نحن أم الله أشد حبًّا

نحن أم الله أشد حبًّا لشهدائنا!

لا جَرَم أن الله أشد حبًّا للشهيد، لا مقايسة بين حبنا إياه وحب الله.

إن منتهى رجائنا للشهيد بقاؤه حيًّا معافًى، وهو ما لا يكون بحالٍ؛ فإنه لا محالة مبتلًى بنوع بلاءٍ، إن لم ينهشه بلاء القتل نهشه بلاءٌ سواه، سنة الله في الناس بعامَّةٍ وفي المؤمنين بخاصَّةٍ، ثم إنه لا محالة بعد العافية والبلاء ميتٌ.

فأما الله فإن حبه له الحب الحق؛ علم أنه صائرٌ إليه صائرٌ، وأنه إن لم يُمِته شهيدًا أماته بغيرها، وأن ما وعد به الشهداء في البرزخ ويوم القيامة لا يكون له حتى يكون واحدًا منهم، وأن الشهادة لا تقدِّم أجلًا كان عنده مؤخَّرًا، وأنه لا يُستدل بصورة جسمه الشنيعة مقتولًا على حقيقتها البديعة في عينه المقدَّسة؛ فاختار له الموت شهيدًا، لا يؤثِر بهذا إلا من اجتبى واصطفى.

يا مدِّعي حب الشهيد ثم هم يؤثر حياته على استشهاده؛ افعل له بعد موته عُشر عشير معشار ما الله فاعلٌ له ثم ازعم حبه؛ “إن للشهيد عند الله سبع خصالٍ؛ يُغفر له في أول دفعةٍ، ويُرى مقعده من الجنة، ويُجار من فتنة القبر، ويأمن يوم الفزع الأكبر، ويُوضع على رأسه تاج الوقار (الياقوتة منه خيرٌ من الدنيا وما فيها)، ويُزَوَّج ثنتين وسبعين زوجةً من الحور العين، ويُشَفَّع في سبعين من أقاربه”، فإن لم تفعل ولن تفعل؛ فبما اختصه الله من الكرامات فافرح، لقد كدت أحسبك له من فرط الحزن عليه وقد نال ما نال كارهًا.

كأني بك الآن تصيح: من أشد مني بعد الله بما نال شهيدي فرحًا!

نحن أم الله أشد حبًّا لشهدائنا!

يا أهل كل شهيدٍ؛ هل

يا أهل كل شهيدٍ؛ هل يُطَيِّب نفوسَكم رجوعُ شهدائكم إليكم تارةً أخرى!

فإن رجوع الشهداء إلى الدنيا تارةً أخرى ليس ممتنعًا لذاته، ولقد أمات الله طائفةً من خلقه ثم أحياهم، كما قصَّ علينا في التنزيل قصصهم؛ لكن الله إذا رجَعهم إليكم كما تشتهون؛ فليَشْتَهُن هم الرجوع إليه بالشهادة مرةً بعد مرةٍ.

ألستم تصدِّقون خبر نبيكم -صلى الله عليه وسلم- ما لا تصدِّقون أعينكم! فإنه قال: “ما أحدٌ يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيءٍ؛ إلا الشهيد، يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيُقتل عشر مراتٍ لِمَا يرى من الكرامة”.

يا أم الشهيد، يا أباه، يا أخته، يا أخاه، يا زوجه، يا عياله، يا أرحامه، يا أصحابه؛ خيرٌ من ذَهاب أنفسكم على شهيدكم حسراتٍ؛ أن تعملوا مثل عمله فتموتوا مثل ميتته؛ فإنا لا محالة عاملون أحد العملين فميتون إحدى الميتتين؛ فقَرُّوا أعيُنًا.

يا أهل كل شهيدٍ؛ إن الشهداء عنكم في شغلٍ فاكهون؛ بلَّغنا الله ثأرهم.

هل أتاك نبأ مثلَّث الكرامة

هل أتاك نبأ مثلَّث الكرامة الأعظم!

“وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ”؛ “وَيَتَّخِذَ، “مِنكُمْ”، “شُهَدَآءَ”.

فأما “وَيَتَّخِذَ”؛ فإن الاتخاذ قريبٌ من الاختصاص والاجتباء والاصطفاء والاختيار والاصطناع والإيثار، وكلها أفعالٌ أُضيفت في القرآن إلى ذات الله في مقام تشريف أصفياء عباده؛ لكن الاتخاذ يكون للنفس، تقول العرب: اتخذ فلانٌ الشيء لنفسه: إذا أحبه وارتضاه لها، وما كان لله أن يتخذ لنفسه من عباده إلا الذين أعدهم لذلك المقام العلي إعدادًا، وما كان لله أن يتخذ لنفسه من عباده إلا من أراد لهم خير خيرات الدور الثلاثة؛ الدنيا والآخرة والبرازخ بينهما.

وأما “مِنكُمْ”؛ فإن مِن هنا -على أحد الوجهين- تبعيضيةٌ، فيكون إظهار القرآن حقيقة الاتخاذ التي أبان حميدُ مبناها عن مجيد معناها؛ ممتدًّا إلى هذه اللفظة مبسوطًا فيها متجلِّيًا بها، فهو اتخاذٌ فوق اتخاذٍ كالنور على النور، فليس الشهداء ومن اتُّخِذوا منهم في الدنيا والآخرة عند ربهم سواءً.

وأما “شُهَدَآءَ”؛ فحسبك في جمالها الأَنفس وجلالها الأقدس؛ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو المَحْظِيُّ بالرسالة؛ تمناها لنفسه المكتفية بفضائل النبوة عن سماء كل فضيلةٍ، فقال معظِّمًا قوله بالحلف -وإنه لَلْغني الأغنى عن القسم بأنه الصادق المصدوق-: “والذي نفسي بيده؛ لَوددت أني أُقتل في سبيل الله، ثم أحيا ثم أُقتل، ثم أحيا ثم أُقتل، ثم أحيا ثم أُقتل”!

فإن قال قائلٌ: هو مربَّعٌ لا مثلَّثٌ؛ لأن أعظم ما في تلك الكرامة فاعلُ “وَيَتَّخِذَ”: الضمير المستتر الذي تقديره (هو)، العائد إلى الله الذي هو الله؛ الله الذي لولاه ما كان اتخاذ الشهداء لذاته العَلِيَّة، ولا كان شيءٌ مما يقتضيه الاتخاذ من الكمالات السَّمِيَّة، الله الذي له وحده الربوبية الكاملة والألوهية التامة والأسماء الحسنى والصفات المثلى، الله ذو الجلال والإكرام، الله الذي لا أجلَّ منه ذاتًا وأسماءً وصفاتٍ وأقوالًا وأفعالًا ولا أعظم، الله الذي على العرش استوى، إن قال قائلٌ: هو لأجل ذلك مربَّعٌ لا مثلَّثٌ؛ وجب الخضوع لقوله.

يا شهداء الإسلام المتخَذين من نفس الله لنفسه؛ ينبغي لمن عرف ذلك عنكم أن يبكي فوات حظِّه مما آثركم الله به على المسلمين بعد إيثار المسلمين بالتوحيد على العالمين؛ لا أن يبكيكم؛ تقبلكم الله بأحسن قبولٍ أجمعين، وربط على قلوبنا بعدكم لنكون من المؤمنين، هنيئًا لكم اتخاذ الله.

كيف يحرك ملعون مصر بنفسه

كيف يحرك ملعون مصر بنفسه مظاهراتٍ على المغضوب عليهم ضدًّا!

هذا منشورٌ كتبته أولَ حكم غلام آل نُحُوسٍ بالحجاز المحتلة مُذَمَّمَ بنِ سلمان، أعيد نشره جوابًا على هذا السؤال؛ اللهم انفع به فوق ما يخطر على قلبي:

“قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ”.

كيف يسمح الفراعنة بالإيمان بالإله الحق!

هل يكون الإيمان إيمانًا لو أذن به الطاغوت!

كيف خطر على بال فرعون سؤالُ السحرة ذلك!

أليس فرعون مدَّعيَ الربوبية: “أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى”، زاعمَ الألوهية: “مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي”، منتحلَ صفات الله المُثلى (الحاكمية والمالكية والقاهرية والقادرية والعلو): “أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي”!

ما لفرعون وقد غزا الإسلامُ قصرَه؛ لا يرى به غضاضةً إذا استأذنه أهله فيه!

إن حقيقة موقف الجاهلية من الإسلام واحدةٌ لا تتبدل (الإباء بلا تردُّدٍ، والحرب بلا هوادةٍ)؛ لكنَّ الإسلام إذا ظهر بسُنن الله الغالبة قدَرًا مقدورًا في الناس والأرض والحياة، وفشلت كل خطط أعدائه أن تَئِده في مَنبته؛ لم تعُد الجاهلية سيرتها الأولى (استئصال شَأْفَة الإسلام وأهله)؛ بل تزيِّن لأربابه صورةً أخرى مأذونًا بها؛ صورة إسلامٍ تسمح لهم -حتى إشعارٍ آخرَ- ببعض شعائره الظاهرة المحبَّبة؛ لكنه إسلامٌ مفرَّغٌ من حقيقته الثورية على الكفر دقيقِه وجليلِه، المجاهدةِ للطغيان جذورًا وثمارًا.

إنك لتحَار من بناء الجاهلية مسجدًا للنبي -صلى الله عليه وسلم- وصَحبه ينزلون فيه -قبل تبوك- “ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ”! كيف تمكر الجاهلية بالإسلام في مسجدٍ! كيف تتخذ من أعظم معاقده قاعدةً لحربه! الجواب هو هو؛ إذا ظهر الإسلام بسُنن الله الغالبة قدَرًا مقدورًا في الناس والأرض والحياة، وفشلت كل خطط أعدائه أن تَئِده في مَنبته؛ لم تعُد الجاهلية سيرتها الأولى (استئصال شَأْفَة الإسلام وأهله)؛ بل تحاربه من داخله، وتكيده بوسائله.

وإن تكن الجاهلية أسست للإسلام -أولَ أمرِه- مسجدًا ضِرارًا تَنْفُذ منه لأهله، والمسجد هو ما هو ظهورًا في إسلاميته ورمزيته؛ فلا تسَل اليوم عن جامعاتٍ تُنسب للإسلام وهي ضِرارٌ، وهيئاتِ فتوى ضِرارٍ، ومجامعَ علميةٍ ضِرارٍ؛ ومراكزَ بحثيةٍ ضِرارٍ. إن جاهلية اليوم لتقدِّم للمسلمين صورة (دينٍ ضِرارٍ) تامِّ البنيان بدلًا من دينهم، مقاصده مقاصد بنيانهم الأول “ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ”؛ لكنَّ الوحي الذي عصم الله به نبيه -صلى الله عليه وسلم- والذين آمنوا معه؛ غفل عنه اليوم أكثر الأتباع فتاهوا، والنفر الذين بعثهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لهدمه يومئذٍ؛ خلَفتهم خُلُوفٌ تستأذن فرعون أن تصلي فيه! إلى الله تُرفع الشكوى.

انظر المسافة بين إعراض السحرة -حُدَثاءَ عهدٍ بإيمانٍ- عن ترغيب فرعون الخفيِّ وترهيبه الظاهر: “آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ”، وبين قبول زُمَر شيوخٍ شابت لحاهم في الإسلام اليوم صورًا مبدَّلةً للإسلام؛ طَوْرًا يعرضها نُوَّاب الجاهلية العالمية عليهم عرضًا، وطَوْرًا بعده يفرضونها فرضًا.

وإن تَدْهَش فمن طائفةٍ تستنكر اليوم صورة إسلامٍ جديدةً تفرضها أمريكا (بالسيف) في الحجاز (إحدى ولاياتها الخليجية)، بنيابة غلامها المدلَّل مُذَمَّمَ بنِ سلمان لأغراضٍ جديدةٍ؛ وقد طوَّعت للناس صورةً قديمةً فرضها آباؤه (بالذهب) لأغراضٍ قديمةٍ! فلئن كانت الصورة الجديدة من هذه المُضْغة القذرة اليوم عُهْرًا؛ فما كان جعلها في أصلاب آبائه المَرَدة بالأمس طُهْرًا!

الآن أغتنم المقام لأجدد البراءة إلى الله ورسوله ودينه من فتاوى للشيخين ابن بازٍ وابن عثيمين -عفا الله عنهما- رقَّعت لآباء غلام الحجاز في السياسة الداخلية والخارجية ما رقَّعت، ومن شرٍّ منها اليوم للزنديقَين صالح المغامسي وحاتم العوني، ولئن كانت قرائن أحوال ابن بازٍ وابن عثيمين تقوِّي إحسان الظن بهما؛ فإن ضمائم أحوال المغامسي والعوني لا تزيدك في نفاقهما إلا بصائر.

إنا -على الوجع الفاتك بنا إذ نشهد فتنة المسلمين عن دينهم بالرَّغَب والرَّهَب في الحجاز- لمستبشرون بظهور شياطين آل نُحُوسٍ على حقائقهم لِمَخدوعيهم؛ فإن إغواء الناس بصوت شيرين عبد الوهاب؛ أهون من إضلالهم بصورة محمد بن عبد الوهاب، وإن خلْط النساء بالرجال يتمايلون في حفلات تامرٍ؛ أَدْوَن من سكينتهم مفصولًا بينهم في مجلس شيخٍ مقامرٍ، وإن دعاء السديس مرتدِّهم البطين بطول أعمار الطغاة في محراب البيت الحرام؛ أشنعُ في السماء من غناء مطرب رابٍ أمريكيٍّ يضطرب اضطراب النُّطَف الحرام.

الإرهاب كل ما لا تحبه أمريكا ولا ترضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة؛ أليس كذلك! فإن أمريكا أذنت لأهله بذروة سنامه الجهاد يومًا من الأيام؛ خطًّا من خطوطٍ عدَّةٍ سعت بها حثيثًا وقتئذٍ في مجابهة القطب الروسي، ومن قبلُ قدَرًا من أقدارٍ عدَّةٍ لرب العالمين في إدالة الدُّول.

هل تصدِّق أنه كان يُدعى للجهاد على المنابر، وتُجْمع له الأموال، وتُحَرَّض عليه الهمم! كان بالأمس القريب كلُّ ذلك وسواه -صُراحًا بَواحًا- بإذنٍ من فرعون البيت الأبيض لغرضٍ من أغراضه؛ فاليوم لا غَرْو إذا حارب فرعون نفسُه الجهاد -وإن كان معنًى باهتًا في نفس فتًى أشعثَ أغبرَ رابضٍ في زاويةٍ من زوايا داره- وقد انقضى له غرضُه؛ “فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ”.

فلئن انطلى هذا على الصادقين آبائنا وكان عذرهم الجهل بالمَقيس عليه؛
أفينطلي علينا وقد جلَّى الله لنا بعدهم في القياس ألف مَقيسٍ عليه!

لم تكن أمريكا بالأمس -كما لا تكون حتى تزول- ذاتَ العرش المجيد، ولا الفعَّالةَ لما تريد، ولا هي التي تبدئ في الأرض وتعيد؛ “بَل لِّلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا”؛ لكنَّ المليك الحق -جلَّ ثناؤه- قسَم لها -بجُملةٍ من سُننه الدَّوَّارة في خلقه- من الهيمنة ما شاء، مبتليًا بها من شاء، فهدى وأضل من شاء، عزيزًا حكيمًا.

يا أيها الحر بعبوديتك للإله الأحد، العزيز بالذلة للرب الأعلى؛ قل: يا أيها النظام العالمي “قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ”، وأشهدنا على آثاركم، كل إيمانٍ يأذن به وكلاؤكم هو مطيةٌ إلى الكفر بالله ربي، وكل ناقةٍ لا يكيد لعقرها نُوَّابكم فليست ناقةً لصالحٍ رسولي، “وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَآءُ أَبَدًا”.

وماذا عليك لو دعوت الله

وماذا عليك لو دعوت الله كل ليلةٍ؛ أن يغفر لمن مات فيها من المسلمين!

صِلَةً لرَحِم الإسلام بينكم، وعطفًا على عبادٍ عَدِموا الحِيَل، وتقديمًا لنفسك إذا صرت مصيرَهم، واستكثارًا من الحسنات فكَم يموت من الموحِّدين كل ليلةٍ! وذِكرًا لهادم اللذات وإنما النوم الوفاة الصغرى، وتأسِّيًا بنبيك وقد قطع نومه بليلٍ فوصل الموتى بزيارةٍ -لا بدعاءٍ مجرَّدٍ- ولا غَرْو؛ فإنه أوفى العالمين حبًّا لمن أحبَّ ومرحمةً، لا يشغله حيٌّ منهم عن ميتٍ، صلى الله على النبي وسلم.

اللهم ربنا إني أسترحمك لمن أتاك الليلة ومن يأتيك غدًا؛ من إخواني فيك.

سبحان شارع الجهاد وتبارك! لا

سبحان شارع الجهاد وتبارك! لا تُحصى حِكمه ولا تُستقصى.

أربعةٌ وعشرون ساعةً من جهاد نفرٍ من المسلمين بغزة تستفز النظام العالمي كله؛ كيف لو كان الجهاد عملًا موصولًا لهذه الأمة المرحومة كما أراد به الله!

تتخايلون المسجد الأقصى المبارك وحده

تتخايلون المسجد الأقصى المبارك وحده أسيرًا.

الحَرَمان الجليلان والأزهر وكل مساجد المسلمين الكبرى أسرى.

كل مسجدٍ لا يُكْفَر فوق منبره بالطواغيت أسيرٌ.

“ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ”.

قد سمَّاه الله عتيقًا لنُبْقِيه معتوقًا من كل جبارٍ.

إنا عبادٌ ربُّنا الحق الذي ليس كمثله حقٌّ؛ فلا يرضينا من الأشياء غير حقِّها والحقائق، ومهما كانت صورة شيءٍ من الأشياء هائلةً في أعيُن الناس وقد عَرِيَت عن غايتها؛ لم تَهْلُنا؛ كيف إذا كان هذا الشيء مساجد الله!

نُسِيء الظن بكل مسجدٍ يوسِّعون أرضه ويطيلون مآذنه ويكثِّرون أطباقه، وهل رأينا مع التوسيع والتطويل والتكثير في المساجد؛ إلا التضييق والتقصير والتقليل في غاياتها! كما بدأ الإسلام في زاويةٍ يعود في زاويةٍ.

إنْ علينا إلا الكتابة وعلى

إنْ علينا إلا الكتابة وعلى الله البلاغ، لعل الخير لي في قلة القارئين.

لئن نفع الله بكل المنشورات عبدًا واحدًا؛ لقد أعظم المنة علي وله الحمد.

كدت أكتب ما يكتب الأحبة في تقييد صفحاتهم لكنه بلاءٌ عامٌّ؛ بل الماسنجر -لمن يسألني- معطَّلٌ كذلك عقوبةً من Facebook على المنشورات الأخيرة.

هل في هذه النازلة جديدٌ

هل في هذه النازلة جديدٌ لم يخبرنا به الله ورسوله!

هل خرج هذا القدَر عن امتحانات الله الثلاثة التي ملأ كتابه عنها حديثًا!

لا أُوَبِّخ إخواني؛ لكن بالله إن الجهل بهذا لهو النازلة.

يا حبيبي؛ امتحانات الله للناس ثلاثةٌ: امتحانٌ عامٌّ ما خلقهم كافةً إلا له، مراده ابتلاؤهم بالقدَر (خيرًا وشرًّا) وبالشرع (أخبارًا وأحكامًا) لينظر كيف يعملون، وهو الذي في قوله تبارك: “الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا”، وامتحان مثوبةٍ خاصٌّ بالمؤمنين الذين أفلحوا في الامتحان العام، مراده استخراج ما في قلوبهم من التقوى -بقدَرٍ أو شرعٍ يوفقهم فيه لما يحب ويرضى- فيجازيهم بهذا غفرانًا ورضوانًا، وهو الذي في قوله تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ”، وامتحان عقوبةٍ خاصٌّ بالكافرين والفاجرين الذين خسروا في الامتحان العام، مراده استخراج ما في قلوبهم من الفسق -بقدَرٍ أو شرعٍ يخذلهم فيه بما يكره ويسخط- فيجازيهم بذلك سخطًا وعذابًا، وهو الذي في قوله تقدَّس: “وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَٰلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ”.

أليس غريبًا أن تكون النازلة لأهل غزة (الذين طحنتهم طحنًا)؛ امتحان مثوبةٍ مراد الله به استخراج ما في قلوبهم من بدائع الصبر واليقين، مما أدهشنا بعضُه كيف لو رأيناه كلَّه! وتكون للساخطين (الذين لم تُصِبْهم في نفوسهم ولا جسومهم ولا أهليهم ولا أموالهم)؛ امتحان عقوبةٍ مراد الله به استخراج ما في قلوبهم من قبائح السخط والارتياب! بلى إنه غريبٌ يُخَوِّف من الله الأريب.

إن أحق ما اشتغل به عبدٌ يعلم أنه عبدٌ؛ معرفته أيُّ رَجُلَي الامتحانَين هو!

لأجل هذا أخوك قرير العين بقدَر الرب الأعظم هذي الأيام، ولو أن الله اجتبى منا كل يومٍ ألف شهيدٍ، وكانت ثمرة ذلك ما يُشْهِدنا من نتائج امتحانَي المثوبة والعقوبة؛ لكان حسبي؛ كيف واللهُ -زيادةً على هذا الفضل الكبير- أزاح عن جسد الإسلام العليل أنواع أورامٍ طال كُمُونها فيه! نَعِم من قرَّت عينه بالله!