية وبين لَمَعَان السَّمنة البلدية.

إن الصلاح هو الصلاح، ونورُه هو نورُه، لكن من الصالح؟ وما النور؟ ومن يكون له؟ ومن يقول؟

“اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ”. “وَلَا

“اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ”.

“وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوآ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ”.

من يكلمون إذا لم يكلموا الله! ومن يكلم الله فيهم إذا لم يكلمه رسوله!

ذاك ألهبُ من النار، صدق الله القائل في حديثه الإلهي: “عطائي كلامٌ، وعذابي كلامٌ”.

اللهم عليك بأصحاب رؤوس الأموال

اللهم عليك بأصحاب رؤوس الأموال المطففين أجمعين؛ الذين إذا اكتالوا من العاملين عندهم -ماديًّا ومعنويًّا- يستوفون، وإذا كالُوهم أو وزنوهم -ماديًّا ومعنويًّا- يُخسرون، الذين لا يظنون أنهم ليومك العظيم مبعوثون، وخُصَّ من انتسب منهم لدينك بالعذاب المهين، ومن انتسب للالتزام من المنتسبين لدينك بالرِّجز الأليم، لعِظَم الفتنة بهم في الدين.

سلِّط بجبروتك الحقِّ على أموالهم سيف انتقامك، واضرب أجسادهم بأمراضٍ لا ينفعهم فيها طبيبٌ ولا دواءٌ؛ بأنك الذي حرَّمت الظلم على نفسك وجعلته بين عبادك محرَّمًا، وبأنك الملك الحق الذي لا تظلم مثقال ذرَّةٍ، وبأنك ذو الغيرة البالغة على حقوق عباده وحرماتهم، وبأنك الذي شرَعت لحفظها شرائع القسط والسَّويَّة، وبأنك ربُّنا أرحم الراحمين.

أمَا وعلَّامِ غيوبِ القلوبِ إني لأمقتكم لوجه الله ولعباده المساكين، وأحقِر من يدخل عليكم -يتملق رضاءَكم ويتزلَّف نعماءَكم- بوجهٍ من الوجوه، ومن يَهَشُّ لكم -طوعًا واختيارًا- ويَبَشُّ، وكلُّ دنيءٍ نذلٍ صاغرٍ خسيسٍ يواليكم تحت قدميَّ موضوعٌ.

أيها السادة المظلومون الأكرمون؛ إن لأموالكم وحقوقكم في عنقي ثأرًا، أرجو وجه عزيزٍ ذي انتقامٍ أن يبلِّغنيه بنفسي؛ فأَشفي به للفقراء علَّة صدري، وأُذهب به للمحاويج غيظ قلبي.

وأفرغ يا ذا الجلال والإكرام على المُعْوَزين من خزائنك ما تصون به نفوسهم، وتكرِم به وجوههم.

لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله؛ آمنت بحقهما وقسطهما، وكفرتُ بالباطل وبما كانوا به يظلمون.