لئن نسي عقلي كل سؤالٍ

لئن نسي عقلي كل سؤالٍ سُئلته؛ فمحالٌ نسيان قلبي ذلك السؤال:

أمي لا تستطيع القراءة، وهي تحب القرآن، فكلما أرادت تلاوته فتحته فجعلت تُقَلِّب صفحاته، وتمسح بيمينها صفحةً صفحةً من أعلاها إلى أدناها؛ فما حكم هذا؟

الحكم أن تأخذ والدتك علمنا بالقراءة، وتعطينا من حبها للمقروء له.

هذا سؤالٌ جوابه الدمع إن ضَنَّ الدم.

كسؤالٍ سُئلته من مقاتلٍ بالشام أيام ثورتهم العظيمة: لا أستطيع مع شغلي بالقتال وخدمة إخواني مراجعة القرآن كما كنت؛ فما أصنع؟

يا أولياء الله؛ إني لَأُقَدِّس سؤالاتكم عن قراءة مثلي لها؛ كيف بجوابها!

يا معشر من أحبَّ الله

يا معشر من أحبَّ الله وهم لمعصيته -كلما غُلِبوا عليها- كارهون؛ هلُمُّوا.

هذا أثرٌ مرويٌّ عن رب العزة تبارك، لا يدَع فؤاد عبدٍ يتألَّه اللهَ إلا أوجَع فؤاده.

“أيؤمَّل غيري للشدائد؛ والشدائد بيدي وأنا الحي القيوم! ويُرجَى غيري ويُطرَق بابُه بالبُكُرات؛ وبيدي مفاتيح الخزائن وبابي مفتوحٌ عند دعائي! من ذا الذي أمَّلني لنائبةٍ فقطَعْته! أو من ذا الذي رجاني لعظيمٍ فقطَعْت رجاءه! أو من ذا الذي طرق بابي فلم أفتحه له! أنا غاية الآمال كيف تنقطع الآمال دوني! أبخيلٌ أنا فيُبَخِّلني عبدي! أليس الدنيا والآخرة والكرم والفضل كله لي! ﻓﻤﺎ ﻳﻤﻨﻊ ﺍﻟﻤﺆﻣِّﻠﻴﻦ ﺃﻥ ﻳﺆﻣِّﻠﻮﻧﻲ؛ ﻭﻟﻮ ﺟَﻤﻌﺖ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺃﻫﻞ ﺍﻷﺭﺽ ﺛﻢ ﺃﻋﻄﻴﺖ ﻛﻞ ﻭﺍﺣﺪٍ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﺎ ﺃﻋﻄﻴﺖ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ، ﻭﺑﻠَّﻐﺖ ﻛﻞ ﻭﺍﺣﺪٍ ﻣﻨﻬﻢ ﺃﻣﻠﻪ؛ ﻟﻢ ﻳﻨﻘﺺ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﻣﻠﻜﻲ ﻣﺜﻘﺎﻝ ﺫﺭﺓٍ! ﻭﻛﻴﻒ ﻳﻨﻘﺺ ﻣُﻠﻚٌ ﺃﻧﺎ ﻗﻴِّﻤُﻪ! فيا بؤسًا للقانطين من رحمتي، ويا بؤسًا لمن عصاني وتوثَّب على محارمي”. ذلكم الله أحبَّتاه فأنَّى نُحْرم!

انظر كيف أكثر الناس في

انظر كيف أكثر الناس في الواقع والمواقع؛ باردون ودماؤنا حارَّةٌ تفور!

تظن أولئك المثلَّجين في (فريزرات الشهوات)؛ لا تغضب نفوسهم طبيعةً!

يغضبون، ويسخطون، ويحنقون، ويحرِدون، ويتغيظون، ويتلظَّون، ويتوغَّرون، ويستشيطون، ويعبسون، ويكلحون، ويمتعضون، ويكفهرُّون، ويثورون، ويهيجون، ويتجهَّمون، ويُرْغون، ويُزْبدون، ويحتدون، ويشتدون، ويغلظون، ويتوعدون، ويتهددون، ويعادون؛ لكن لذواتهم المقدَّسة في قلوبهم إذا خوصمت بالباطل في لُعَاعَةٍ من الدنيا، أو بالحق في مجيدٍ من الدين.

ليس أحدٌ بأشدَّ غضبًا من أحدٍ؛ لكن العبد إذا هان على ربه بغرقه في نفسه -والرب غيورٌ- صرَّف غضبه لحظ نفسه، فلا يكاد يغضب لذات الله؛ مهما انتُهكت محارمه، ودِيست حدوده، وبُغِي على أوليائه، وذلك العذاب الأليم.

لماذا لا تكتب عن فلانٍ

لماذا لا تكتب عن فلانٍ الأسير! قالها بلسان مستنكرٍ لا مستخبرٍ.

يا حبيبي وبسط الله لي في حُسن ظنك؛ لا أكتب عن أخي لأجله فافهم.

ما أخوك هنا إلا لأهله وأحبابه، وإن أوَّلهم موالينا المجاهدون وساداتنا الأُسارى.

إنما أسرانا بِضْعَاتٌ منا يُضْنينا ما يُضْنيهم؛ تولَّاهم مولاهم في بلواهم.

بالله أعوذ أن يجعل عقابي بما أستحق؛ نسيان القوم وخذلانهم.

أَخْوَف ما أخاف على نفسي

أَخْوَف ما أخاف على نفسي من الخلائق يوم التلاقي؛ روحي.

أُحاذِر أن تقول لبارئها إن أذن لها بالحديث: ربِّ سَلْ صاحبي ذا فِيمَ خنقني!

أُحِس هذا كلما قرأت القرآن أو سمعته؛ فانتعشَت به روحي.

إني وربي لعبدٌ لئيمٌ؛ كيف أَحْرم مخلوقًا فيَّ وَكَلَ أمرَه إليَّ حقَّه في الحياة!

أليس أقلَّ حقوق روحي عليَّ الحياة! فلا حياة لها إلا بالقرآن.

كيف لا أشعر باختناق روحي كل مرةٍ؛ إلا بعد شعوري بانتعاشها! بئس العبد.

ليتني قدَّمت لروحي معشار ما قدَّمت لجسدي من الرعاية.

يا روحي؛ أعلم أنه لو خُلِّي بينكِ وبيني لانعتقتِ مني؛ لكن أخِّريني وانظُري.

بك اللهم أستعين على بِرِّ روحي بكتابك؛ من بعد عهد الجَفا.

قد كان حقُّ روحي عليَّ تنعيمَها بالعمل بالقرآن؛ فاليوم ترجو الحياة بالتلاوة.

اللهم تلاوةً تُقَرِّب من عملٍ، وعملًا يُقَرِّب من رضاك، وتجاوَز.

ليست أمارةَ شيخوختك شعرتان تشتعلان

ليست أمارةَ شيخوختك شعرتان تشتعلان شيبًا في رأسك ولحيتك؛ لكن أمارتها خصلتان تستويان سُوقًا في قلبك وعقلك؛ الزهد في معاتبة الأقربين قبل الأبعدين، وكراهية مماراة العقلاء قبل السفهاء؛ سعد عبدٌ تعجل شيخوخته.

ليلتكم حنبليةٌ. ختام يومكم مسك

ليلتكم حنبليةٌ.

ختام يومكم مسك سيدي أبي عبد الله أحمد بن حنبل.

قال رجلٌ للإمام: كيف يرق قلبي؟ قال: “ادخل المقبرة، وامسح رأس اليتيم”. وسئل عن رجلٍ استقرض من أجل أن يَعُق عن المولود، فقال: “إني لأرجو إن استقرض أن يُعَجِّل الله له الخلَف؛ لأنه أحيا سنةً من سنن النبي صلى الله عليه وسلم، واتبع ما جاء عنه”. وجاءه رجلٌ فقال: إن لي والدةً مُقْعَدةً تسألك أن تدعو لها، فغضب وقال: “كيف قصدتني! قل لوالدتك تدعو لي؛ هذه مبتلاةٌ، وأنا معافًى”، ثم دعا لها، وعوفيت. رضي الله عن ربع بنيان الشريعة الرابع.