#في_حياة_بيوت_المسلمين. لئن عجبت من عقوق

#في_حياة_بيوت_المسلمين.

لئن عجبت من عقوق الصغار آباءَهم شيئًا؛ فإن عجبي من عقوق الكبار لا ينقضي!

كيف يعقُّ الكبار آباءهم؛ وقد ذاقوا فيما عاشوا حتى كبروا من نفوسهم ومن الناس والدنيا ما ذاقوا!

أنا يا أمي كلما كبرت ساعةً شهدت فضلك سنةً، أنا يا أبي كلما تأخرتْ قدرةُ حِسِّي سنةً تقدمتُ نحو قدْر نفسِك عشرًا، يا والدتي؛ أنا كلما أسْنَنْتُ وَهَى قلبي فابتغى القوة في حنانك المَكِين، يا والدى؛ أنا كلما وَهَنَ عظْمي عَظُمَ وَهَنِي فلُذْتُ بجدارك المتين، أنا يا أبَويَّ كلما هُتِكَ لي من نفسي شُحٌّ تجلَّي لي من نفسَيكما ألفُ عطاءٍ، أنا يا والدَيَّ كلما خالطت الناس شيئًا مُلئت رعبًا، ففررت إلى حِماكما أتحصَّن بمأمنه، يا أمي وأبي؛ إذا استوت الحياة والموت؛ لم تستو أنوار جواركما وظلمات البِعَاد، يا أبي وأمي؛ كل ظلٍّ ينبسط لي منقبضًا دونكما حَرُورٌ، وكل رَطْبٍ يذوقه قلبي لا تذوقانه قبلي يابسٌ، يا حبيبيَّ؛ أنا خائفٌ إلا في بساطٍ من أمانكما سلامٍ، يا صديقيَّ؛ يملأ بُنَيَّكُمَا فراغَ فؤاده ببِضْع أثاراتٍ من بركاتكما كلَّ خمس كآباتٍ ونصفٍ، ويدَّخر باقيَها لما بقي من أوجاعه في أكداح الحياة، أُمَّيَاهُ ويا أبت؛ رحمكما الله كما رحم بكما، ورحمكما، ورحمكما، يا خليليَّ؛ لئن ضَؤُلَ إحساني إليكما صغيرًا؛ فقد أَرْبَى الله برِّي بكما كبيرًا، إني -بلا ولدٍ- أبصر ما بذلتماه لي ولدًا على وجهه المبين؛ كيف بصيرتي لو كنت ذا ولدٍ! أستغفر الرحمن من أيسر التفريط في وَصَاته الجليلة بقدْركما العظيم؛ إنه كان للأوَّابين غفورًا.

الآن وقد أوشك غرق العُمُر أن يدركني أبرُّكما فلا أجفو، وأتبلَّغ بأَمْداد النهار بين يديكما لأقوم الليلَ عند قدميكما ولا أغفو، ويَكدِر بالي الدهرَ ما كدِر بالُكما بعضَ يومٍ فلا يصفو، وإلى إِنعام حبِّكما وإنعاش قربِكما تصْبو روحُ صغيرِكما وتهْفو، وآثارَكما -اليومَ- دون مسالك الأقربين والأبعدين جميعًا يقْفو.

كيف يعقُّ الكبار آباءهم؛ وقد ذاقوا فيما عاشوا حتى كبروا من نفوسهم ومن الناس والدنيا ما ذاقوا!

لئن عجبت من عقوق الصغار آباءَهم شيئًا؛ فإن عجبي من عقوق الكبار لا ينقضي!

#في_حياة_بيوت_المسلمين. قال: من أبخل الناس

#في_حياة_بيوت_المسلمين.

قال: من أبخل الناس يا أبت؛ أكرمك الله الأكرم وأكرم بك؟

قال: أعاذك الله من البخل دِقِّه وجِلِّه يا بني؛ أبخل الناس من وهبه الله ولدًا في زمان فتنٍ متواترةٍ ليس كمثلها فتنٌ، ثم ضَنَّ عليه بركعتين -جَوْفَ كلِّ ليلةٍ- يستوهب الله في طُول سجودهما نجاتَه من الفتن شهواتٍ وشبهاتٍ، وعِصمتَه من عُصَب السوء والضلال باطنًا وظاهرًا، وأن يصنعه على عينه للإسلام وأهله لا قادرَ على هذا إلَّاه تعالى، وأن يعينه على الحكمة والرَّشد في تربيته، وأن يفتح له في التوفيق في تأديبه فتحًا مبينًا؛ لا يزال يُلِحُّ على الله في نسائم الأسحار -والله أقرب قريبٍ- حتى يستجيب له.

يا بني؛ إن للتربية الصالحة أسبابًا ربانيةً وأسبابًا بشريةً؛ فأما الربانية؛ فصلاح حال الآباء والأمهات مع الله اعتقادًا وعبادةً، وتعاونهم على البر والتقوى، وتواصيهم بالحق والصبر، وحُسن المعاشرة فيما بينهم، وبذل الندى إلى الناس والتوسع فيه، ودعاؤهم لأبنائهم مخلصين تضرُّعًا وخُفيةً، والتوبة الدائمة إلى الله من التفريط في القُرُبات ومن مقارفة الآثام، وإحسان الظن به -سبحانه- أن يهَبَهم فيهم قرَّة أعينٍ، وأما البشرية؛ فتعلُّم ما يستطيعون تعلَّمه من فقه التربية، وفهم ما بين الذكران والإناث من الفروق الباطنة والظاهرة، ومعرفة أنماطهم النفسية، وما يصلح لهم في كل مرحلةٍ، والحكمة في معاملتهم بوضع الرفق موضعَه والعنف موضعَه، وإن عامة الناس جهلاء بالأسباب البشرية أو عاجزون عنها، وإن عليهم تعلُّمها والتبلُّغ بها قدْر ما يستطيعون؛ لكن الله يجبر بالأسباب الربانية كسور الجاهلين العاجزين عن الأسباب لأخرى، ويهديهم ببركاتها للتي هي أقوم؛ تبارك الله خير الجابرين.

يا بني؛ قد صارت تربية الأبناء في هذا الزمان من عَويصات الأمور، لا حول ولا قوة فيها إلا بالله العزيز الحكيم، هو مولاها والمستعان عليها وحده؛ وإنا لفي غربةٍ ليس لها من دون الله كاشفةٌ؛ أفيُدرك بعضَ ذلك ذو عيالٍ، ثم يشحُّ عليهم بركعتين لا يبرحهما يستمنح الله بهما صلاحهم! اللهمَّ اللهمَّ.

يا حبيبي؛ احترم عافية الله.

يا حبيبي؛ احترم عافية الله.

إن للعافية حُرمةً لا يشهد جلالَها إلا المبتلَون.

ينظر المبتلى إلى المعافى كيف يفرِّط في العافية؛ فيظل يعجب!

هل أتاك حديث البلاء! ضيقٌ وألمٌ وحرمانٌ وذلةٌ وافتقارٌ ووحشةٌ وترحالٌ، وغير ذلك.

أفلا تنظر إلى الأسير كيف يشتاق إلى الحرية! وإلى المريض كيف يشتاق إلى الصحة! وإلى المحروم كيف يشتاق إلى العطاء! وإلى الكئيب كيف يشتاق إلى السعادة! وإلى الغريب كيف يشتاق إلى الأهل! وإلى المطارَد كيف يشتاق إلى السَّكن! لطف الرحمن بهم أجمعين ورأف؛ له الحمد وعليه الثناء.

يا حبيبي؛ إن في العافية سؤالًا من الله -في الدنيا والآخرة- أعظم وأوسع من سؤاله في البلاء، كلما زادت العافية زِيدَ فيها السؤال؛ فإن فيها من البُحْبُوحَة والمقدرة واليَسَر ما ليس في البلاء، اللهم بصِّرنا بحق عافيتك، وأعِنَّا على شكرها، واغفر لنا سوء احترامها، وائت بنا كلما شردنا، لا إله إلا أنت.

“اللهم باعد بيني وبين خطاياي؛

“اللهم باعد بيني وبين خطاياي؛ كما باعدت بين المشرق والمغرب”.

جزءٌ من دعاء استفتاح الصلاة عظيمٌ؛ طوبى لمن تدبره، وصدَق الله فيه، وأخلص.

“اللهم باعد بيني وبين خطاياي”؛ باعد بيني وبين خطاياي نفسًا فأمقتها، باعد بيني وبين خطاياي عقلًا فلا تخطر لي عليه، باعد بيني وبين خطاياي لسانًا فلا أخوض فيها بشيءٍ، باعد بيني وبين خطاياي سمعًا فلا تبلغني ولا أبلغها، باعد بيني وبين خطاياي بصرًا فأُصرف عنها وتُصرف عني، باعد بيني وبين خطاياي جوارحَ فلا تنشط لها بحركةٍ فما دونها، باعد بيني وبين خطاياي زمانًا، باعد بيني وبين خطاياي مكانًا، باعد بيني وبين خطاياي أسبابًا، باعد بيني وبين خطاياي أحوالًا، باعد بيني وبين خطاياي آثارًا في نفسي وجسدي وأهلي ومالي، باعد بيني وبين خطاياي عقوباتٍ في الدنيا والآخرة وفي البرزخ بينهما، باعد بيني وبين خطاياي فتنةً بها، باعد بيني وبين خطاياي حتى كأن لم تكن.

بيني أنا وبين خطاياي؛ بنفسي أبدأ لا بالخطايا، مني البداية وعلي النهاية، كما في الدعاء الآخر؛ “اللهم اغفر لي جدِّي وهزلي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي”، فهو متضمنٌ اعترافي بذنبي يا مولاي، وكاشفٌ عما أظن بنفسي من السوء واستحقاق الجزاء عليه، وإذا أبعدتني عنها ربي فأبعدها عني.

“اللهم باعد بيني وبين خطاياي”؛ خطاياي جميعًا؛ أنواعًا وأقدارًا، خطايا قلبي وخطايا لساني وخطايا جوارحي، ما اقترفت في نفسي وما اقترفت في غيري، دِقِّها وجِلِّها، خطئِها وعمدِها، جدِّها وهزلِها، علانيتِها وسرِّها، ما قدَّمت منها وما أخَّرت، ما علمت منها وما جهلت، ما ذكرت منها وما نسيت.

“كما باعدت بين المشرق والمغرب”؛ كما لا يلتقي المشرق والمغرب؛ فلا ألتقي وخطاياي، ولأنه إذا صار المغرب مشرقًا فطلعت منه الشمس؛ لم ينفع نفسًا إيمانُها لم تكن آمنت من قبلُ أو كسبت خيرًا.

يا أحبتي؛ هذا حرفٌ يسيرٌ في جزءٍ قصيرٍ من دعاءٍ واحدٍ من أدعية استفتاحٍ كثيرةٍ؛ علَّمناها نبي الله.

قال: أغثني أبت؛ اشتهيت معصيةً

قال: أغثني أبت؛ اشتهيت معصيةً معينةً، فتهيأت لي أسبابها جميعًا فورَ اشتهائها؛ الزمان، والمكان، والوسائل، والمُعين؛ حتى قارفتها على الوجه الذي اشتهيت وزيادةً، فأي شيءٍ ذاك أغاثك الله؟!

قال: وأغاثك أبدًا بني؛ ظلمك أبوك لو كتمك في شأنك اليومَ حديثًا، يا بني؛ هذه -والله- مُرعبات العقوبات، فإن الله كما ييسر اليسرى لمن أصرَّ على اقترافها شُكرانًا ونَوالًا؛ ييسر العسرى لمن أصرَّ على اقترافها عقابًا ونَكالًا؛ كيف إذا عجَّل بتيسيرها؟! أم كيف إذا يسرها على أشدِّ وجهٍ يُسخطه؟!

يا بني؛ إن الله أرحم وأكرم من أن يفعل بعبده ذلك؛ حتى لا يبالي العبد أيَّ معصيةٍ يركبها يُسخط سيدَه بها، فلا يبالي الجبار به في أي وادٍ ألقى، يا بني؛ اليقين أن الله والاك بمواعظَ من لدنه -قبل ذلك- فلم تعبأ، واليقين أنه حال بينك وبين طاعاتٍ عرَّفك بها وأعانك عليها -قبل ذلك- فلم تكترث، واليقين أنه خلَّى بينك وبين معاصي سبقت لك عصمته منها -قبل ذلك- فلم تحفل، يا بني؛ ذلك الله الذي نَعرِف.

يا بني؛ المواعظ ضيوف الله الغنيَّة في قلوب عباده الفقراء؛ طوبى لعبدٍ كريم القلب أحسن استقبالها.

يا بني؛ ما أتاك من مواعظ الرحمن في يقظتك؛ فاقدره قدره؛ آياتٌ مَتْلُوَّةٌ تسمعها، أقدارٌ مَجْلُوَّةٌ في نفسك أو في غيرك، حتى العُطاس يشاؤه الله -رؤوفًا رحيمًا- وأنت تعصيه؛ موعظةٌ من مواعظه علا وتعالى، تقول لك: احمد الله؛ احمد الله على قوتك فلا تعص الله بها، احمد الله على عافيتك وخذ منها لبلائك.

يا بني؛ وما أتاك من مواعظ الرحمن في منامك؛ فأنزله منزلته؛ “الرؤيا” من الله مبشِّرةً أو منذرةً؛ موعظةٌ من الله تشكر لك قربك منه فتستزيد، “الحُلم” من الشيطان؛ موعظةٌ من الله تذكِّرك بُعدَك عنه فتقترب، “حديث النفس”؛ موعظةٌ من الله تكشف لك شيئًا ما بقلبك -وإنه لمَحِلُّ نظر ربك- فتراجعه.

تأملْ سطورَ الكائناتِ فإنها ** منَ الملكِ الأعلى إليكَ رسائلُ

وقدْ خَطَّ فيها لوْ تأملتَ نقشَها ** ألَا كلُّ شيءٍ ما خلا اللهَ باطلُ

يا بني؛ من أحسن ضيافة مواعظ الله والاه بأخواتها، ومن أساء نُزُلها فليستدرك، والله غفورٌ شكورٌ.

#في_حياة_بيوت_المسلمين. يا معشر الآباء والأمهات؛

#في_حياة_بيوت_المسلمين.

يا معشر الآباء والأمهات؛ جُدُّوا في إرضاء أبنائكم بأنواع المباحات فيما تستطيعون، وتجاوزوا رضاهم إذا عارض رضا الله ورسوله، وما تجاوزتم فيه رضاهم -لله ورسوله- فبينوا لهم أسبابه بما يعقلون.

قُتل أبي في سبيل الله -تقبله الله وأعلى درجته- ونحن أطفالٌ، وتولت عامة أمرنا من الناس والدتي وحدها، وكانت أمي -رضي الله عن أمي- تشتد علينا في مواطن -ليس من أمر الدنيا؛ فما ضربت أحدَنا في مالٍ ضاع أو شيءٍ أُتلف قطُّ- ويغلب عليها الحنان والرفق في سائر أمورنا، أصابت في الشدة كثيرًا وأخطأت قليلًا، وكانت تحدثنا كثيرًا عن أسباب شدتها هذه التي تكره، مِزَاجُ حديثها دموعُها تنساب من مُقلتيها، فنصفو لها -عندئذٍ- باطنًا وظاهرًا، حتى إذا عُوتبت في هذا من أحدٍ؛ قالت قولًا حفظه عقلي صغيرًا ورضيه قلبي كبيرًا؛ إلى أن ملأ نفسي عقيدةً أثبُت عليها وأدعو إليها، كانت تقول: “قلوب أولادي مش بإيديهم، قلوبهم بإيد ربنا، بكرة ربنا يبصَّرهم أنا بشدّ عليهم في كده ليه”، فأحلف بالله لقد برَّها ربُّها فيما قصدت، وكبرنا راضين عنها رضًا ليس كمثله رضًا؛ نتذاكر ما سلف منها فينا جميعًا فنقبله جميعًا، وندعو لها به جميعًا، ونحن نحبها -إلى الساعة- كأشد ما يحب أطفالٌ أمهاتهم، ونرجو لها من كمالات المعاش والمعاد فوق ما نرجو لأنفسنا، وهي -بحمد الله ثم بحمدها- راضيةٌ عنا أجمعين، وهذا والله الستر السابغ والفضل البالغ وعطاء ربِّنا بينهما غير محظورٍ، ليس في صحائفنا -بعد الإسلام لله- ما نرجو بركاته في الدنيا والآخرة مثلُه؛ لا عاقبنا الرحمن بما نستحق في مثقال ذرةٍ من رضاها.

الفائدة معشر الآباء والأمهات؛ تحرَّوا رضا أبنائكم ما قدرتم، لكن ما تعارض ورضا الله فلا تبالوا برضاهم، وأرضوا فيهم ربَّهم ومولاهم؛ فإن الله يرضى عنهم ويُرضِّيهم عنكم، برًّا إذا يُثيب شكورًا.

تمام الفائدة؛ ما جاوزتم رضا أولادكم في شيءٍ لله ولرسوله؛ فعلموهم لم فعلتم، وكلموهم في ذلك بما يعقلون، وتحببوا إليهم -كلما فعلتم- بما تستطيعون؛ أن تُبغِّضوا الله ورسوله إليهم وأنتم لا تشعرون، كما نهى عن مثله عمر -رضي الله عنه- أصحابه يومًا، قال: “لا تُبغِّضوا الله إلى عباده”، قال قائلٌ منهم: وكيف ذلك؟ قال: “يكون الرجل إمامًا للناس يصلِّي بهم، فلا يزال يُطوِّل عليهم؛ حتى يُبغِّض إليهم ما هم فيه، أو يجلس قاصًّا، فلا يزال يُطوِّل عليهم؛ حتى يُبغِّض إليهم ما هم فيه”؛ جبركم الله فيهم أجمعين.

مررت بالقبور في الليل؛ فإذا

مررت بالقبور في الليل؛ فإذا حظُّ ظاهرها من سواده ظلمةٌ كثيفةٌ، فقلت في نفسي: هذا ظاهرها قد أغطشه الليل قتامةً، أمَا -والله- لو جُعل ظاهر الأرض محلًّا للموتى، وكان الليل -بعتمته- معشار ما يغشاهم؛ لكان حسبهم حسابًا؛ كيف باطنها؛ ولا فرق فيه -عند سكان البرازخ- بين الليل والنهار؟!

لقد أُوقن أن كِفْلَ أُولي الإيمان والطاعات من نور ربهم في أجداثهم؛ وافٍ عظيمٌ، لكني توهَّمت سكانها الذين هم على شاكلتي، أُولي ضعف الإيمان وغلبة الآثام، فأشفقت عليهم، وأخذت نفسي رعدةٌ شديدةٌ، يا ويحهم! ثم لم يُسكِّن قلبي إلا ضراعةٌ ذكَّرنيها ربي -علا وتعالى- لنبيه صلى عليه وسلم، ابتهل بها الرسول إلى وجه ربه الكريم في ميتٍ من أصحابه الميامين، فنسجت على منوال سيدي تأسِّيًا، قلت: يا نور السماوات والأرض؛ قد أصبح عبادك بنو عبادك بنو إمائك فقراء إلى نورك، وأنت غنيٌّ عن عذابهم؛ فنوَّر لهم قبورهم بضياءٍ من لدنك غيرِ ممنونٍ، إحسانًا إليهم ومنةً عليهم لا أنهم مستحقون.

لا أدري! لعلي كنت أدعو لنفسي فيهم، أقدِّم لها برجاء الله ما أخَّرتُ عنها؛ رباه أدركنا قبل ليل اللحاق.

إذا كان شهرُ شعبان شهرَ

إذا كان شهرُ شعبان شهرَ صعود عمل السنة كلِّه إلى الله، ولم يكن لك في سَنتك الفائتة طيباتٌ كثيرةٌ تبيِّض وجهك عنده تعالى، وكنت على بلوغ مغفرة ربك الأكرم ورضوانه الأكبر حريصًا؛ فإني أدلُّك على اثنتين تجبران كسور صالحاتك، وتلُمَّان لك شَعَثَ ما تفرَّق؛ الصلاة على وقتها بخشوعٍ في جماعةٍ مع أذكارها والنوافل، وختمة قرآنٍ تستوهب الله ببركاتها -بين انكسارك وافتقارك- إنعاشَ روحك وإيقاظَ قلبك في رمضان، وثالثةٌ جليلةٌ جميلةٌ؛ لا حسنة عند الله بعد التوحيد كمَرْحَمَة خلقه، ولا سيئة بعد الشرك كظلمهم؛ برَّ والديك بعملٍ عظيم المعنى يملأ قلبيهما سرورًا ووجهيهما نضرةً، أو تحلل من مظلمةٍ عليك لا يعلمها إلا الخبير الحسيب، أو اعف عن ظالمٍ لك من المسلمين -ليس الكفرة الفجرة- وبالأقربين فابدأ، أو صِلْ مسلمًا قطعك من أهل بيتك أو أرحامك أو جيرانك أو أصدقائك، أو تصدق بصدقةٍ كبيرةٍ يعجب اللهَ في السماء نوعُها وكيفُها، أو صدقةٍ صغيرةٍ يُكبِّرها عند الله إملاقُك وأنها جُهد المُقِل، ومن جعل صدقته في الأسرى وأهليهم فطُوباه وطُوباه، أو ضع دَين ذي دَينٍ يحمل همَّه بين جنبيه يقظانَ نائمًا، أو أبهج ذا كآبةٍ بشيءٍ تعلم أنه يُسرِّي عن نفسه وإنْ قليلًا مما تملك؛ تلك والله الجوابر، مِن تحتها خوفُك اللهَ أن يردَّها، ومِن فوقها رجاؤُه أن يقبلها؛ عسى -برأفته ورحمته- أن يطَّلع على عقلك حائرًا بينها أيَّها تفعل ليغفر فيغفر، وعلى قلبك راكضًا بها إليه لعله يرضى فيرضى.

إن الولد ليسيء إلى والديه الإساءة العظيمة، ثم ينكسر عندهما بالشيء يُتحفهما، يتملَّقهما بفعله تملُّقًا؛ فينقلب سخطهما رضًا، ونفورهما إقبالًا؛ كيف بالربِّ البرِّ خيرِ الراحمين؟! ألا نُعْمَى للقوم المتملِّقين.

يا معشر من جلَّت خطاياهم وجمَّت؛ الحمد لله الذي جعل قطع الطُّرق إليه بالقلوب، وجعل الليل والنهار خِلْفَةً، وأبقانا إلى الساعة لنستدرك بصالحٍ يرضاه، ولم يعاجلنا بما نستحق؛ له الحمد وعليه الثناء.

هذه في قلبي وعقلي عقيدةٌ

هذه في قلبي وعقلي عقيدةٌ مُحْكَمَةٌ؛ عليها أُشهد الله، واشهدوا.

كل مشتغلٍ بمحاربة طائفةٍ مسلمةٍ -مهما بلغ سوءهم وسيئاتهم- ما لا يشتغل بالكافرين؛ كالطواغيت، والملاحدة، واليهود، والصليبيين؛ فهو دجَّالٌ مفتونٌ؛ وإن حلف بين الركن والمقام على ابتغائه الحقَّ.

السلفيون والأشاعرة -بغير مقارنةٍ بينهم- مستحقون للرد عليهم -بعلمٍ وعدلٍ- في أبوابٍ من العلم والعمل، أما إفناء الطاقات والأوقات فيهم، ومن قومٍ دينُهم الخَرَسُ عن الكافرين إلا لَمَامًا؛ فاللهم لا.

هاهنا طفلٌ في مِسْلَاخِ رجلٍ؛ يريد إقناع الناس -بلَهَث الليل والنهار- أن السلفيين شر العالمين، وقد كان ولم يزل منهم وإن تحوَّل عنهم وهو لا يشعر؛ فإن آفات القوم -على ما عندهم من الخير- وافرةٌ فيه، يبصرها في نفسه وقوله وعمله العميان قبل البصراء؛ وإن خاتل المعتلُّ المختلُّ عنها ما خاتل.

يذكرني هذا الطفل -وهو يركض ركض السنين؛ ليثبت لشلَّة الأقدمين وشلَّة المحدَثين أنه لم يعد سلفيًّا- بحِيَل الأطفال في التخفي، يظن غير الحق ظنَّ الصغار أنه إذا بدَّل صورته القديمة خفيت عللُه.

قال قائلٌ منكم: حصرُه في “خيابات الطفولة” تخفيفٌ من غُلَوَاءِ مصائبه في الدين، قلت: اللهم نعم؛ هو مفتونٌ في دينه، يزداد نكوصًا عن الحق إلى الضلال كل حينٍ، حتى وافق من قريبٍ شيطانًا خبيثًا كتب يحرض على السلفيين: “من خالف قوانين الدولة فهو مجرمٌ؛ أبلغوا عنه”، ومن قبلُ أبلغ الحقير طواغيت بلدٍ خليجيٍّ عن شيخٍ فاضلٍ، ناهيك عن دفاعه عن “البوطي” خِرْقَةِ بشَّار وأبيه لعنهما الله.

مشكلة هذا النصاب نفسيةٌ محضةٌ، كم أشفق على الذين يُرقُّونها إلى مصافِّ المشكلات العقدية والفكرية فتشقى أنفسهم في الرد عليه! رضي الله عن البررة السافِّين عليه؛ ما لم يطغَوا أو يفحُشوا.

يا أيها الذين آمنوا؛ إن للمواجهة خارطةً أحكم الإسلام رسمها، لا يستوي الكفار فيها والمسلمون؛ فأنى يستوي محاربو الكافرين ومسالمو المسلمين؟! ألا فاقدروا مخالفيكم بحقٍّ وحُسبانٍ؛ لا تبخسوا ضلالهم وظلمهم قدْرهما، ولا تطغوا في الميزان؛ أن تزيغوا في هذا الباب زيغ من قبلكم وأنتم لا تشعرون.

قريبًا كتب الشيخ الموفق عمرو عفيفى شيئًا في “السلفيين” يصلح متنًا، قال أخي نفعه الله، ونفع به:

“- في السلفية ما يلزم تركه؛ وهو ما يسمى “فقه الدليل” ونبذ المدارس الفقهية، والزهد والتقلل من علم أصول الفقه، وعلم علل الحديث، أو الاعتماد فيهما على المعاصرين، والمدخلية وحزب النور وما شابههما.

– وفيها ما يسوغ أو الأولى تركه؛ وهو تعظيم رموز بعينها، واعتماد علماء بعينهم، في الوعظ أو الفتوى أو التعلم، والتزام اختيارات ابن تيمية الفقهية.

– وفيها ما يَضُرُّ تركه؛ وهو العناية بكتب ابن تيمية في العقائد ونقد المنطق، وكتب ابن القيم في السلوك.

– وفيها ما لايسوغ تركه؛ وهو تعظيم السلف والقرون الفاضلة ومن تبعهم بإحسان، واقتفاء أثرهم، في فهم الوحيين، وفي الصفات والإيمان والقدر والصحابة ونحوها، وتتبع طريقتهم وسيرهم في العبادة والورع وتدبر القرآن والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله، وتعظيم الشرائع والوحيين، وإيثار الحق على الخلق ونحوها.

ويلزم من هذا الأخير “العناية بالمذاهب” تعلما وتعليما، ولكن كثيرا منهم لا يلتزمه”.

بالتعليقات منشوراتٌ لصاحبكم؛ أرجو الله أن ينفعني بها ومن بلَغَت، وأن يعيذنا من الفتن أجمعين.

وماذا عليك لو تطهرت فيما

وماذا عليك لو تطهرت فيما بقي من السَّحر الشريف، وتطيبت، ونصبت قدميك في ظلمةٍ يملء نورُ السماوات والأرض مثلها نورًا، فصليت ركعتين تأخذان لك بمجامع الطرق؟! ركعتان تحدث الله فيهما بما لا يُحدَّث به العالمون، بذنبك الذي أعياك الخلاص منه، وعيبك الذي أجهدك النزوع عنه، وكُربتك التي لا يخبرها إلا علام غيوب القلوب، تقول: ربي مولاي سيدي إلهي حبيبي؛ عَبيدك سواي كثيرٌ، وليس لي سيدٌ إلا أنت، ألست تعلم ذنوبي وعيوبي وكروبي وحدك؟ فلا يتوب منها علي ولا يحسن بالمعافاة إلي ولا يسوق الفرج بين يدي؛ إلا أنت وحدك، تب علي بما لك من واسع الرحمة التي سبقت عندك غضبك، لا بشيءٍ عندي، اللهم إنه لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، لا بدَّ لي منك، ولا غنى لي عنك، لن أبرح حتى يطمئن قلبي أن قد فتحت لي إليك بابًا، ويسرت لي من خيرَي المعاش والمعاد أسبابًا، أحلف بك -لا أحلف بغيرك- أني أحبك، على ما فرَّطت في جنبك أحبك، على ما اقترفت بجَناني ولساني وأركاني أحبك، تولَّ ذنوبي وعيوبي وكروبي بأحسن إحسانك، وأنت الغني الكريم.