وقفت بنفسي -في الوقت الأخير-

وقفت بنفسي -في الوقت الأخير- على أكثر من تجربةٍ دعويةٍ وتثقيفيةٍ لشبابٍ؛ فيها من جُمل الخير -بتوفيق الله- ما يذكر ويشكر، بعضها مجالس مغلقةٌ وأخرى دروسٌ مفتوحةٌ، منها في السوشيال ميديا ومنها على الأرض، يسر الله التعليق على شيءٍ منها -منهجيًّا ومسلكيًّا- بما يحب ويرضى.

لكن عايز اعلق على شيء مهم دلوقت؛ لاحظت في أكتر من مجموعة خلل كبير في خطاب الدعاة والمثقِّفين مع البنات؛ “خلل نوعي” باقتصار بعضهم على نوع معين من موضوعات يُعلم تأثيرها على النساء أكتر، “خلل كيفي” بتكثيف بعضهم لهوامش معينة -في الكلام- بدون حاجة، “خلل مسلكي” بانفتاح بعضهم الواسع حبتين؛ لطافة زايدة ملهاش داعي، استظراف واعي وغير واعي.

علاقة الرجال بالنساء في الإسلام -ولله الحمد- محكَمة جدًّا ومعقولة جدًّا؛ لا بيقول إن الرجل والمرأة أول ما يتعاملوا مع بعض لازم يتكهربوا، ولا بيقول إن التعامل بينهم يبقى بالدرجة دي من الأمان والغفلة حينًا أو الاستهبال والاستعباط أحيانًا أخرى، خصوصًا في واقع الضغط والكبت الاسود اللي عايشين فيه، “اللَّهُ الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ”، “قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا”.

أكيد البزرميط ما بين الرجال والنساء -في الواقع المر ده- ملوش حدود كمية ولا كيفية، لكن خطورته -هنا- إنه على اسم الله ورسوله والإسلام، وده وجه عظيم من وجوه الفتنة ابتداءً وانتهاءً؛ ابتداءً من حيث إن أطرافه بيكونوا غير واعيين للمشكلة بدرجة كبيرة، لفرط الأمان الحاصل بالموضوع الديني بينهم، وانتهاءً في مستوى المعالجة؛ حيث تكثر التبريرات النفسية الدينياوية حينئذ.

القانون الكلي في الأمر؛ “المعاملة بين الرجل والمرأة للحاجَة وبقدْرها”، اللهم خشيتك والسلامة.

اوع تعاطفك مع اخواتك المسلمين

اوع تعاطفك مع اخواتك المسلمين في أي بلد؛ يخليك تدافع عن حكامها مهما أحسنوا؛ كلهم “صبيان المعلم” يا صديقي، والفروق (الحقيقية) بين أنظمتهم ليست كما يوهمك المدلسون والطيبون.

الكلام ده مش كلام مرسل؛ دي حقائق بات يدركها المجانين، ولا ينازع في شهودها العميان.

المعيار الأوحد الذي لا منازع له -في الحكم عليهم- هو موقفهم من المحتل العالمي، الذي لا يخطر ببالهم ولا يدور بخيالهم -بعيدًا عن ظنونك الحسنة وآمالك الحالمة- أن يخالفوه في كبير شيءٍ.

وسل قواعد المحتل العسكرية وتاريخها في بلادهم (مثالًا)؛ تنبئك بالحق، وليخسأ المبطلون.

ما أحكم هذا الدين! يعلمك أن أعداءك ليسوا سواءً، ويفرِّق في معاملتهم بحسب عداوتهم، ويبيح لك اغتنام المسافات والتدافعات بينهم؛ لكنه يربأ بك أن تدافع عنهم، فضلًا عن الذوبان فيهم.

في “أمة الأرانب والفيل” يقول أحمد شوقي: فقيلَ لا يا صاحبَ السموِّ ** لا يُدفعُ العدوُّ بالعدوِّ

الفرحة قوتٌ؛ عند الله -وحده

الفرحة قوتٌ؛ عند الله -وحده لا شريك له- خزائنها، وبيده وحده -مقيتًا حسيبًا- أسبابها، ما قسَم لقلب عبدٍ منها نصيبًا فهو لاقيه، من ذا الذي يمنع الجبار شيئًا أراده؟

تلك العقيدة هي “عصانا” التي نتوكأ عليها -الليلة- في إسعاد أسرانا، ونهش بها على أوجاعنا -فيهم- فتسَّاقط، ولنا فيها من عظيم الرجاء لهم مآربُ أخرى.

إن أعظم أسباب الفرحة نفسيةٌ قلبيةٌ، وآكدُها ما بعد عن أسباب الأرض فدنا من أسباب السماء؛ إذا عرفت هذا فلا تسل عن قهقهات الأسرى -خالصةً من أرواحهم- وهم في أغلالهم مقيدون.

سُئلت أعرابيةٌ: أيُّ بنيكِ أحبُّ إليكِ؟ فقالت: صغيرهم حتى يكبر، وسقيمهم حتى يُشفى، وغائبهم حتى يعود. كيف برحمة خير الرحمن بعباده عجزةً فقراءَ محاويجَ؟! أم كيف بها إذا صاروا أسرى وإن بلاءهم لهو البلاء المبين؟! إنها -والله- لرحماتٌ رحْباتٌ، “مَا شَهِدْنَآ إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا”.

نحن قومٌ مساكين؛ نبتغي لأسرانا عافية الحياة العاجلة؛ أما الله فيأخذ من عافيتهم لهَوْل يومٍ ثقيلٍ؛ تبصِّرهم ظلماتُ السجون زيفَ أضواء الدنيا، وتهديهم مضايقُ الزنازين إلى رحابة الدار الآخرة.

كم من خيرٍ نشتهي بلاغه إليهم فنعجز! أما الله فبالغٌ أمرَه، غالبٌ عليه؛ يَنفذ أمرُه إلى عقولهم مضطربةً فيملؤها سكينةً، ويلج إلى أفئدتهم فارغةً فيعمرها طمأنينةً؛ لطيفًا لما يشاء.

لِيمنعِ المشركون عنهم ما شاؤوا من طعامٍ وشرابٍ وكساءٍ ودواءٍ، ذلك المتاع الذي يضر فقدُه أبدانهم؛ فهل لأسوارهم إلى حجب رحمة الله بهم حيلةٌ؟ أم لأسلحتهم في صد خفايا لطفه فيهم وسيلةٌ؟ فإن رحمته لهي الغاية، وإن لطفه لهو المنتهى؛ حتى ليحسدهم سجانوهم على ما يغمرهم من الغبطة والحبور، مما لا تعرف نفوسهم في الدنيا طعمه، ثم هو يوم الحاقة عليهم حرامٌ.

لئن نسيت فلا أنسى تعانق الأزواج في زيارات السجون؛ مشهدٌ يمسُّه قولُ الله: “يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ”، كنت أرى في عيون إخوتي من بريق الحب؛ مثلَ الذي أرى بوجوه الكفار من حريق الغيظ، حتى لأرجع إلى زنزانتي راضيًا مسرورًا؛ رأيت ربي هو يُسعد ويُبئس؛ جلَّ ربي قديرًا.

بأول تعليقٍ مواساةٌ لنسائهم، يرجو قلبي ربي أن يبلغهن واحدةً واحدةً؛ إن ربي رفيقٌ كريمٌ.

#في_حياة_بيوت_المسلمين. أختك حتى لو الكبيرة

#في_حياة_بيوت_المسلمين.

أختك حتى لو الكبيرة صغيرة، وانت أخوها الكبير على كل حال.

هي الصغيرة اللي أولى ببرك ولطفك واهتمامك، وانت الكبير بالوفاء بكل ده.

مفيش شيء اسمه أختي مش بتتصل ولا بتسأل؛ أختك بنتك، وبالذات في الزمن ده.

ممكن تكون مقصرة بجد وعذرها مش مقبول؛ بس خلي دايمًا حظها منك أوفى من حظك منها، خصوصًا لو متزوجة، أما لو مريضة ولا في مشاكل فعيب بجد.

أختك اللي لسه متجوزتش -وانت اتجوزت- حقها عليك أكبر بكتير، وكل ما زواجها -بحكمة الله- يتأخر أكتر كل ما حقها عليك يكبر، وربنا يجبر بخاطر اخواتنا جميعًا.

لما تكون انت -وانت راجل- الزواج بالنسبة لك كان ولا زال ضرورة نفسية وحسية وعاطفية واجتماعية؛ أمَّال هو بالنسبة لها إيه؟! ولو زوجها مات ولا طلقها -كمان- عايشة ازاي بعده؟!

عارف اللي متجوز اتنين -ربنا يجعل كلامنا خفيف على حكوماتنا- بيعمل إيه بينهم؛ اعتبر نفسك -عالأقل- زيه تمامًا، والبر سهل وجميل، وتكاد متعته تبقى هي ثوابه.

معادلة التوفيق بين زوجتك وأختك مش صعبة؛ لكنها عايزة منك صدق وذكاء وأريحية.

لو زوج أختك مات أو علاقتهم انتهت؛ مش هقول لك متقفش في طريق زواجها، لا لا؛ انت اللي فكر لها في الزواج، واعرضه عليها، ورغبها فيه. ربنا يولع في جاهلية المجتمع السوده الحقيرة اللي بتعتبر تفكير الست في الزواج تاني وتالت جريمة، الجاهلية القذرة اللي بتكرم الشمال وتعادي اليمين. أما حدوتة “ده أنا أمي -اللي مفيش زيها- عاشت عمرها -بعد موت أبوي- تسعى علينا” فمش صالحة للتعميم مطلقًا، وربنا العليم أصلًا إيه اللي كان ورا الست والدتك من الهم.

إكرام أختك أدَّام زوجها (سلبًا وإيجابًا) هو اللائق بالمنطق والمروءة؛ سلبًا بعفوك عن أخطاءها وعدم تكليفها بما لا تطيق واحتمال زوجها حتى لو دمه تقيل حبتين، وإيجابًا بتقديرك ليها -خصوصا في المناسبات- واهتمامك بمشاكلها معاه ولطفك مع أهله.

لازم تفهم الفرق بين أختك وأخوك المتجوزين؛ أختك موقفها -في تفاصيل اجتماعية كتيرة- تابع غالبًا لزوجها؛ فخفّ عليها، وبلاش المرار اللي بنشوفه حوالينا.

أولاد أختك؛ خليك معاهم خالو الجميل مش خالو الغتت، ومش معصية -والله- لو اعتبرتهم أولادك، خصوصًا لما يتخانقوا مع عيالك.

عدِّي المشاكل كلها؛ مشاكل الطفولة ولما أكلتك سنة 56 ملوخية بايتة، ومشاكل جوازها في بدايته ولما مسمعتش كلام سمو جناب جلالتك في الأنتريه، أما مشاكل زوجها وأهله في بداية جوازهم سنة 67 فكفاية تفكرها بيها وتحاسبها عليها، مهما كانت.

علاقتك الحلوة بزوجها مهمة جدًّا ربانيًّا وإنسانيًّا، ومثمرة جدًّا لما بتحصل مشكلة بينهم.

لما ترجع لك أختك في مشكلة توَّسط في المعالجة؛ مشاكل كتيرة مش عايزة أكتر من استماع صادق ومواساة لطيفة، مش لازم كل مشكلة تطلَّع العمدة اللي جواك، وأرجوك متحملهاش حلّ كبير متقدرش عليه، بالذات لو سعادتك هتقوله وتروَّح وهي اللي هتواجه آثاره لوحدها.

الهدية والعيدية، وتفقَّد حاجاتها اللي زوجها مش بيحققها؛ سواء هو عاجز أو مقصر.

لو مات والديك؛ فالعلاقة بأختك لازم تتعمق أكتر وتوسع أكتر، انت السند والبقية.

تاني بوصيك بأختك اللي اتأخر زواجها، أو اللي فقدت زوجها؛ مكانها -لوجه الله- بين عينيك.

آخر شيء وأغلى شيء؛ وصية النبي -عليه الصلاة والسلام- بأختك؛ سأله صحابي: من أبرُّ يا رسول الله؟ قال الحبيب الجميل الطيب الوالد الكبير: “أمَّك وأباك، وأختَك وأخاك، ثم أدناك أدناك”.

رزقك الله بر الطيين، وأعانك عليه، وأثابك به في نفسك وأهلك وولدك، وتقبل منك.

#في_حياة_بيوت_المسلمين. ما أفادني أحدٌ مع

#في_حياة_بيوت_المسلمين.

ما أفادني أحدٌ مع الله ولا في نفسي ولا في الناس؛ كما أفادتني النبيلة أمي آسية محمود.

مع الله؛ قلت لها مرةً -وأنا أتهيأ لخطبة جمعةٍ-: ادعي لي بالإخلاص يا أمي، فأجابت على الفور: إخلاص في إيه؟ احنا بنعمل إيه أصلًا -يا ابني- عشان نسأل فيه الإخلاص؟

في نفسي؛ غلبني يأسي من نفسي قديمًا، فقلت لها -جاهلًا-: هممت أسأل ربنا البلاء ليحول بيني وبين المعاصي! فقالت لي: اللي قادر يجيب سؤال البلاء يجيب سؤال العافية، والعافية أحب إليه.

في الناس؛ مرة كنت راكب أنا وهي عربية صديق لي، وزوجته معاها في الخلف، وبتكلم وامزح كتير معاه، فلما نزلنا قالت لي: لما تكون في مكان فيه زوجة صديق؛ اقتصد في الكلام والمزاح، فلعلك أن تكون أطلق لسانًا وأظرف مزاحًا من زوجها، فتؤذيه وأنت لا تشعر.

دروس أمي -في جامعة آدابها الفريدة- أكثر من أن تُحصى، وأجلُّ من أن تُستقصى.

ولو قصدت إلى عدِّ ما تعلمته من لحظها قبل لفظها؛ ما بلغت -وربي- منه شيئًا.

اللهم إني أكل إليك شكرها وأنت خير الشاكرين، شرِّفني بعظيم برِّها حتى ألقاك.

نشيد قلبي ولساني وجوارحي لأمي؛ لا أحب إلي بعد أمي من أمي؛ سوى أمي.

أطال الرحمن عمرها، وأحسن عملها، وغفر ذنوبها، ومتعها بالعافية، وختم لها بخيرٍ.

اشمعنى أنا اللي معلقش على

اشمعنى أنا اللي معلقش على حكاية المطعم!

– قطع الله شمال وغدٍ مهينٍ بسطها بالسوء على امرأةٍ مسلمةٍ.

– خروج النساء من بيوتهن جائزٌ لهن؛ على ما أحكمته شريعة الله.

– ذهاب بناتنا إلى مثل هذه الأماكن مع من يصونهن؛ خيرٌ لهن وأقوم.

تعدو الذئابُ على منْ لا كلابَ لهُ ** وتتقي مربضَ المستثفرِ الحامي

– أقطعُ من إحراج الهاشتاج وإزعاج الأفواج وهَياج العَجاج؛ كرباجُ الحجاج.

– شرٌّ مما جرى -في ميزان أحكم الحاكمين وحده- تحريشُ الشياطين بين المؤمنين؛ انظر ما اتُّهم به المنادون بإقامة الوزن بالقسط والتروِّي في الحكم من ضعف الغيرة وقلة النخوة وفساد الحمية! وكذبوا وربِّ الحُرَم، لقد اتهمت عائشة -رضي الله عنها- في عرضها -وتلكم بليةٌ أعظمُ وأطمُّ- فتروَّى رأسُ الأسوة نبينا -صلى الله عليه وسلم- ولم يَعْجَل، والتزيُّد على أنفة الصالحين قبيحٌ دميمٌ.

– ما أشاعه جهلاء ظالمون من الفرح بالبغي على مندوبي المطعم والاستهزاء بهم -إذ يطلب أحدهم طلبًا من المطعم، ثم يَفجأ المندوبَ بأنه لن يشتري ما طلب قائلًا له: “سلامتها أم حسن”! (اتفو)، هكذا بجاهليةٍ تترفع عنها زمرةٌ من مشركي الجاهلية الأولى- ذلك واللهِ الحَكَمِ طغيانٌ مبينٌ.

– أيها السادة؛ احفظوا هذا القانون وتأملوه واعملوا به؛ “إن لله في كل قدرٍ لعباده شرعًا”، وإن شرع الله في مثل ما جرى أربعة أمورٍ؛ إحكام النظر في القضية وذلك لأولي النهى، الوقوف على حكم الله ورسوله فيها، إحقاق الحق بالحق وإبطال الباطل بغير باطلٍ، بيان هُدى الله في الأمر للناس.

رضي الله ابتغاء العامة الخير، وخصَّ بالرضوان من أقام الوزن بالقسط، وحُفظتم بالمرحمة.

#في_حياة_بيوت_المسلمين. لما ربنا يوسَّع عليك؛

#في_حياة_بيوت_المسلمين.

لما ربنا يوسَّع عليك؛ هات لوالدتك مرتبة حديثة جميلة تريَّح جنبها الكريم عليه، وصلَّح لها في الحمَّام والمطبخ اللي بايظ أو حدِّثه، وممكن تبيَّض لها الشقة كمان، وتعهَّد هدومها البيتية والخارجية وحذاءها الشريف، ومرَّة بطانية ومرَّة سجادة، ومرَّة تصلَّح دولاب ومرَّة سرير ومرَّة جهاز، ولو بسط لك ربنا في رزقك أكتر؛ اجبر خاطرك بخاطرها في شيء من دهب تجدِّد بيه حيويتها.

واتحف والدك الجليل بنضارة غير القديمة دي، وكل فترة اشتري لنفسك فيه شيء بيحبه، وركز أكتر في اللي بيحبه أكتر، والشيء اللي مش ممكن يطلبه، وراجع حتى غياراته وشراباته العزيزة، وكل ما تخلَص إزازة ريحته عطَّر نفسك فيه بإزازة جديدة، أما دواؤُه فأولى من الماء الذي تشرب.

اوعى تتصور إنهم خلاص أكلوا كل شيء، وشربوا كل شيء، وإنك أولى بالحياة منهم.

هم أولى بكل جميل وجديد في الحياة، هم أصلًا الحياة، واسأل اللي فقدوهم.

ولو مزعلك واحد من اخواتك صالحه عشان خاطرهم؛ طمنهم على بنيانكم قبل الرحيل.

غسَّلتُ الجمعة الماضية والد صديقٍ لي -رحمه الله وطيَّب ثراه- ورأيت أبناءه يقبلون قدميه يمسحون بها وجوههم، فقلت في نفسي: ما أطيب هذا! لكنَّ أطيب منه ما يكون في حياة الوالدين.

صدِّقني؛ والداك أولى من أحببتَ وبررتَ ووصلتَ من العالمين؛ لا تعطهما نُخالة نفسك وقلبك وجَهدك ووقتك، بل أنفق عليهما من رأس مال هذا كله؛ لله ولرسوله ثم لهما ولنفسك.

لم يزل يبكي أحدهم بكاءً مريرًا، يقول لي: خرج بابا من الدنيا ومشبعش من أكلة كان بيحبها جدًّا ومكانش بيطلبها، ومكنتش بخيل عليه خالص، بس كنت مشغول عنه في حياتي.

وحدَّث أحدهم أنه دخل على أمه في ليلةٍ باردةٍ، فقالت له -وهي نائمةٌ-: الحمد لله إنك جيت يا ابني؛ بردانة من بدري ومش قادرة اشد الغطا على جسمي؛ بكى بكاءً شديدًا حينها، وقال لها: يعني أنا ممكن أكون جنب مراتي وعيالي وانت لوحدك! وأعصابك مفيش كمان تشدي بيها الغطا عليك!

أغلى نصيحة بقى هنصحك بيها في والديك؛ “أحسنُ إحسانك إلى والديك حين لا يحسنون”، أعظم إحسان لوالديك في كبرهم تجاوزك عن أخطاءهم؛ ولا كإنها حصلت، وداري عليها كمان، ومتحسسهمش إنها حصلت أصلًا على أد ما تقدر، وبأول تعليق منشور قديم هيساعدك.

عندي حكايات بر جميلة وحكايات عقوق مرَّة، شفتها كلها بنفسي، يسر الله حكايتها.

احفظ والديك بين لطفك وعطفك معانقَهم؛ من قبل أن تصبح بيومٍ كئيبٍ مفارقَهم.

من أعجب ما في سورة

من أعجب ما في سورة “الإنسان” اسمها!

عرضت سورة الإنسان لخلق الإنسان في جانبٍ من جوانبه في موطنين منها؛ الأول:: “إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا”، والآخر: “نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَآ أَسْرَهُمْ”.

وأشارت إلى ما قبل خلقه إشارةً لطيفةً: “هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا”.

وألمعت إلى ذكر عذاب نوعٍ من الإنسان هو الأشقى في موطنين اثنين؛ أحدهما في صدرها: “إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاسِلا وَأَغْلالا وَسَعِيرًا”، والآخر في بعض آيتها الأخيرة: “وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا”.

أما عامة السورة ففي جانبين اثنين؛ الأول: عمل الإنسان الصالحات؛ وهو على صورتين في السورة؛ الأولى خبريةٌ: “يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا”، والأخرى إنشائيةٌ: “فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا * وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلا طَوِيلًا”.

ألم يعوِّدك رحمته؟ ألست تغدو

ألم يعوِّدك رحمته؟

ألست تغدو وتروح في آلائه؟

متى كنت بدعائه شقيًّا؟

تذكُرُ يوم صبَّحك راضيًا مجبورًا؛ وقد بِتَّ بمعصيته مسرورًا؟

كم كشف عنك من ضرٍّ وهمٍّ، وأذهب عنك من بأسٍ وغمٍّ!

ألست محوطًا بأنعمه باطنًا وظاهرًا؟

كم يشتاق لحريتك أسيرٌ لا يرجو عليها مزيدًا، ويتمنى عافيتك سقيمٌ قرَّح جلدَه طولُ الرقاد!

كم تبغَّضت إليه -جريئًا- بما يكره؛ فوالاك -متوددًا- بما تحب!

أليس يحفظك -مِن قديمٍ عظيمٍ- بين حلمه وستره؟

ساعةَ أثنى عليك أحدهم بخيرٍ لم تغسل يدك بعدُ من شرٍّ ضدِّه؛ كيف نسيتها؟

كم دلَّك عليه، وعلَّمك من لدنه، وعرَّفك سبيله، ووصلك بهداه!

كم أقامك في مراضيه حين قام غيرُك في مساخطه؛ يختصك بالعناية!

الساعة التي تصلي فيها هي هي ساعة إشراك مشركٍ، وابتداع مبتدعٍ، وظلم ظالمٍ، وفجور فاجرٍ.

ما لك من سوابق الخير معه حتى يعصمك من فاحشةٍ قارفها أقرب الناس منك؟ وينجيك من ظلمٍ لابسَه جارٌ ليس بينك وبينه غير جدارٍ؟ ويسلمك من غوايةٍ أشهدك احتراق العامة بها؟

أي حسنةٍ لك عنده حتى يَنْظِمَكَ في صفوف المسلمين له؛ تعادي أعداءه وتوالي أولياءه؟

هذا الإسلام الذي أنعمك به ضل عنه كافرٌ يود -يوم التغابن- لو أنه أسلم، هذه السُّنة التي ترغد فيها حُرِمَها مبدلٌ يُذاد عن الحوض غدًا، تلك الفتن التي تصد عنهما قد أنقذك -برأفته- منها.

كم باعدتْ أعطافُ ألطافه بين ذرات بلائك الكثيف؛ حتى أخرجتك إلى طيِّب العافية!

كم يسر لك عسيرًا، وقرَّب منك بعيدًا، وفتح عليك مغلقًا!

كم قطعته -فقيرًا إليه وهو الغني الحميد- فوصلك!

كم بعدُت عنه -لا حول لك ولا قوة إلا به- فأدناك منه!

كم استدبرت رحمته فاستقبلك بها تلقاء وجهك؛ يقول لك: لا تعرض عني!

كم أغمضت عينك عن رسالةٍ أرسلها إليك، فأقرأها قلبَك فوعاها؛ فصلُح بها شأنك!

تأملْ سطورَ الكائناتِ فإنها ** منَ الملكِ الأعلى إليكَ رسائلُ

وقدْ خطَّ فيها لوْ تأملتَ نقشَها ** ألا كلُّ شيءٍ ما خلا اللهَ باطلُ

ذلكم الله؛ هو ربك وأنت صنعته، ولا يصنع صانعٌ حكيمٌ من الناس شيئًا ليتلفه؛ كيف بالحكيم الخبير واسع الرحمة والمغفرة؟ ما خلقك إلا لسعادة العبادة، ولا أنزل إليك الكتاب لتشقى.

من أين لك سوء الظن بعفو رحمن العالمين وعافيته؟

من بصَّرك غير ما بصَّرك الجميلُ من آيات خلقه وأمره؟

من أسمعك سوى ما أسمعك الكريمُ: “يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ”؟

لم لا تشهد من نعمه إلا ما منعك منه أو أجَّله عنك عليمًا بك رحيمًا؟

كيف أطعت من أخرج أباك من الجنة في شهوةٍ زينها لك؟ وكيف صدَّقته في شبهةٍ أدخلها عليك؟

كيف إذ أعرضت لم تقبل؟ أم كيف حين عثرت لم تنهض؟

ألم تعلم بأنه لا ملجأ ولا منجى من الله إلا إليه؟ ألم يأتك أن رُجعاك إليه شئت أم أبيت؟

فقد أحب لك أن تلقاه آمنًا مرحومًا، وقد أعد النار يوم أعدها لغيرك؛ فسبحان الله! ما ركضُك إليها؟

عبادٌ أعرضوا عنا ** بلا جرمٍ ولا معنى

أساؤوا ظنهمْ فينا ** فهلَّا أحسنوا الظنا

فإنْ خانوا فما خنا ** وإنْ عادوا فقدْ عدنا

وإنْ كانوا قدِ استغنوا ** فإنا عنهمُ أغنى

“وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا”؛ آهٍ! لا إله إلا الله، العفو يارب؛ العفو إنك تحب العفو، العفو إنك أهل العفو، العفو إنك كريم العفو، العفو إنا محاويج العفو.

يا من لا تنفعه طاعة من أطاعه كما لا تضره معصية من عصاه؛ اقبل منا ما لا ينفعك وإن كان قليلًا، واغفر لنا ما لا يضرك وإن كان كثيرًا.

أفلح مسارعٌ إلى سريع العفو والمعافاة؛ “مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ”؛ اللهم اللهم.

قال: ألا ترى الشام -اليوم-

قال: ألا ترى الشام -اليوم- وما صار إليه!

قلت: كذلك الجهاد بأهله مُذ شرعه الله لهم يا صديقي.

دفعٌ وطلبٌ، علمٌ وجهلٌ، عدلٌ وجورٌ، ثابتٌ ومتغيرٌ، دماءٌ وأشلاءٌ، أسرٌ وجرحٌ، نقضٌ وبناءٌ، اجتماعٌ وافتراقٌ، قوةٌ وضعفٌ، قدرةٌ وعجزٌ، عزمٌ وفتورٌ، اختيارٌ واضطرارٌ، مهادنةٌ ومنابذةٌ، تجردٌ لله وإخلاصٌ للحق ونزوعٌ إلى النفس والدنيا، أرباحٌ وخسائر، نظامٌ وفوضى، تدبيرٌ وعبثٌ، تفريطٌ وغلوٌّ، نورٌ وعَمَايةٌ، كرٌّ وفرٌّ، حقٌّ وباطلٌ ومحتمَلٌ بينهما، غلبةٌ وفشلٌ وحالٌ بينهما، كلُّ ذلك.

إذ يتداخل الدينيُّ والسياسيُّ والاقتصاديُّ والنفسيُّ والثقافيُّ والاجتماعيُّ والعسكريُّ؛ فتكون سننُ الله الجاريات بأهلها، لا تجد لسنة الله تبديلًا، ولا تجد لسنته تحويلًا.

وإذ تمزج حكمة الله بين كسب عباده وبين أقداره؛ ليقضي -عزيزًا رحيمًا- أمرًا كان مفعولًا.

كيف بالجهاد في زمنٍ عمَّ فيه الجهل والظلم، وغلب فيه الضعف والعجز؟!

فالواجب تسديد السادة أهله سددهم الله وأيدهم؛ بإعانتهم على البر والتقوى، والنكيرِ عليهم في الإثم والعدوان، من المجاهدين والقاعدين سواءً، ومدِّهم بكل مشروعٍ مقدورٍ، والدعاءِ لهم على كل حالٍ، وعطفِ قلوب الناس عليهم، واللحاقِ بهم لمن استطاعه وكان أحبَّ إلى الله موقعُه.

لا أن يُخذَّل عن سبيلهم، ويُشنَّع على أخطائهم، ويُفسَد ذات بينهم؛ فتُكشف ظهورهم، ويُعان الكفر عليهم، وتخرب ديار الإسلام بعد خرابها، وتُنقض عرى الإسلام فوق نقضها.

إن هؤلاء الذين ينظرون ويُنظِّرون وينتظرون جهادًا نتفق فيه مع أعدائنا -بكل مودةٍ وصفاءٍ وعبير وشيماء- على زمانه ومكانه وخططه ووسائله ومدته وغايته؛ حمقى أو مجرمون.