أحمد عرفة وإسماعيل جاد؛ عبدان

أحمد عرفة وإسماعيل جاد؛ عبدان حشاهما الله مروءةً وجمالًا.

ربنا أعجِب بنجاتهما أولياءك، وأغِظ بثباتهما أعداءك، وأمثالهما جميعًا.

نقل الأول للثاني بيتًا قلته هازلًا: ألا لا يألِشَنْ أحدٌ علينا، فنشره الثاني، فعجبت كيف بلَغه! وكتبت له هذه الأبيات، كان ذلك يوم 30 يونيو 2014.

بأيِّ وسيلةٍ سُمْعَهْ بنَ جادٍ
أتاكَ البيتُ بيتَ ابنِ اللذينا

ألا لا يألِشَنْ أحدٌ علينا
فنألِشَ فوقَ ألْشِ الآلِشينا

بلى قلناهُ في ساعاتِ ألْشٍ
وقدْ كنا بليلٍ ساهرينا

نُؤزئزُ لُبَّنا سُوري وأبيضْ
ونَهْري في الفَواكسِ عابثينا

نفُكُّ نفوسَنا عن مُوجعاتٍ
أبَتْ إلا تُخامِرُنا فُنونا

فمنْ أَفْشَى حوارًا بِاسْتُخُبُّسْ
فأَظْبُطَهُ ولوْ كانَ القرينا

وإنَّ غتيتَ قارئِنا سئيلًا
سيُبْصِرُنا غُفاةً غافلينا

يقولُ أتضحكونَ وذي البلايا
فواتِكُ زعَّلتنا أجمعينا

وذا اليومُ الكئيبُ بشهرِ يونيو
وأنتمْ هاهنا تفَّاكهونا

ولكنا مُجيبوهُ بقولٍ
عتيقٍ عمرُهُ فحْتُ السِّنينا

ألا شرُّ البلايا مضحكاتٌ
فدَعْنا واطَّرِحنا ضاحكينا

وقدْ قالَ الكتاتني لا تُزايدْ
فصارتْ سُنَّةً فيما رُوينا

وإنَّ اللهَ علامَ الخفايا
لَيَعلمُ وحدهُ ما حزَّ فينا

حبيبي أنتَ إسماعيلُ حقًّا
وأنتيمي بصحبٍ أكرمينا

ورُبَّ صديقِ فيسبوكٍّ حديثٍ
يسابقُ في هوانا أقدمينا

اللهم أخرج عبدَيك أحمد وإسماعيل من السجن، وسائر أسرانا أجمعين، قريبًا غير بعيدٍ، بكن منك فيكون؛ لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين.

لسانُ العينِ أفصحُ ذي بيانٍ

لسانُ العينِ أفصحُ ذي بيانٍ ** فدونكَ شعرَهمْ فيها بليغا:

إنَّ المحبينَ قومٌ بينَ أعينهمْ ** وسْمٌ منَ الحبِّ لا يخفى على أحدِ

ونشكو بالعيونِ إذا التقينا ** فأُفهِمهُ ويعلمُ ما أردتُ
أقولُ بمقلتي أنْ متُّ شوقًا ** فيوحي طرفهُ أنْ قدْ علمتُ

كلُّ جريحٍ ترجى سلامتُهُ ** إلا فؤادًا رمتهُ عيناها

لوْ كنتَ ساعةَ بيننا ما بيننا ** وشهدتَ حينَ نكرِّرُ التوديعا
أيقنتَ أنَّ منَ الدموعِ محدثًا ** وعلمتَ أنَّ منَ الحديثِ دموعا

عيونٌ للسماءِ تبوحُ سرًّا ** وقدْ تغني العيونُ عنِ البيانِ
أحساسيسٌ تبدَّتْ فى نفوسٍ ** فأبدتها العيونُ بلا لسانِ

عيناكِ قدْ دلَّتا عينَيَّ منكِ على ** أشياءَ لولاهما ما كنتُ أرويها
والعينُ تعلمُ منْ عينَي محدثها ** إِنْ كانَ منْ حزبها أوْ منْ أعاديها

نظرتْ فأقصدتِ الفؤادَ بطرفها ** ثمَّ انثنتْ عني فكدتُ أهيمُ
ويلاهُ إنْ نظرتْ وإنْ هيَ أعرضتْ ** وقْعُ السهامِ ونزعُهنَّ أليمُ

فدعِ الكلامَ إذا لقيتَ عيونَها ** فالصمتُ أبلغُ ما حكى العشاقُ
أُلقي السلامَ فلا تجيبُ تحيةً ** ويجيبني في عينها الإطراقُ

لغةُ العيونِ تقولُ إنكَ عاشقُ ** فعلامَ صمتُكَ والهوى بكَ ناطقُ
لمَّا نظرتُ إلى عيونكَ أزهرتْ ** ما بيننا للياسَمينِ حدائقُ
عينايَ تخبرني بأنكَ لي هوًى ** سينيرُ روحي والشعورُ مطابقُ
فدعِ الترددَ أنتَ تقرأُ نظرتي ** وبما بعيني منْ غرامكَ واثقُ
فالدربُ يغلي كلما نأتِ الخطى ** وتفرَّعتْ منْ جانبَيهِ حرائقُ
فتعالَ قبلَ فراقِ أعيننا وقلْ ** شيئًا فما بيني وبينكَ عائقُ

ومما شجاني أنها يومَ ودَّعتْ ** تولَّتْ وماءُ العينِ في الجفنِ حائرُ
فلما أعادتْ منْ بعيدٍ بنظرةٍ ** إليَّ التفاتًا أسلمتهُ المحاجرُ

يخفي العداوةَ وهيَ غيرُ خفيةٍ ** نظرُ العدوِّ بما أَسَرَّ يبوحُ

إنَّ العيونَ التي في طرفها حَورٌ ** قتلننا ثمَّ لمْ يحيينَ قتلانا
يصرعنَ ذا اللبِّ حتى لا حراكَ بهِ ** وهنَّ أضعفُ خلقِ اللهِ إنسانا

أعيدوا صباحي فهوْ عندَ الكواعبِ ** وردُّوا رقادي فهوَ لحظُ الحبائبِ
فإنَّ نهاري ليلةٌ مدلهمةٌ ** على مقلةٍ منْ بعدكمْ في غياهبِ
بعيدةِ ما بينَ الجفونِ كأنما ** عقدتمْ أعالي كلِّ هدبٍ بحاجبِ

وشُغلتُ عنْ فهمِ الحديثِ سوى ** ما كان منكِ فإنهُ شغلي
وأُديمُ لحظَ محدثي ليرى ** أنْ قدْ عقلتُ وعندكمْ عقلي

عيونٌ إذا عاينتَها فكأنها ** دموعُ الندى منْ فوقِ أجفانها درُّ
محاجرها بيضٌ وأحداقها صفرٌ ** وأجسامها خضرٌ وأنفاسها عطرُ

عيونُ المها بينَ الرَّصافةِ والجسرِ ** جلبنَ الهوى منْ حيثُ أدري ولا أدري

شعر القوم في لغة العيون لا يحاط به، وإنه على كثرته في جنبها لقليلٌ.

اللهم هذه ساعة الإجابة من

اللهم هذه ساعة الإجابة من يوم الجمعة الأزهر في يوم عاشوراء الأبهر؛ أستغفرك رباه فيها ثم طلابي استغفارًا كثيرًا شديدًا؛ فأَنِلْنِي قبولَك وإياهم.

هذا حرفٌ أعتذر به إلى كل طالبٍ وطالبةٍ أسأت إليهم وجنيت عليهم -جهولًا ظلومًا- بتعنيفٍ نفسيٍّ أو حِسِّيٍّ، ممن شرَّفني الله طويلًا بتحفيظهم كتابَه.

أما تأخيرهم عن المنصرَف شغلًا عنهم بما ليس أولى منهم؛ فمظلمةٌ أخرى.

قد اجتاح ذنبي نفسي، وحقُّكم فوق رأسي؛ فاغفروا لي سادتي غيرَ مأمورين.

اللهم من وصَّل اعتذاري هذا إلى واحدٍ منهم؛ فصِله بحُسن عبادتك في دنياه، وبرحمتك في برزخه، وبجوارك في الفردوس الأعلى يوم لقائه إياك.

هل حسبي طلابي أن أقول لكم معترفًا بخطيئتي ذليلًا بها عليكم: والله ما قصدت سوءًا يوم ركبت هذه الأُحْمُوقات! بل كنت -وواخجلي- أظن أني فاقِهٌ حكيمٌ، وأني ما دمت أعاقبكم -وقتئذٍ- بأهونَ مما كان يعاقبني به شيخي -رضي الله عنه- كثيرًا؛ فلا بأس علي ولا جُناح! وإني لمخذولٌ مخذولٌ.

إني مُذ حِيل بيني وبينكم، كلما وصلني فاضلٌ منكم برسالةٍ ذكرٌ أو أنثى؛ اعتذرت إليه اعتذارًا بليغًا، وأوصيته مستحلفًا بإبلاغ اعتذاري إلى كل من يلقاه منكم، ومع أني ما اعتذرت إلى جميلٍ نبيلٍ منكم بشيءٍ؛ إلا جعل -بلُطفه وعطفه- ظلمي عدلًا وإساءتي إحسانًا؛ إلا أني لا أغفر لنفسي هذا ما دمت حيًّا؛ وكيف أغفر لها ما لعله بقيتْ آثارُه السُّوأى في واحدٍ منكم!

لعل بعضكم أن يقول لي الآن: لئن أسأت يا شيخ فلقد أحسنت؛ فأما قبلُ فلا يقولن أحدكم ولا غيركم: “يا شيخٌ”؛ فإني أمقتها شهد الله، وأما بعدُ فإني امرؤٌ يتعاظمني قليلُ إساءتي إلى غيري حتى لا أرى لي إحسانًا إليه، كما يتعاظمني يسيرُ إحسان غيري إلي حتى لا أرى له إساءةً إلي؛ كيف إذا كانت الإساءة كلها مني وإلى من مُلئوا إحسانًا، أيها السَّفرة البررة طلاب كتاب الله!

ثمانية عشر عامًا نَعِمَ قلبي؛ بتعليم الأطفال كلامَ ربي.

كانوا في نواحيها أحاديثَ النفس، ورياضَ العقل، ونشاطَ الجسم، وربيعَ الحياة.

كانوا سلامَ الله في داري، ورحمتَه بأهلي، وبركاتِه على جَهدي؛ فعليهم سلام الله ورحمته وبركاته في دورهم الثلاثة، وعلى من أحبُّوا كرامًا أجمعين.

كانوا رشادي كلما غوَيْتُ بِظَلْمائي، وغَنائي كلما أمْلَقْتُ بجَدْبائي.

كان لي منهم بعضُ ما لهم من القرآن؛ موعظةٌ، وشفاءٌ، وهدًى، ورحمةٌ.

يا نِعمتِ الأصواتُ عاليةً مختلطةً بتَرْداد القرآن؛ في جَنَبَات نفسي وداري!

يا طوبى ذكراهم؛ حضورًا ومنصرَفًا، حفظًا وتفريطًا وتلعثمًا بينهما، ثوابًا وعقابًا، وكلَّ شيءٍ كان في كل عهدهم النضير من كل طالبٍ وطالبةٍ!

يا حُبور روحي بجميع ما كان بهم؛ راغبين راهبين، ضاحكين باكين، جادِّين لاعبين!

قد فصَّل الله لي مناقبهم ومثالبهم تفصيلًا عجبًا، وبان لي من طبائعهم وخلائقهم بعضُ ما لا يَبين لهم من أنفسهم ولا لآبائهم وأمهاتهم، فأنا أَذكر جمهرتهم وجمهرة هذا فيهم، وأتعشَّق لهم كمال كل تمامٍ وتمام كل كمالٍ.

كيف وسِعهم مئةً أو يزيدون مكانٌ! كم طاب بهم من الفجر إلى العشاء زمانٌ!

قد كنت أبهج الناس أتقلَّب في نعمائهم؛ حتى حال الطغاة -لعنهم الله- بيني وبينهم، فاستحال بياضُها سوادًا، إلا فضلًا من ربي بقي علي كبيرًا.

الشأن قديمٌ، يومَ حسد إبليسُ آدم؛ فحنقت الرذيلة على الفضيلة، وتغيَّظ العُهر من الطُّهر، لا جديد في المعركة بين الإسلام والجاهلية إلى يوم الدين.

ربِّ بما حالوا بيني وبينهم؛ فحُل بينهم وبين العافية، يدَك فوق أيدينا إعدادًا وإمدادًا؛ حتى يَشقوا بنا أحياءً وأمواتًا ومبعوثين، حسبنا أنت ونعم الوكيل.

أُولو البلاء غيري، وإني بحمد الله في سلامةٍ وسعةٍ، أعوذ بالله أن أتشبَّع بما لم أُعْطَ، وأن أُحب الحمد بما لم أفعل؛ لكني مِن فقد طلابي صِحابي منذ أُخرجت من بيتي في كبدٍ، ولولا طمعٌ وفيرٌ في جنة الله الجامعة لمُتُّ كمدًا.

لقد أصبت فيهم وأخطأت، وأحسنت إليهم وأسأت؛ أما هم فعصمهم الله.

أحاطوني بنقاوتهم، وغمروني بصفاوتهم، فحظِّي منهم أطيب من نصيبهم مني وأوفى، لو كان لهم مني نصيبٌ؛ أستعفيك اللهم من أملٍ بلا عملٍ.

تالله لقد وَهَتْ روحي من بَعدهم وكانت بينهم صبيةً، وشاخ قلبي في بُعدهم وكان بهم فتيًّا؛ حتى بِتُّ أُنكر في بعادهم نفسي؛ فما اليومَ نفسي!

لَعَمْرُكَ ما الغروبُ غروبَ شمسٍ ** ولكنْ أخْذُ قلبكَ في الأُفولِ

أنشأتُ هذا البيتَ ذاتَ كآبةٍ أنشأتْ بنفسي ابتئاسًا؛ إن ربي لطيفٌ لما يشاء.

اليوم كلما لقيت منهم أحدًا؛ لا يحيط به بصري، إذ يودُّ قلبي لو أحاط به هو.
الحديث عنكم -يا ثمراتِ قلبي- عجبٌ كريمٌ ذو شجونٍ، لا يفي ببعضه بيانٌ، وإن لكم فيَّ مقالًا؛ لئن حسُن فأنتم له أهلٌ، ولئن ساء فأنا له أهلٌ.

عملت الجنُّ لسليمان -صلَّى الله عليه- ما شاء “مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ” فعمل لله شكرًا، وملأ الأطفالُ بيتي من أعاجيب التنزيل بقرارٍ وجوابٍ آياتٍ بيناتٍ فلم أكن في الشاكرين، ويوم “قَالَتْ نَمْلَةٌ”؛ ذكَر -سلَّم الله عليه- ربَّه ضارعًا: “رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ”، وقد أَتْرَعَ الأطفالُ بيتي من كلام ربي قولًا؛ فلم أكُ من الذاكرين؛ يا حسرتاي.

اللهم إني اليوم -ولم يعُد البَنون شهودًا- أَذكرك، وأشكرك بمِنَّتك علي بهم فلا أَكفرك، لك الحمد جزيلًا وعليك الثناء جميلًا، عن ضعف الشُّكران تجاوَز وأنت أحسن المحسنين؛ تلك نعمةٌ ليس فوقها إلا نعمة الإسلام وأمي.

أقول متملِّقًا مقام الكليم: “رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ”.

يا شبيبة الوحي المقدَّس، يا مشاعل النور في الدَّياجير، يا نبات يمين الله: إني امرؤٌ لا أرى الغد إلا فيكم، ولا سناءه إلا منكم، ولا فتْحه إلا عليكم.

يقول فؤادي كلما بَهَرَته وجوهُكم: إن تكن يدُ الله الزارعة؛ فأيُّ يدٍ هي النازعة!

ربَّنا لِيُقيموا دينك في العالمين؛ فاصنعهم على عينك، واصطنِعهم لنفسك.

يا كل معلِّمي تنزيل الحكيم الحميد في الأرض؛ لَوَدِدت أن ربي جمعني بكم كافةً في بيته الحرام بين ركنه والمقام، فاستحلفتكم واحدًا واحدًا باسمه الأعظم ألا تقسوا على طلابكم، فمن اضطر إلى شيءٍ من القسوة (فيمن تَصلح له) غيرَ باغٍ ولا عادٍ فلا جُناح عليه؛ فإن الأصل عصمة نفوس الأطفال وأجسادهم عن السوء كله، وأبشع الظلم ظلم من لا يقدر على دفعه عن نفسه؛ كيف إذا كان طفلًا! ومن كان منهم غير مكلَّفٍ بالصلاة فليس بما دونها مكلَّفًا، ومن فرَّط والداه في تربيته -وهم جمهرة أطفال المسلمين اليوم- فهو مسكينٌ مستحقٌّ للشفقة الراشدة، ولا تعاقب طالبًا وأنت غضبان، واذكر أن العقاب وسيلةٌ لا غايةٌ، وبين المعالجة والمحاسبة اتفاقٌ وافتراقٌ، فأما الانتقام فلا موضع له، ولا يصلح ذو عُقَدٍ نفسيةٍ لتعليم شيءٍ من العلم؛ كيف بتعليم القرآن! ولا تثأر لنفسك من طالبك إذا أساء إليك؛ لكن أدِّبه بما يليق بعمره وعقله وطبعه، ومن استغاث بالله حال عقابه فأغثه وأمسِك، والموفَّق من وضع الشيء في موضعه، والتمييز بين أنواع الطلاب نورٌ يجعله الله في بصيرة المعلِّم وبصَرِه، وأحسنُ إحسانك إلى من تستصلحه حين لا يحسن، وبالرِّفق تُستخرَج الحَيَّة من جُحرها، وإن الله ليعطي عليه ما لا يعطي على العنف، ولو أني استقبلت من أمري ما استدبرت ما أغلظت على طلابي؛ اللهم غفرًا.

ربِّ هب لي عفوهم والصفح الجميل، لئن لم ترحمني بهذا أكن من البائسين.

حروفٌ شتى، لئن أرضاك أولها

حروفٌ شتى، لئن أرضاك أولها فقد يُسخطك آخرها؛ اتَّئِد بإعجابك حبيبي:

نقص الله أمس من الأرض طرفًا كريمًا، توفى نفْسَ وليِّه الصالح شيخِنا الدَّرعمي المُتَشَرِّع الجليل علَّامة الاقتصاد الإسلامي علي السالوس؛ رحمه الله وغفر له ورضي عنه ونوَّر قبره، وجبر الإسلام وأهله في فقده، كان عبدًا رضِيَّ النفس خفيض الجَناح سمْح الخليقة، وكان طويل الصمت كثير التأمل مطواعًا لله، ليس قبوريًّا ولا قصوريًّا، قد صحب جمهرةً من أهل اللغة والشريعة فرضي عنهم ورضوا عنه؛ فيك اللهم الطمعُ أن تجعل ثناءك عليه في الملأ الأعلى أزكى وأبقى، واربط على قلوب محبيه كي تحفظ صبرهم فيها جميلًا.

سرَّني سرورًا عظيمًا ما يسَّر الله من الخير لأخي الشيخ القاسم الأزهري (درجة العالِمية)؛ فاجعلها اللهم بركةً عليه في دنياه وأخراه، واغفر له واهده.

أبرأ إلى الله ورسوله ودينه وعباده من مناظرة بَظْر الخليفي، غَلب مُناظِره أو غُلب، ولئن قال الإمام شعبة بن الحجاج قديمًا: “لأن أزني أحب إلي من أن أُدَلِّس”؛ فإني اليوم أقول: لأن أزني ساعةً أحب إلي من خُطور الاستماع لصوت هذا الفُسَيْل على قلبي هُنَيْهَةً، ولأن يناظر المسلم في عِرض حريمه جميعًا؛ أهون عليه من المناظرة في عِرض سادات الإسلام أبي حنيفة والنووي والسيوطي وأمثالِهم من سُكَّان جنات عدنٍ المقطوع بإمامتهم وإن زلُّوا فيما زلُّوا، لئن ولج الضبعُ سَمَّ الخِياط فإن الدراويش لا يعقلون؛ وما علينا!

ما على اللبيب إذا اضطر اضطرارَ آكِل لحم الخنزير إلى ذِكر الخليفي وبَظْره، وذاكر حنفي، والأزهري الحنبلي، وصهيب حسن، ومصطفى عبد النبي، وأشباهِهم ممن هتك الله أورام صدورهم الخبيثة للبُصَراء كافةً؛ إلا أن يسبهم بأشنع لفظٍ وأبشعه مما تُجَوِّزه الشريعة المَجيدة للمسلم تجويزها مسَّ الأقذار في الاستنجاء والاستجمار، فمن عجز جهولًا واهنًا فله الخَرَس، فأما أن يُجَرَّ إلى مناقشتهم بأيَّة دعوى؛ فبك اللهم من الهبل وما أغرى به عِياذًا ولِياذًا.

تحسبونني رجعت عن شتم هؤلاء الأوباش بلطيف السِّباب وظريفه الذي كنت آتي! قد ظن بي السوء مَن تخايَل ذلك؛ إنما سئمته سآمتي إفهام من لا يفهم أن ذلك اللائق بهم المُنْبَغِي لهم، وأن غاية مشتهى هؤلاء السِّفلة إقناع الرِّعاع أن الأمر دينٌ وأن الشأن علمٌ، وربُّنا المحيط في عليائه فوق عرشه وسمائه خبيرٌ أنهم دجالون يقتاتون بفُتُون الناس ما يُنَفِّقون به في أسواق الدَّهماء عِلل قلوبهم المُنْتِنَة؛ إنما أرجع -بعد مراجعة فاضلٍ منكم- عن دعائي -ذاتَ غضبٍ لجناب الإسلام المقدَّس- على غلام القبورية المتحاقِر الأزهري الحنبلي -عرَّى الله سائر سوآته- أن يموت كافرًا، قال لي صاحبي (النبيل) ذا: حسبُك في الرجوع عنها -يا حمزة- أن لا سلف لك فيها؛ فأقول هنا: أستغفرك اللهم.

اللهم من روَّع عبادك المهاجرين في تركيا ابتغاء إرضاء كفرة الأتراك وفجرتهم؛ فروِّعه حيًّا ومقبورًا ومبعوثًا، وأمكِنَّا منهم نجازيهم بأسوأ الذي عملوا، ومن رضُوا بذلك أجمعين. آهِ لو ترون المستضعفين من الرجال والنساء -الذين لا جنسية لهم ولا إقامة- وجِلين في بيوتهم يحاذرون الخروج لقضاء حوائجهم وغشيانَ بيوت ربهم؛ لَدعوتم الله على مُفْزِعيهم بأشدَّ من دعائي عليهم وأشقَّ. الله المولى وهو بالخائفين أولى، أرضُك اللهم واسعةٌ فابسُط فيها للفارِّين بدينهم من طواغيت العرب حِرزًا عزيزًا، حسبُنا أنت المليك ونِعم الوكيل.

أيها السادة الأسرى؛ من يطيق من هذا الحرِّ ما تطيقون! من عرف كيف يبني الكفار الزنازين كاد عقله يطير؛ كيف المعزولون فيها فُرادى سنين عددًا لا يؤنسهم إلا لُطف الله! أبوابٌ من حديدٍ خالصٍ، وأرضٌ وجدرانٌ وسقوفٌ بها من الحديد ما بها. مولى الموالي ذا الجلال والإكرام؛ لطِّف لهم الهواء وبرِّد لهم الماء، لم تكتمنا في عدوِّنا حديثًا؛ فاغفر لنا عجائب غفلتنا، إنما أسرانا بِضْعَاتٌ منا يُضنينا ما يُضنيهم. (الله أولى بالأسرى من أنفسهم)؛ لولا هذه عقيدةً في الله لضللنا، غدًا يقول الأسرى إذا غمسهم ربهم في الجنة غمسةً واحدةً: وحقِّك ما بئسنا قطُّ. يا ربُّ إنَّ السيلَ قدْ بلغَ الزُّبَى ** والأمرُ في كافٍ لديكَ ونونِ، جعل الرحمن ما تقاسون من الحرِّ والشدة فداءً لكم من حرِّ القيامة وشدائد النار. ألا إن صبر الأسرى ابتغاء رضوان الله شهادةٌ تدنو من الشهادة.

اللهم لا تمتني إلا سَفَّاحًا دماءً خبيثةً لزُمرةٍ نجسةٍ من طواغيت أعدائك؛ أحفر لهم أخاديد ضيقةً ثم أُوقدها نارًا لا تفور حتى لا يُعَجِّل لظاها بإحراق جسومهم فيفَنوا سريعًا؛ بل تبقيهم حتى أُسْحِتهم فيها بألوان التعذيب وصُنوف الانتقام، فأنشُرهم بالمناشير فِرَقًا، ثم أُمَشِّطُهم بأمشاط الحديد ما بين لحومهم وعظامهم، ثم أحار ما أفعل بآثارهم الوَسِخة! ثم أُصَيِّرهم إليك أرواحًا وأشباحًا فتُسَعِّر عليهم قبورهم بأنك عزيزٌ ذو انتقامٍ، ما يسيرُ فِعْلي بهم هذا إلا ثأرٌ عاجلٌ لأسيرٍ طال في الحبس أسرُه، ولأُمٍّ فُرِّق بينها وبين ولدها، وطفلٍ صار بفجور كفرهم يتيمًا، ولهائمٍ على وجهه أُخرج من بيته عَدِمَ المأوى، ومن قبلُ ومن بعدُ لدينٍ غُيِّب عن أعين الناس وجهُه الصَّبيح؛ رباه هذا مُشتهاي فبلِّغنيه.

هذي بعض هموم بني الإسلام؛ قدِّس اللهم نفوسنا بحملها حتى نلقاك.

في ملاعبة الصغار؛ لا تغرَّك

في ملاعبة الصغار؛ لا تغرَّك الوجوه البريئة؛ ستصفع قفاك.

في مؤاكلة الكبار؛ لا تغرَّك البطون الضامرة؛ لن تُبقي ولن تذر.

لا تشتر طعامًا لنفسك على شدة جوعك؛ ستلتهم كل شيءٍ.

لا تشتر طعامًا لغيرك في شدة شبعك؛ لن يظفروا منك بشيءٍ.

يا أبناء إبراهيم صلَّى الله

يا أبناء إبراهيم صلَّى الله عليه؛ كيف برُّكم به!

هذه ملَّته: “مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ”، وقد أُمرتم باتباعها: “اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ”.

خاب من عقَّ أبًا نبيًّا نبيلًا، اتخذه الرحمن خليلًا.

“وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ”.

“يَآ أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ”.

“إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ”.

“يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ”.

“وَلَآ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ”.

“وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم”.

“أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ”.

“إنَّنِي بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ”.

“إنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ”.

“كَفَرْنَا بِكُمْ”.

“وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَآءُ أَبَدًا”.

“فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ”.

“فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا”.

“فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ”.

“لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ”.

“إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا”.

سأل سائلٌ عن حكم الشريعة

سأل سائلٌ عن حكم الشريعة في أبيه الموالي الطاغوت؛ هل يكفر بذلك؟

يا حبيبي وهُديت؛ موالاة الطواغيت سالبةٌ وموجَبةٌ؛ فأما السالبة فهي السكون إلى حكمهم في الظاهر من غير رضًا بكفرهم ولا قبولٍ بإفسادهم، لكنْ ركونًا إلى الدنيا وإخلادًا إلى الأرض؛ فهذه لا يكفر بها أهلها، بل هم قومٌ فاسقون، وأما الموجَبة فالرضا بحكمهم باطنًا وظاهرًا، وقبول ما يقولون من أنواع الفساد ويفعلون، ودعوة الناس إلى تأييدهم، والذَّود عنهم؛ فهذه يكفر بها أهلها، لا فرق بينهم وبين طواغيتهم إلا في موقع العضو من الجسد الواحد.