دعاءٌ موساويٌّ عجبٌ مُلئ نورًا؛

دعاءٌ موساويٌّ عجبٌ مُلئ نورًا؛ من لهج به وصل نفسه بالكليم وبأنواره.

“وَقَالَ مُوسَىٰ إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ”.

لم يزل (الاستكبار، والكفر باليوم الآخر)؛ أساسَي طاغوتية الطواغيت مُذْ كانوا إلى يوم لا يكونون؛ تكبرٌ يتجاوزون به بشريتهم، فينازعون به الله ربوبيته وأسماءه وصفاته وألوهيته، حتى يأطروا الناس على عبادتهم أطرًا، بل لا يقبلون انقياد ظواهرهم إليهم بالسمع والطاعة؛ حتى تنقاد بواطنهم كذلك بالذلة والإذعان، وكفرٌ باليوم الآخر لا يخشون معه عواقب الكفر والطغيان والإفساد والفجور، كما قال الحق -سبحانه وبحمده- عن عاقر ناقة نبيه صالحٍ عليه السلام: “وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا”؛ فلولا أن هذا الكافر لم يخش تبعة عقر الناقة ما قتلها؛ ولذلك جعل الله الجنة للذين لا يريدون علوًّا في الأرض ولا فسادًا.

أما تعوذ الكليم -عليه السلام- بالله (ربًّا)؛ فهدايةٌ بالغةٌ له من الله؛ فإن ربوبية الله هي الخلق والحكم، والخلق نوعان؛ خلقٌ أولٌ؛ وهو إيجاد الله من شاء إيجاده من العدم ومن الموجودات، وخلقٌ ثانٍ؛ وهو البعث، والحكم ثلاثةٌ؛ الأول: حكمٌ كونيٌّ قدريٌّ؛ وهو تدبير الله وتصريفه أمرَ ما خلق جميعًا؛ من أصغر ذرةٍ فما دونها إلى أكبر مجرَّةٍ فما فوقها، ما عقل من هذا ولم يعقل، من مبدأ الخلق إلى أبده، والثاني: حكمٌ دينيٌّ شرعيٌّ؛ وهو درجتان؛ حاكمية الله (الحاكمية: حقُّ الحُكم)، وشرعه الذي نزَّل، والثالث: حكمٌ جزائيٌّ حسابيٌّ؛ وهو جزاء الله المكلفين من خلقه في الدارين على الخير والشر، ولقد نازع فرعون ربه في عامة ذلك، فقال: “أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى”، وقال: “أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي”، وقال: “مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي”؛ ففي تعوذ الكليم بالله (ربًّا) نقضٌ لجميع الدعاوى الفرعونية والمزاعم الطاغوتية وكفرٌ بها، وإفرادٌ للإله الحق بأفعاله التي لا شريك له فيها.

وأما قول موسى عليه السلام: “بِرَبِّي وَرَبِّكُم”؛ فتشريفٌ وتكليفٌ؛ شرَّفهم بالعطف عليه في القضية كما شرَّفه الله بذلك فيها من قبلُ، فقال -جلَّ ثناؤه- لأمه: “أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ”؛ الله يقول لموسى: عدوي وعدوك واحدٌ، وموسى يقول لقومه: ربي وربكم واحدٌ، تشريفٌ مسندٌ على الدعاة إلى الله أن يصلوا به الناس إلى يوم القيامة، وعلى قدر التشريف يكون التكليف، فكأنه إذ قال لهم: “بِرَبِّي وَرَبِّكُم”؛ كلفهم بالاقتداء به في الإيمان بالإله الأحد، وفي معاداة الطاغوت المنازع له حكمَه، وفي التعوذ به في جهاده؛ وتلك كمالات التأسي والاقتداء بأنبياء الله.

قال الحجاج لعجوزٍ: لأقتلن ولدكِ،

قال الحجاج لعجوزٍ: لأقتلن ولدكِ، قالت: إن لم تقتله مات.

لم يفهم الحجاج حكمة العجوز؛ لأن الطغاة لا يفهمون الرموز.

منْ لمْ يمتْ بالسيفِ ماتَ بغيرهِ ** تعددتِ الأسبابُ والموتُ واحدُ

اللهم إني أصبحت أشهدك، وأشهد حملة عرشك، وملائكتك، وكتبك، وجميع خلقك؛ أنك عليمٌ حكيمٌ؛ لا تقضي بشيءٍ سُدًى، ولا تقدُر أمرًا عبثًا، وأن أفعالك جامعةٌ جليلةٌ جميلةٌ؛ سبحانك وبحمدك.

إني لأرى جمهرةً من الناس يوقظ الله -بهذه المقادير- قلوبها للإسلام وعقولها للقضية، فأتباشر بفضل الله وأستروح برحمته، وأقول: الله الله! الآن الآن تنبهوا لما خُلقوا لأجله، الحمد لله بكل شيءٍ.

يا إخوتاه؛ إني لأقرأ قدر الله ذلك كذلك؛ يسَّر الله بشيءٍ قضاه نفرًا من المؤمنين به للجنة بأعظم أسبابها “الشهادة”، ويسَّر بالشيء نفسه لها جماعةً من الناس -بما بعث من خوامد بشريتهم، وحرَّك من سواكن ربانيتهم- فوالَوا الشهداء على قضيتهم العادلة المُثلى “لا للطاغوت ولا للطغيان”، وعادَوا عدو الله وعدوهم في سبيلها ابتغاء وجه ربهم الأعلى، وهل أشرفُ من هذا للفردوس سببًا؟! “الولاء والبراء”، الترجمة الصادقة لشهادة التوحيد، والبرهان الأكبر لإيمان القلوب؛ “مَنْ أَحَبَّ فِي اللَّهِ، وَأَبْغَضَ فِي اللَّهِ، وَأَعْطَى لِلَّهِ، وَمَنَعَ لِلَّهِ؛ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ”، ويسَّر بالشيء نفسه لجهنم أممًا من الناس؛ من قتل ومن قضى ومن أعان ومن رضي، ومضت سنن التدافع بأهلها لا تتحول؛ بسم الله مجريها ومرساها.

اليوم امتحن الله قلوب طائفةٍ للتقوى، فازدادت به إيمانًا وفيه يقينًا، وقالوا: ما كَذَبنا الله ورسوله من الأمر شيئًا؛ هذان الحق والباطل، وهذا مشهدٌ جديدٌ من مشاهد الدفع بينهما؛ رضينا بالله وبالرسول.

اليوم استخرج الله أضغان قلوب طائفةٍ كانت تحسب أن لن يُخرج الله أضغانهم، أكلُّ هذه الأورام الخبيثة كانت في جسد الأمة يا رب؟! ما ضعفُها إذًا بعجيبٍ ولا عجزُها بغريبٍ؛ آمنا بالدين وبالقضية.

اليوم تتهيأ للجنة من الناس طائفةٌ، وتتهيأ للنار طوائف، كل ذلك بقدرٍ واحدٍ؛ رباه أبقنا لك مسلمين.

صباحكم -أهلَ الإسلام- كفرٌ بالطاغوت،

صباحكم -أهلَ الإسلام- كفرٌ بالطاغوت، وإيمانٌ بالله، صباح “العروة الوثقى”.

الدين أخبارٌ وأحكامٌ؛ “وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا ۚ”؛ صدقًا في الأخبار، وعدلًا في الأحكام.

من بدَّل -في الدين- خبرًا واحدًا كفر بالإجماع عينًا؛ كما لو قال قائلٌ: شهر أغسطس الذي أُنزل فيه القرآن، ومن بدَّل حكمًا واحدًا كفر بالإجماع عينًا؛ كمن لم يمنع الزنا مطلقًا، أو منعه لكن لم يجعل عقوبته العقوبة الإلهية؛ لا فرق في الإسلام بين مبدِّلٍ في أخباره، وبين مبدِّلٍ في أحكامه.

تلك عقيدةٌ إذا تردد قلب عبدٍ فيها كفر؛ وإن صلى وصام وزعم أنه مسلمٌ، كيف يكون مسلمًا لله مؤمنًا به من لا يرى كفر من بدَّل خبرًا من أخبار الإسلام، أو حكمًا من أحكامه؟! لا والله لا يكون أبدًا.

ألا إن من شك في كفر الطواغيت المبدِّلين عامة شرائع الإسلام، المحاربينها بمكر الليل والنهار، السجانين مَن خطر على قلبه إقامتها، الموالين كلَّ مُعَادٍ لها، الشاهدين على أنفسهم بالكفر، ومن قبلُ هم كفارٌ بما نازعوا الحَكَم الأعلى حاكميته (الحاكمية: حقُّ الحُكم)، ومن بعدُ هم كفارٌ بجملة مكفِّراتٍ أخرى؛ ألا إن من شك في كفرهم بالعين طاغوتًا طاغوتًا؛ لم يكن له من الإسلام حقيقته وإن كان له بعض صورته، وقد ختم الله على قلبه، وخسف بعقله، وأهان نفسه، وأضله عن سواء السبيل.

من عُلمت موالاته الطواغيتَ بيقينٍ

من عُلمت موالاته الطواغيتَ بيقينٍ لا بشكٍّ؛ فإنه لا يصلَّى خلفه، فأما مستورو الحال فيصلَّى خلفهم شريعةَ الله، والأصل في المسلمين سلامتهم مهما فشا السوء، أما ترك الجمعة والتفريط في الجماعات بإطلاق هذه العلة؛ فسببٌ من أسباب نقض عروة الصلاة قبل يوم القيامة، وهذا معنىً مرعبٌ -والله- لمن تبصَّر؛ أن تلقى الله -جلَّ وعزَّ- وقد نُقضت عروة الصلاة بشيءٍ من قِبَلك، تأمل هذا الحديث الذي يخلع القلب من نياطه وتعوذ بالله ولُذْ برحمته أن تكون في معناه سببًا؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لتُنقضن عُرَى الإسلام عروةٌ عروةٌ، فكلما انتقضت عروةٌ تشبث الناس بالتي تليها؛ فأولهن نقضًا الحُكم، وآخرهن الصلاة”؛ بأول تعليقٍ منشورٌ في إشراقات صلاة الجماعة، نفعني الله به ومن بلغ.

ذلك؛ والتفريط في الجمعة والجماعات شاهدٌ على رقة الدين وضعف الإيمان؛ وإن زين الشيطان لصاحبه ضد هذه الحال، ومنذرٌ بالتحلل من سائر عُرَى الإسلام، ولقد شهدت صغيرًا جماعةً كانوا يفرطون في الجمعة والجماعات بمثل هذه العلل؛ حتى انسلخوا من الصلاة جميعًا؛ اللهم سلِّم سلِّم.

#في_حياة_بيوت_المسلمين. إن امرأةً يطلقها زوجها

#في_حياة_بيوت_المسلمين.

إن امرأةً يطلقها زوجها فتبغِّضه إلى أبنائها -وإن استحق بعض ذلك- لأسيرةٌ للشدة وسوء الحال، ضعيفة البصر بالحياة والمآل، كيف لا تدع عورةً إلا هتكتها، ولا خطيئةً إلا نشرتها؟! وقد تزيد -بإيقاد الشيطان وشُحِّ النفس وتحريش الناس- ما يعلم الله أنه منه براءٌ؛ لبئس ما قدمت لنفسها وبنيها.

كم شهدت في حياتي امرأةً أسرفت في تبغيض مطلِّقها إلى أبنائه، وأعانها على ذلك أهلها أجمعون، ودأبوا فيه مدةً طويلةً من الزمان، بنوعٍ وكيفٍ وكمٍّ لا يعلمه إلا الله؛ حتى بات الرجل في أخْيِلَة أبنائه شيطانًا مريدًا، ثم آل أمرهم إليه في سلسلة مقاديرَ للعليم الحكيم كثيرةٍ كثيفةٍ، فكأنهم -يومئذٍ- يساقون إلى الموت وهم ينظرون! ولو استقبل هؤلاء المسكينات من أمرهن ما استدبرن، ولو فكَّرن في عواقب الأمور وقدَّرن، ولو فضَّلن أبناءهن على أنفسهن وآثرن، لو كان ذلك كذلك؛ ما فعلن، ولقد كفانا مولانا صلاحَ البال والحال والمآل بمُحْكَم ما قال: “يَآ أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىۤ أَلَّا تَعْدِلُواْ ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ”.

هذا حرفٌ لا يكلِّف المرأة شططًا؛ أن تُجمِّل قبائح رجلٍ كان معها كذلك، ولا أن تبالغ في مواراة جناياته لا سيما الذي أظهر الله ديَّانًا مبينًا، بل حرفٌ يقول: لا تكوني -يا أمَة الله- لسوء حالك أسيرةً، وتجاوزي الشهادة إلى الغيب فقيهةً خبيرةً، واعلمي أن لليل والنهار في نفوس الناس أعمالًا، وفي تقلبات أمورهم أحوالًا؛ فأقيمي الوزن بالقسط ولا تُخسري الميزان، واحتسبي عند الله مطويَّ الوجع والأحزان.

اثنان وستون مؤمنًا بالله يجهز

اثنان وستون مؤمنًا بالله يجهز رقابَهم كفارُ مصر للشنق عما قريبٍ.

هذا النبأ الأسود لا يؤلمك فقط؛ إنه يفتك بفؤادك فتكًا بليغًا واللهِ العليمِ الخبيرِ.

تأملت أوصاف عذاب الظالمين في القرآن، فلم يواسني حرفٌ مثلها.

تدبر هذه النعوت لعذاب الله المجرمين، يجمعها معنىً واحدٌ؛ “شدة الإيلام”.

كما بالغوا في إيجاعكم؛ سيعذبهم الله في الدارين عذابًا بالغ الإيجاع.

“إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ”؛ أخذٌ عظيمُ الإيجاع.

“وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ”؛ عذابٍ شديدِ الإيلام.

“دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ”؛ عذابٌ متعبٌ دائبُ الإتعاب.

“فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً”؛ أخذةً شديدةً زائدةً ناميةً.

“يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا”؛ عذابًا شاقًّا في إيجاعه.

“وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا”؛ عذابًا شديدَ الإيلام.

يا عباد الله الغرباء؛ ليس عذاب الظالمين في الدنيا محصورًا فيما ترجون من مصارعهم؛ بل أنواعه في نفوسهم وأهليهم وديارهم وأموالهم لا تُحصى، وما يذوقونه بأيدي المجاهدين كلما شاء الله، ثم ما يلقونه عند الموت من كُرَبٍ بأيدي الملائكة “يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ”، “وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ”، “وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ”، “وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ”، “وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَىٰ”، “وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ”، “وَالسَّاعَةُ أَدْهَىٰ وَأَمَرُّ”، “يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ”، “زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ”، “لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ”، “لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ”؛ هذا الله يرضيكم في أعدائكم؛ فهل رضيتم؟!

واجعلْ لقلبكَ مقلتينِ كلاهما **

واجعلْ لقلبكَ مقلتينِ كلاهما ** بالحقِّ في ذا الخلقِ ناظرتانِ

فانظرْ بعينِ الحكمِ وارحمهمْ بها ** إذْ لا تردُّ مشيئةُ الديانِ

وانظرْ بعينِ الأمرِ واحملهمْ على ** أحكامهِ فهما إذًا نظرانِ

إني لأمرُّ بشابٍّ يلتزم فتاةً بتقبيلٍ ونحوه -لا أمتري بقرائن الحال في حرمة ما بينهما- فيفور دمي غضبًا لحرمات الله وانتهاك حدوده، ثم أقول: ما أطيب هذا لو كان في حلالٍ يرضاه الله! وأشتهي لهما وصالًا على ما يحب الله، وألعن بلعنة الله جاهليةً أعانتهما على ذلك؛ ليس في هذا تبريرٌ لهما.

كذلك مرَّ بي شبابٌ يضحكون مبتهجين، فخالطني من السرور -علم الله- ما خالطني، فلما دنوا مني إذا هم يتمازحون بأنواعٍ من السِّباب بذيئةٍ جافيةٍ، فجمع الله لي بين الحنق على صنيعهم، وبين دعائي لهم بأطيب السعادة وأوفاها بطيبات الأقوال والأفعال، ولعنت طواغيت غيبوا عنهم آداب الإسلام.

لا يخلو شرٌّ من خيرٍ، ولا قبحٌ من جمالٍ، وذو الحكمة الذي سلَّم الرحمن بصيرته وبصره من العَور يشهد هذا في ذاك وإن تمازجا، لا يطغى سوءٌ في نفسه على حسنٍ فيفوته إدراكه؛ جعلني الله وإياكم منهم، وفقَّهنا هذه الموعظة عن سيدنا ابن القيم -رحمه الله- في أبياته السديدة من نونيته الحسنى.

#في_حياة_بيوت_المسلمين. “الجواز مش جمعية ممكن

#في_حياة_بيوت_المسلمين.

“الجواز مش جمعية ممكن كل طرف فيه يدخلها بنفرين”.

ذلك ما يخطر على بالي ويقوله لساني لرجلٍ يُدخل أمه أو أخته في شؤون امرأته وبيته مزيدًا على ما يليق بهما، فإن عوتب في هذا؛ قال: أمي التي زوجتني، هذه أختي وطبعها، لا أستطيع لهما دفعًا.

أو كامرأةٍ تَدخل في الزواج بأمها أو أختها أو أخيها أو بهم جميعًا، فإن عاتبها زوجها؛ كانت إحدى امرأتين؛ امرأةٍ واعيةٍ فعلَها قاصدةٍ له، تراه بما تربَّت عليه شيئًا حَسنًا، أو امرأةٍ مغلوبةٍ على أمرها، لا طاقة لها بدفع أهلها عن حياتها، وهي بينهم وبين زوجها حائرةٌ؛ على زوج مثل هذه الرفقُ بها.

أنا لا أجرِّد الآباء والأهلين من حقهم في إتمام وصال أبنائهم وبناتهم بعد زواجهم، لكن بلطفٍ وافٍ يناسب حالًا جديدةً في بيتٍ جديدٍ مع طرفٍ جديدٍ؛ وكم دمرت بيوتَ المسلمين العواطفُ الهوجاء!

مفتاح باب البيت، مفاتيح الغرف لا سيما غرفة النوم، مفاتيح الدواليب والأدراج؛ كل ذلك مما لا يمكَّن منه والدان وإخوةٌ لا يرشدون وإن سخطوا، فأما الراشدون فمرحبًا على حبٍّ من الزوجين واختيارٍ.

لئن عجبت من رجلٍ وامرأةٍ يقترفان هذا البغي حُدثاء عهدٍ بالزواج؛ فإن عجبي لا ينقضي من والدٍ ووالدةٍ يقترفانه وقد ذاقا مرارته قِدَمًا وأوجَعَهما؛ كل ذلك راجعٌ إلى خلقٍ دميمٍ واحدٍ هو “الأثرة”.

بين العَشَم والغَشَم نقطة؛ إني لأُعظِّم رجلًا عقد قلبه قبل زواجه على صورة وصالٍ واحدةٍ مُثلى في بيته الذي يؤسس، صورةٍ تجمعه وامرأته وأهله وأهلها وذريتهما على جميع طيبات الدين والدنيا، لا انفكاك بين اثنين ولا معنيين ولا شيئين فيها؛ تلك صورةٌ قد تزهو حُسنًا في بعض الأذهان، لكنها في غير جوِّ الخيال محالةٌ في العَيَان، فمن ابتغى كمالها المعقول في الدنيا فإياه والغَشَم! وعليه بالتدرج في معارج الوصال بحكمةٍ وتؤدةٍ، وليترك للحياة فرصتها في امتحان الناس -فيما بينهم- نفوسًا وأخلاقًا، وليؤمن في كل ذلك بالقضاء والقدر، وأن ما شاء الله من قربٍ على حبٍّ كان، وما لم يشأ لم يكن، وكم أحب العبد ما هو شرٌّ له! فإن أدى ما عليه في التحبيب والتقريب؛ فليرضَ بما قسم الله له، وكم في البعد الجزئي من خيرٍ كليٍّ لمن تبصر! وكم وصل الله بالقطع النسبي الواعي كثيرًا! والله عليمٌ حكيمٌ.

“لم لا تكون لأهلي؛ كما أنا لأهلك؟! يا حبيبة قلبي؛ أهلي غير أهلك”؛ إن التباين الذي خلقه البارئ المصور بين عباده في نفوسهم وأخلاقهم؛ أشدُّ وأوسعُ منه في أجسادهم وصورهم؛ لو كانوا يفقهون.

يا معشر الأزواج؛ جُدُّوا في بر آبائكم والأمهات، واستبقوا فيه بعد الزواج الخيرات، أما الاشتراكية في إدارة البيوت التي يتعاطاها بعضكم طوعًا وبعضكم كَرهًا؛ فاللهم لا؛ “وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ”.

هذا حرفٌ قد يضيِّق بعض صور المخالطة الظاهرة، لكنه يوسع في حقائق المودة الباطنة؛ بما يحفظ من مسافاتٍ بين أُناسٍ لمَّا يتعارفوا حق التعارف، فإن تعارفوا بأناةٍ طاب على الحب الوصال.

#في_حياة_بيوت_المسلمين. إني والله لأحسد أمًّا

#في_حياة_بيوت_المسلمين.

إني والله لأحسد أمًّا وأبًا لهما طفلٌ متوحِّدٌ أو معتلٌّ بأي علةٍ عقليةٍ، أحسدهما حقًّا من وجوهٍ ربانيةٍ وبشريةٍ كثيرةٍ؛ فأما الربانية؛ فما خصَّهم به الله من هذا البلاء الشديد المديد، وما أدراكم ما الرُّزء في ثمرات الأفئدة؟ أم كيف به إذا كان في عقولهم؟ كذلك ما يحقِّقهم به -سبحانه- من أنواع العبادات فيعرِّضهم بها لصنوف الأجر، مع ما يُسقطه عنهم -تعالى- من مؤنة التربية بإسقاط التكليف عن أبنائهم؛ بضعف عقولهم أو ذهابها، ولو لم يكن لهم في بلائهم هذا؛ إلا أنهم لا يسألون عنهم -يوم التغابن- سؤال عامة آباء العقلاء المكلفين عنهم؛ لكفى، وأما البشرية؛ فما يفيض الله على قلوبهم من الرأفة والرحمة والرفق والتحنان، وعلى عقولهم من النظر والتأمل والفهم لصفات الله وآثارها في حياة أبنائهم، وعلى نفوسهم من الصبر والاحتمال والأناة والحِلم والجلادة؛ إنه لقدَرٌ لو يفقهون كريمٌ.

قال قائلٌ منكم: هذه حروفٌ رومانسيةٌ أجنبيةٌ تجود بها عاطفة من لم يجرب مواساةً وتسليةً! قلت: لا والله؛ قد تصدق علينا ربنا المنان -علا وتعالى- ببلاء أخي الأكبر “حذيفة” في عقله “ضمور المخ” منذ أربعين سنةً إلا قليلًا، صورة شقيق روحي وحديث أنفاسي بأول تعليقٍ؛ الله خليفتي عليك يا حذيفة يرعى روحك وجسدك حفيظًا مقيتًا، هو أولى بك مني ومن والديك ومن العالمين برًّا رحيمًا، واشْوِ اللهم بجهنَّمك لحوم من حالوا بيني وبين رعايته، وحرَّموا علي عينيَّ الاستضاءة بإشراق وجهه الحبيب.

إني لأحلف بالله؛ ما ذقنا نعيمًا بعد الإسلام أطيب من حذيفة، ويحسب الناس أنا المحسنون إليه! هو والله المحسن إلينا المتفضل علينا، ليت ربي الوهاب يبسط لي مقامًا أوسع من هذا؛ فأحدثكم بأعاجيبَ من ألطافه الحِسان أصابنا بها من لدنه في حذيفة؛ حذيفة، ما حذيفة؟ وما أدراكم ما حذيفة؟ قطعةٌ من نهارٍ وضَّاءٍ طلع -ساعةَ رضاءٍ- على بياض نهر لبنٍ في الجنة لم يتغير طعمه، إنا لننظر إليه -الآن- ساكنًا بعد حركةٍ عظُمت وطالت ثلاثة عقودٍ، ساكتًا لا يتكلم بعد حياةٍ ملأها كلامًا شهيًّا وصخبًا نديًّا، ننظر إليه كذلك؛ فنبكي بكاءً يهدُّ أفئدتنا هدًّا، نتذاكر عقود الحركة الطائشة والحديث الزاعق فنأسى.

يا معشر من جاد الكريم عليهم بهذا؛ أُعيذ قلوبكم بالله أن تحسب السعة ضيقًا، وعيونكم أن تشهد اللطف هَمَلًا، وأن تستغرقكم الشهادة فلا تستشفُّوا الغيوب؛ “طفلٌ متوحِّدٌ في البيت صخابٌ يدور؛ عطاءٌ من الله لأهله غيرُ محظورٍ”، “طفلٌ يابسٌ في مكانه لا يكاد يُبين، رأفةٌ خالصةٌ من خير الراحمين”.

احمدوا الله حمدًا كثيرًا، واستعينوا به بكرةً وأصيلًا، وأبشروا في القبض ببسطٍ مزيدٍ، واذكروا ما يدفع الله عنكم من أنواع مِحَنٍ أعمَّ وأطمَّ، وتصبروا؛ متعكم الله بهم في جواره على الكمال والتمام.

فلما كان اليوم الثاني من

فلما كان اليوم الثاني من جُمادى الآخرة سنة ألفٍ وأربعمائةٍ وأربعين؛ قتل النظام الكافر بمصر ثلاثةً من المسلمين آخرين، ما نقموا من الأبرار إلا أن اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها، وأنابوا إلى الله.

لم يقتلوهم شنقًا -ومن سبقهم بالشنق وأنواع القتل الأخرى- إلا بإذنٍ ملعونٍ من مفتي الديار المصرية، وسماحٍ من شيخ الأزهر ووزير الأوقاف، وسائر خِرَق نجاسات الطاغوت؛ معمَّمين وسياسيين.

اللهم ربنا العزيز ذا الانتقام؛ أحرق قلوب أولئك البُعداء البُغضاء وأجسادهم، وسادتهم وجنودهم، ومن ذاد عنهم بحرفٍ فما دونه، في الدنيا وفي الآخرة وفي البرازخ بينهما؛ إنك على كل شيءٍ شهيدٌ.

هذه بلادٌ من لم تَشنق رقبته شنقت فؤاده؛ مواجع لا تُحصى وفواجع لا تُستقصى، وما خفي أدهى وأمرُّ، لكنَّ قضيتنا رابحةٌ أبدًا؛ “ثأرٌ” في الدنيا قلَّ من يدرك حقَّه، أو “جهنم” لا يفوت عذابُها مستحِقَّه.

اللهم ربنا العزيز ذا الرحمة؛ أذق عبادك الذي قضوا نحبهم عندك ما يَنعمون به بعد بؤس مِصْرَ ويرضون به بعد سُخط عيشتها، واربط على قلوب أهليهم ومحبيهم -وإيانا- لنكون من الموقنين.

يا معشر من يطول عجبهم وتعظم حيرتهم؛ إن الله أغير على أنفُس عباده من العالمين، لكنه لا يعجل بعجلة أحدٍ، وإنه لا يُقترح عليه ما يُصنع في شيءٍ؛ فآمنوا بصفاته، وسلِّموا لأفعاله، وارتقبوا.

قال خنثى الطواغيت: “اللي حصل من 7 سنين مش هيتكرر تاني”، وقال الله: “هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ * فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ * وَاللَّهُ مِن وَرَآئِهِم مُّحِيطٌ * بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ”، فآمنت طائفةٌ بقول الله ولم يسمعوا عدوه، وكفرت طوائف، وشكَّت أخرى؛ فمن أنتم؟