أحب الشيخ أحمد المحلاوي المصري

أحب الشيخ أحمد المحلاوي المصري السكندري المعمَّر الجليل، أحبه في الله حبًّا شديدًا، وأحمد الله وأثني عليه بشرف معاصرته، وهو عتيق الدعوة إلى الله والحِسبة في الإسلام، صدع بالحق وابتُلي فيه، وكان من أصحابه السكندريين شيخُنا عبد المجيد الشاذلي من أصحاب سيد قطب رحمهما الله ورضي عنهما.

شغل الله عبده المحلاوي بالأجَلِّ الأسنى؛ حتى يتصدَّق عليه بالخاتمة الحسنى.

يا حبيبي؛ رابحٌ رابحٌ أنت

يا حبيبي؛ رابحٌ رابحٌ أنت بالدعاء وإن رأيت أنه لم يُستجَب لك.

الدعاء العبادة التي ما خُلِقْت إلا لأجلها؛ بل هو خير العبادة وأعلاها.

الدعاء توحيد ربوبيةٍ؛ فلولا اعتقادك أحَدِيَّة الله في خلقه وحُكمه؛ ما دعوته.

الدعاء توحيد أسماءٍ وصفاتٍ؛ فلولا اعتقادك تفرُّد الله بالأسماء الحسنى والصفات المُثلى؛ ما دعوته، ولولا اعتقادك واحِدِيَّته في صفات الكمال وكمال الصفات؛ ما دعوته، ولولا اعتقادك في أسمائه وصفاته ما يليق بها وينبغي لها بين تعطيل المعطِّلة وتجسيم المجسِّمة ربًّا ليس كمثله شيءٌ فيها؛ ما دعوته.

الدعاء الإيمان الجامع بالأسماء والصفات مجموعةً غير مفرَّقةٍ؛ فإنك لا تدعو الله بشيءٍ إلا وقلبك مُوثَقٌ مشدودٌ على الإيمان بحياة ربك وقيُّوميَّته، ورأفته ورحمته، وقوته وقدرته، وعلمه وخبرته، وسمعه وبصره، وعزته وحكمته، وقهره وجبره وغلبته، ومُلكه ومالكيته، وغناه وبرِّه، وحفظه وحسابه وإقاتته، وتوليه وولايته، ووده ولطفه وإحسانه، وكرمه وجوده ومجده، وفتحه وقبوله وإجابته، وعفوه وحلمه ومغفرته، وسعته وإحاطته، وما لا ينتهي من أسماء ربك وصفاته.

الدعاء توحيد ألوهيةٍ؛ فلولا اعتقادك استئثار الله باستحقاق التعبد؛ ما دعوته.

الدعاء اتباعٌ للنبي صلى الله عليه وسلم؛ فلولا تعبدك في قضاء الحاجة بما شرع هو؛ ما عرفت من تدعو، ولا كيف تدعو، ولا بِمَ تدعو.

الدعاء إسلامٌ؛ فهو خضوع قلبك وانقياد جوارحك في اللجأ إلى ربك.

الدعاء إيمانٌ بالله؛ فلولا إقرارك بالله ربًّا؛ ما توجه قلبك ولسانك إليه بالطلب.

الدعاء إيمان بالملائكة؛ فلولا إقرارك بوجودهم وما يفعل الله بهم في استجابات الدعاء؛ ما دعوته، حضرك هذا في الدعاء أم لم يحضرك.

الدعاء إيمانٌ بالكتب؛ فلولا تصديقك ما أمر الله في كتابه من دعائه؛ ما دعوته.

الدعاء إيمانٌ بالرسل؛ فلولا تصديقك الباطن أن الرسل هم أولى العالمين بالدعاء استمساكًا به وحضًّا عليه؛ ما دعوت الله مثلهم، متأسِّيًا بهم.

الدعاء إيمانٌ باليوم الآخر؛ فإنك إذ تدعو الله تعتقد أن استجابة دعائك قد تؤخَّر إلى يوم القيامة، وقد يَعْظُم إيمانك فتؤثر ذلك، ومع هذا لا تكف عن الدعاء.

الدعاء إيمانٌ بالقدَر خيره وشره؛ فلولا أنك تؤمن بخلق الله كلَّ شيءٍ، وعلمه بكل شيءٍ، وكتابته كلَّ شيءٍ، ومشيئته لكل شيءٍ؛ ما دعوته.

الدعاء إحسانٌ؛ فلولا شهودك جلال الله وجماله الذَين ترجو بهما رأفته التي يُدْفع بها الضر ورحمته التي يُجْلب بها النفع -كأنك تراه- ما دعوته.

الدعاء حبٌّ؛ فلولا محبتك الله ما دعوته، وهل يُقصد اختيارًا إلا المحبوب!

الدعاء صدقٌ؛ فلولا اجتماع قلبك على مرادك من الله؛ ما دعوته.

الدعاء إخلاصٌ؛ فلولا إفرادك الله بقصد التوجه؛ ما دعوته.

الدعاء خوفٌ؛ فلولا رهبتك حصول شيءٍ أو عدم حصوله -مما ليس بيد أحدٍ في الوجود كله إلا الله وحده- ما دعوته.

الدعاء رجاءٌ؛ فلولا طمعك في استجابة الله تضرعك إليه؛ ما دعوته.

الدعاء ذكرٌ؛ بالقلب فلولا تذكُّر القلب ربه ما حمل اللسان على الدعاء، وإن أصل الذكر بالقلب، ولئن كان الدعاء باللسان مجرَّدًا؛ فكم يَجْتَرُّ هذا القلب!

الدعاء حمدٌ وشكرٌ ومدحٌ وثناءٌ؛ في نفسه بدلالة التضمن، وبما قد يشتمل عليه.

الدعاء إيثارٌ؛ فلولا اختيارك اللهَ فوق كل مرجوٍّ من الخلائق؛ ما دعوته.

الدعاء تعظيمٌ وإجلالٌ وإكبارٌ؛ فلولا أنك ترى ربك الأعظم الأجلَّ الأكبر؛ ما دعوته.

الدعاء تسبيحٌ وتقديسٌ؛ فلولا اعتقادك تنزُّه الرب عن كل عيبٍ متصلٍ وشريكٍ منفصلٍ؛ ما دعوته، وهل يُخَصٌّ بالسؤال ذو نقصٍ في نفسه مفتقرٌ إلى غيره!

الدعاء تفويضٌ وتوكلٌ؛ فلولا أن قلبك غير معتمدٍ على الأسباب ولا راكنٍ إليها -مهما أخذَت الجوارح بها لا تفرِّط فيها- ما دعوت مسبِّبها.

الدعاء ثقةٌ ويقينٌ؛ فلولا قيامهما بقلبك في ربك وما في يده؛ ما دعوته.

الدعاء هجرةٌ وفرارٌ؛ فلولا شهادتك على سكون الأسباب إلا أن يحركها بارئها؛ ما تركت الاستناد عليها بكُلِّيتك ودعوت الله.

الدعاء صبرٌ؛ فلولا أنك مانعٌ نفسك من السخط على المقدور؛ ما دعوت المقدِّر.

الدعاء افتقارٌ؛ فلولا شهودك فقر نفسك وضعفها وجهلها وذلَّها؛ ما دعوت الله.

الدعاء ذلٌّ واستكانةٌ وإخباتٌ وانقيادٌ وتسليمٌ، وما حقيقة العبادة إلا هذا جميعًا.

الدعاء أنسٌ بالله؛ فلولا حاجتك إلى تحبُّبه إليك وتقرُّبه منك بما تريد؛ ما دعوته.

الدعاء إيقاظٌ للقلب؛ فلولا إنعاشه بإحواجه إلى الله واضطراره إليه؛ بقي جامدًا خامدًا هامدًا، وإنما انتفاع اللسان والجوارح بالقلب إذا كان حيًّا.

الدعاء تزكيةٌ وتربيةٌ؛ فإنه بنفسه -وإن لم تقصد ذلك منه- مطهرٌ للنفس من عُجْبها المحبِط للأعمال وكِبْرها المفسِد للأحوال، ومؤدِّبٌ لها بأضدادها.

الدعاء تشبهٌ بالملائكة والنبيين والصِّدِّيقين؛ فإن سبيلهم الباطنة والظاهرة على كل أحوالهم وجميع أحيانهم؛ هي دعاء الله والتوسل إليه.

الدعاء تعريفٌ بنفسك في السماء؛ فإنك لا تزال تدعو الله وتُلِحُّ في الدعاء؛ حتى يألف صوتَك أهلُ السماء، وإن لم يسمعك سامعٌ من أهل الأرض.

ألم أقل لك: رابحٌ رابحٌ أنت بالدعاء وإن رأيت أنه لم يُستجَب لك!

من النفوس نفوسٌ مهرجانيةٌ؛ لونُها

من النفوس نفوسٌ مهرجانيةٌ؛ لونُها لونُ عذاب الله الذي يسمِّيه أصحابه -من أشباه البشر- مهرجاناتٍ، ويلتذون بسماعها مخسوفًا بذائقاتهم، أجلْ هو عذابٌ ضرب الربُّ به أهل الزمان كما ضرب أسلافهم بالقُمَّل والضفادع والدَّم؛ بَيْدَ أن هذه المهرجانات أشنعُ فظاعةً من هذه الثلاث لو عُصِرت في وعاءٍ واحدٍ.

فإن يكُ لونُ هذه المهرجانات شكوى صُروف الدهر إلى الخلق، ولعنَ أخلاق الخلق إلى النفس؛ فإن من النفوس نفوسًا مهرجانيةً، لا تنفكُّ شكَّاءةً على كل أحوالها وجميع أحيانها، كَلْبِيَّةً تلهث حُمِل عليها أم لم يُحمل. وكيف يُشكى إلى الخلق ثم هم يُلعنون! لا تسَل عن غير معقولٍ غيرَ عاقلٍ فإنك إذن تشقى.

يقولون: لا تُوصِ حريصًا. من

يقولون: لا تُوصِ حريصًا.

من كان على أمرٍ له حريصًا؛ لم يُوصَ به، كفى بحرصه عليه في تحقيقه سببًا.

كيف يستعجل العبد ربه!

لا أعلمَ بحاجاتك ما جلَّ منها وما دقَّ إلا ربك، لا أولى بك في قضائها من ربك.

كيف تستعجل إذن ربك!

إنما أُمرت بالدعاء تشريفًا لك بسؤال ربك، ولتكون إذا استُجيب لك فيه سببًا.

نستغفر الله من جهلنا به.

بك أنزلنا حاجاتنا ذا الجلال والإكرام، لا نستعجلك قضاءها، إنما طُمأنينتنا بك.

ربُّنا بنا أخبر وأقدر وأرحم.

اذكروا من طال في أسقامهم

اذكروا من طال في أسقامهم الأمد لا تنسوهم.

لا تألفوا أمراضهم فإنها ما بقيتْ ذاتُ آلامٍ شديدةٍ.

لا تغفلوا عنهم حتى إذا ماتوا بكيتموهم ورثيتموهم.

زوروهم، واسُوهم، اجبروهم، أصغوا إليهم، ادعوا لهم.

من قال إن الأوجاع إذا طال عليها العمر هانت! بل تَشُق.

لَطف اللطيف بكل ذي علَّةٍ منا، وجعلنا في اللطف أسبابًا.

يا أرباب العافية؛ آتُوا زكاة العافية، رأفةً بأُولي البلايا ورحمةً.

نستغفر خير غافرٍ من تفريطنا في جنبكم مرضانا، ونستغفركم.

أحدهم يسألكم الدعاءَ له؛ فادعوا له صُدُقًا بالتخفيف وبالتطبيب.

يا حبيبًا طال في علَّته الأمد؛ طبَّبك الله، أصحَّك الله، لله فسامحني.

كن كالقرآن لا ريب فيك؛

كن كالقرآن لا ريب فيك؛ لا شك فيك ولا ارتياب ولا امتراء.

توحيدٌ بلا قصورٍ، ونُسُكٌ بلا قبورٍ، وأخلاقٌ بعُصُم الوحيين لا تبور.

إلَّا تكن لا شك فيك؛ تكن بدينك من اللاعبين؛ “بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ”.

بلاؤك أقوى منك ما واجهته

بلاؤك أقوى منك ما واجهته وحدك، وأنت أقوى منه ما واجهته بالله.

بين يدي ربك فاشهد على نفسك بجهلك وضعفك؛ ذلك العلم وتلك القوة.

كذَبك من نعتك قويًّا، خُلقت ضعيفًا وبضعفك تلقى الله، ضعيف النفس ضعيف الجسد ضعيف ما بينهما، لا قوة لك في ترك هذا وفعل ذاك إلا بما قوَّاك الله. إذا علمت ذلك؛ لم تلق البلاء بصدرك، بل لقيته بفقرك، يا مسكين.

يا توأم ديني؛ لا توبة

يا توأم ديني؛ لا توبة بغير ندمٍ، الندم عمود فسطاط التوبة؛ لكن حسبك من الندم قدْرٌ يعينك على ثلاثٍ؛ بُغْضِ الخطيئة، عزمٍ ألا تعود إليها، فعلٍ للطاعة بعدها لتَحُلَّ عند الله محلَّها، فأما ما زاد من الندم على هذا القدْر المستصلِح؛ فوبالٌ عليك في عاجل أمرك وآجله؛ فإنه يُبَغِّضُ إليك نفسك، وإنك متى أبغضت نفسك حقرتها، فقعدت بها عن طلب المعالي غيرَ مُبَالٍ بطول مُكْثها في المخازي، وهل يطلب معالي الأمور اليومَ وفردوس الله الأعلى غدًا؛ إلا عاشقٌ لنفسه العشق الحق! ذلك العبد الذي يَضِنُّ بها على النار وما قرَّب إليها من قولٍ وعملٍ، فإن هو اقترب مما يُقَرِّب من النار؛ نهض من عثاره فأتى اللهَ بالتوبة هرولةً، فأتاه الله بقبولها هرولةً جزاءً وِفاقًا إنه هو الغفور الشكور.

أخا السبيل؛ إنما الندم الحق الذي يُسْخِطُك على معصيتك، لا الذي ينفخ فيه الشيطان فيجعل سخطك على ذاتك؛ أفلح النادمون لا يزيدون ولا ينقصون.