#في_حياة_بيوت_المسلمين. هل آخذ دواءً يمنع

#في_حياة_بيوت_المسلمين.

هل آخذ دواءً يمنع نزول الحيض لأصوم رمضان وأقومه؟ تسأله نسوةٌ صالحاتٌ.

يقول الفقهاء: يجوز هذا ما أُمن ضررُه؛ لكن العبد الفقير يقول لك: إن اختيار الله لك خيرٌ من اختيارك لنفسك باطنًا وظاهرًا، وإن الله أعلم حيث يجعل قضاءه، وقد قضى لكنَّ -بناتِ حواءَ- بهذا حكيمًا خبيرًا، وإن لله في كل قدرٍ شرعًا، وإن شرعه العظيم في قدره الكريم هذا؛ هو “الفقه، والرضا، والطيبات”.

الفقه؛ أن تفقهي عن الله حكمته البالغة فيما اختار لك؛ عذر الحيض، وزمانه، وحاله، ومدته، وما يكون به من الآثار النفسية والحِسية، وما يجري به من الأحكام الشرعية؛ ذلك تخفيفٌ من ربك ورحمةٌ.

الرضا بالله ربًّا؛ ربًّا خلقك فسوَّاك فعدلك، في صورة معينةٍ شاءها ركَّبك، ربًّا برأ نفسك كما برأ جسدك وشدَّ أَسْرهما كلًّا بكلٍّ، ربًّا جعل بينك وبين الرجل حِسًّا ما بين الليل والنهار معنىً، تتساندان -خصائصَ ووظائفَ- لا تتعاندان؛ “وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى”؛ ما عطف الله الذكر والأنثى على الليل والنهار سُدىً، فلو صح أن يحتج ليلٌ على نهارٍ؛ لصح احتجاج ذكرٍ على أنثى، ربًّا بما يصلحك في المعاش والمعاد عليمٌ، ربًّا له الخلق والأمر جميعًا، وقد وصل مصالح أقدار عباده بمصالح شرعه -في بناءٍ بديعٍ منزَّهٍ- حفيظًا حسيبًا، ربًّا مقيتًا يختار لكل قدرٍ وشرعٍ زمانهما ومكانهما وأسبابهما؛ فإذا قدَّم قدرًا فتقدم شرعٌ فله الحمد، وإذا أخَّر قدرًا فتأخر شرعٌ فله الحمد.

الطيبات؛ طيبات النيات، وطيبات الأقوال، وطيبات الأعمال؛ يبلغ العبد بنيته ما لا يبلغ بعمله، في الدنيا والآخرة، وإن العبد ليُثاب على نيته المجرَّدة عن العمل، ولا يُثاب على العمل المجرَّد عن النية، وفي الصحيح قول رحمة العالمين صلى الله عليه وسلم: “إن بالمدينة لرجالًا ما سرتم مسيرًا، ولا قطعتم واديًا؛ إلا كانوا معكم”، قالوا: وهم بالمدينة يا رسول الله؟! قال: “وهم بالمدينة؛ حبسهم العذر”، وكم من امرأةٍ يطلع الرحمن على قلبها في نهار رمضان ولياليه؛ فإذا هو مكتظٌّ بأنواعٍ من رجاء الكمالات، وخوفٍ من فوات الدرجات العليات، ومحبةٍ مُرَقِّيةٍ إلى معالي السماوات؛ ما ليس في قلوب كثيرٍ من الرجال! وتلك -والله- عبادةٌ عويصةٌ، أربابها آحادٌ مُفرَدون؛ أن يقوم بقلبك من صادق الرغبة فيما عند الله من حظوظ الصيام والقيام؛ مثلُ الذي يناله بجوارحهم الصُوَّام القُوَّام، وطيبات الأقوال؛ لَهَجٌ بالذكر العام والخاص، وتلاوةٌ فياضةٌ للقرآن، وتلطفٌ إلى والدين وإخوةٍ وزوجٍ وأبناء بطيبٍ من القول، وطيبات الأعمال؛ لك كلُّ عملٍ شُرع للرجل، ثم تفضُلينه بما لا قِبل له به من زاكيات العناية والرعاية؛ أعمال الأهل والبيت التي لا يَحسُن إرجاؤها، وما لا يتم صيامهم وقيامهم إلا به من عملك فهو من جنسه عند الله؛ “فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ”، “فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ”، “وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ”، “وَمَآ أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ”؛ تقدَّس الله خير الشاكرين.

لئن نسيت في هذا المقام شيئًا؛ فلا أنسى والدتي أبهج الرحمن مهجتها أبدًا، كم شهدتها في رمضان -طفلًا- وإن شأنها مع الله لعجبٌ! كنا أيتامًا صغارًا، أحدنا لا عقل له أخي “حذيفة” بسط الله له صحةً وعافيةً، أعجز عن وصف حركته -وقتئذٍ- وما يُتلف بها في البيت كيفًا وكمًّا، وحاجته إلى اعتناءٍ خاصٍّ لا يعلمه إلا الله والذين ابتُلوا بمثل دائه في ولدٍ لهم، ونحن -يومئذِ- مساكين في مسكنٍ ضيقٍ نعشقه، نملأ أوانينا -أحيانًا- من طُلُمبة الحي لشُحِّ الماء، لا غسالة لدينا، بل تغسل أمي -غسَلها الله من خطاياها بالماء والثلج والبرَد- على الوابور بالنَّشَّابة وما إليها؛ ذلك كله وغيره وأمي لا تفرِّط في مضاعَف العبادة في رمضان، لا ليلًا ولا نهارًا؛ كانت تضع المصحف الكبير على خشبة المطبخ الصغير، وتقرأ فيه ما تقرأ وهي جوالةٌ في البيت لا تعرف سكنًا ولا راحةً، وتخدم جدتي -رحمها الله ورضي عنها- خدمةً نادرة المثال، وتحفِّظنا القرآن وتكدح في ذلك، ويتصل بها عددٌ من النساء للتعلم أو للبر أو للمواساة لا أحصيهنَّ، وإنها لتنفق عليهنَّ من قلبها وجَهدها ووقتها ما لا تملك؛ إلا بركةً من الله عليها وفضلًا كبيرًا، وكانت -ولم تزل- تأبى أن تدعو أحدًا أو يدعوها إلى الإفطار في الشهر العظيم، إلا ما اضطرت إليه اضطرارًا يملؤها كآبةً لما يفوتها من الخير به، فإذا جَنَّ عليها الليل لم تنم إلا قليلًا، ثم قامت فتطهرت وتطيبت وصلَّت صلاةً تَرُوق رائيها وتُعجب باريها، وإنك لتمر بها قائمةً أو راكعةً أو ساجدةً أو جالسةً فإذا هي تنشج بالبكاء، ثم توقظ من نام منا وتنصب في ذلك، ثم تطعمنا السحور راضيةً مستبشرةً، ثم تصلي الفجر وتذكر الله بعده، ثم تنام قليلًا لتبدأ بالضحى يومًا جديدًا في طاعة الله.

أما العجيبة الباهرة! كانت تصحو بالليل في رمضان وغيره -وهي ذات عذرٍ لا تصلي- فتتطيب وتقرأ القرآن بحائلٍ لا تمسه، وتذاكر موادَّ دروسها للنساء، في العقيدة والفقه وفي الوعظ الأخَّاذ الجميل، فلله كم أدَّبت وعلَّمت من النساء سنين عددًا! حتى قلت لها مرةً: مش انت مش بتصلي اليومين دول يا أمي؛ ليه قايمة في نفس الوقت، وانت تعبانة جدًّا كمان؟! فأجابتني جوابًا أرجو الله أن يكون في سمعه مرضيًّا: “ده وقت أنا عودت الملائكة تكتب لي فيه حسنات، فلازم أقوم فيه حتى لو معذورة”.

يرى ربي دموع عينيَّ تسحُّ الآن وأنا أنقش عن أمي زخرفًا موجَزًا، اللهم مولى أمي؛ اغفر لأمي ما لا يضرك وإن كان كثيرًا، واقبل من أمي ما لا ينفعك وإن كان قليلًا، وارزق أمي أخلص الصدق وأصدق الإخلاص في كل قولٍ وعملٍ، واجبر كسور أمي نفسًا وحِسًّا، وأثب أمي عن مجيد عطائها وفريد صبرها رحمةً واسعةً في الدنيا، وخاتمةً حسنةً عند وفاتها، ونورًا وافيًا في برزخها، ونظرًا إلى وجهك الكريم في جوارك، وفرِّق بين من فرَّق بيني وبين أمي وبين رحمتك؛ إنك أنت العزيز الرحيم.

يا أخواتي؛ لم أضرب لكنَّ المثل بامرأةٍ من نساء السلف، بل بامرأةٍ قريبة العهد بكنَّ؛ فاستعنَّ الله.

أيها المحزونون بإعراض الناس عنكم

أيها المحزونون بإعراض الناس عنكم إذ تُمَسِّكون بالإسلام؛ هلمُّوا إلى هذه:

“فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَآ إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ”.

أربعٌ أمر الله العليم الخبير -علا وتعالى- نبيه البشر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بقولها؛ إذا انصرف عن شِرعته المنصرفون، وأعرض عن منهاجه المعرضون، لا أنْجَعَ منها دواءً؛ جلَّت كلمات الله.

ما علاقة الحسبلة والتهليل والتوكل والعرش؛ بالتولي والإعراض؟! أستعين الله مولاي على الجواب.

“حَسْبِيَ اللَّهُ”؛ إن توليتم عني فإن الله هو كافيَّ وحدَه؛ يكفيني بصفاته وأقواله وأفعاله، في نفسي وفي دعوتي وفيمن آمن بي؛ يصدِّقني فلا يضرني تكذيب المكذبين، وينصرني فلا يحزنني خذلان الخاذلين، “حَسْبِيَ اللَّهُ”؛ كفى بربي وليًّا وكفى بربي نصيرًا، “حَسْبِيَ اللَّهُ”؛ من وجد الله فماذا فقد؟!

“لَآ إِلَهَ إِلَّا هُوَ”؛ إن توليتم عني فكفرتم بالله؛ فإن الله “لَآ إِلَهَ إِلَّا هُوَ” في نفسه، و”لَآ إِلَهَ إِلَّا هُوَ” في خلقه، و”لَآ إِلَهَ إِلَّا هُوَ” في أمره، و”لَآ إِلَهَ إِلَّا هُوَ” في المؤمنين به كافةً، و”لَآ إِلَهَ إِلَّا هُوَ” في معتقدي.

“عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ”؛ إني لم أكن معتمدًا عليكم في شيءٍ من أمري قطُّ، بل كان على الله اعتمادي، وإليه تفويضي، وبه ثقتي، وفيه يقيني، ومنه طمأنينتي، “عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ”؛ ما كنت قبل توليكم عني مُعَوِّلًا على حولكم وقوتكم؛ فأنَّى أعبأ بكم اليوم أو أبالي؟! “عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ”؛ في البدء والمنتهى؛ كفى بالله وكيلًا.

“وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ”؛ إن توليتم عني أيها الفُقراء الحُقراء؛ فإن معي رب العرش، ومن أنتم إذا ذُكر العرش؟! إذا كنتم لا تساوون في خلق السماوات والأرض شيئًا، “لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ”، ولم تكن السماوات والأرض في جنب الكرسي إلا كحلقةٍ في فلاةٍ، “وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ”، ولم يكن الكرسي في جنب العرش إلا كحلقة في فلاةٍ؛ فمن أنتم في جنب العرش؟!

“وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ”؛ إن توليتم عني أيها السافلون في حضيض الأرض ودنايا الدنيا؛ فإن معي رب العرش، وإن العرش قبة العالم، وسقف الخلائق، فكلهم تحته مقهورون، حتى إن الشمس -على عِظم خلقها وعُلوِّ موضعها- لتستقر تحته وتسجد، عن أبي ذرٍّ -رضي الله عنه- قال: سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن قوله تعالى: “وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا”، قال: “مستقرها تحت العرش”، والفردوس الأعلى -الذي هو سماء الجنة- سقفه العرش؛ كيف عُلوُّ من على العرش استوى؟!

“وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ”؛ إن توليتم عني فكنتم بذلك من المتأخرين؛ فإن معي رب العرش، وإن العرش أول المخلوقات، فلا يضرني مع أوليته تأخركم؛ كيف بأولية رب العرش نفسه في أمري؟!

“وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ”؛ إن توليتم عني أيها الخِفاف الفارغون؛ فإن معي رب العرش، وإن العرش أثقل المخلوقات، خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من عند زوجه جويرية -رضي الله عنها- بكرةً حين صلى الصبح، وهي في مسجدها، ثم رجع بعد أن أضحى، فقال: “ما زلتِ على الحال التي فارقتكِ عليها؟”، قالت: نعم، قال: “لقد قلت بعدكِ أربع كلماتٍ، ثلاث مراتٍ، لو وُزنت بما قلتِ منذ اليوم لوزنتهن؛ سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزِنة عرشه، ومداد كلماته”، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “فهذا يبين أن زنة العرش أثقل الأوزان”؛ فبأي شيءٍ بعد العرش تُثقلون؟!

“وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ”؛ إن توليتم عني فلم تؤمنوا بي؛ فإن معي رب العرش، وإن العرش تحمله الملائكة وتحفُّه مِن حوله، ولا أعظم من الملائكة في المؤمنين خلقًا وإيمانًا، “الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا”؛ وأما خلقهم ففيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أُذِن لي أن أحدث عن ملكٍ من ملائكة الله من حملة العرش، إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عامٍ”؛ فكيف بهم جميعًا؟! أم كيف بربي الأعظم بارئ العرش وملائكته؟!

“وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ”؛ إن توليتم عني فكان توليكم زوالًا؛ فإن معي رب العرش، وإن العرش لا يزول، قال شيخ الإسلام رحمه الله: “وأما العرش؛ فلم يكن داخلًا فيما خلقه الله في الأيام الستة، ولا يشقُّه، ولا يفطره، بل الأحاديث المشهورة دلَّت على ما دلَّ عليه القرآن من بقاء العرش”، وإذا كان العرش المخلوق لا يزول بمشيئة الله؛ فأنَّى تزول معية الله؟! لا يضرني توليكم شيئًا ما بقي الله.

هل أدلُّكم على أخوين فاضلين،

هل أدلُّكم على أخوين فاضلين، ينفع الله بتسديد يمينَيهما فئامًا عظيمًا من المسلمين؟

ولدا فريد؛ أخي المهندس خالد فريد سلَّام، وأخي المهندس أحمد فريد مولانا؛ غفر المنَّان لهما وثبتهما.

أجل أحبتي؛ من صدَق أخًا في محبته لله؛ فليرج الرحمن له هاتين؛ المغفرة والثبات.

اعرفوا من أخويَّ العزيزين بالله، وأنكروا، لكنهما -أحسبهما، والله حسيبهما- من ذوي “الهمِّ الشريف”.

“وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ”؛ لو تواصى الصاحبان بهما لكان خيرًا لهما.

لستُ الغِرَّ الذي لا يتصور خلاف الأحبة، لكني العبد الذي أرجو ألا يستحيل الخلاف فراقًا؛ اللهمَّ اللهمَّ.

أخذ موسى برأس هارون يجره إليه؛ ثم أقبل بدعاء الله “رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي” عليه.

“إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلُّون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم”؛ قاله رسول الله.

“تُهْ أحتملْ وَاستطِلْ أَصبرْ وعُزَّ أَهُنْ ** وَوَلِّ أُقبلْ وقلْ أَسمعْ ومُرْ أُطِعِ”؛ بلَّغنا الله.

“بعضُ المعاركِ في خسرانها شرفٌ ** منْ عادَ منتصرًا منْ مثلها انهزما”؛ رفع الله من خفض جناحه.

“فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ”؛ لم يُعيِّن له أجرًا، أجره على الله، كفى بالله مُثِيبًا.

يا سَكَبَة البنزين ودخان سماء الأمة مبينٌ؛ براءةٌ إلى الدين مما تعملون، وتحيَّاتُ الله السادةَ المصلحين.

ربَّنا الذي تعلم ما صرنا إليه من حالٍ مُرَّةٍ؛ أصلحنا، وأصلح ذات بيننا، وأصلح بنا.

“وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ”، “وَالصُّلْحُ خَيْرٌ”، “فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ”، “فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا”؛ بصائر الودود.

“من أصلح بين اثنين؛ أعطاه الله بكل كلمةٍ عتق رقبةٍ”؛ سيدنا أنسٌ رضي الله عنه.

اقتتل أهل قباء حتى تراموا بالحجارة، فأُخبر نبيُّ الله، فقال: “اذهبوا بنا نصلح بينهم”؛ ويح من تخلَّف.

“وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ”؛ هلُّموا إليها.

بالتعليقات حروفٌ تحضُّ على تآلف المتنازعين، لئن أصلح الله بها بين عبدين اثنين؛ فلا أرضَى مني.

“إذا ما الجُرحُ رُمَّ على فسادٍ ** تبيَّنَ فيهِ تفريطُ الطبيبِ”؛ ظفر مُطَبِّبون لا يُخَبِّبون.

“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”. لدغتْ

“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.

لدغتْ أفئدتَهم وحشةُ البعد عن سيدهم؛ فآبوا إلى بابه سراعًا، وهل يطيق المحبون؟!

“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.

كآحاد الأنام قارفوا الآثام، وقد يعمَدون إليها؛ لكنْ أنَّى يصرُّون عليها؟! هم الراغبون.

“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.

مولاهم ربهم؛ علموا ألا ملجأ من صفات جلاله إلا إلى صفات جماله؛ فآوَوا إلى كهفه.

“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.

قد تُجعل عقوبتهم في الطاعات والمعاصي؛ لكنَّ عادة المنَّان هُداهم، “وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ”.

“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.

علموا أن ربهم يفرح بهم إذا تابوا؛ فقالوا: نتعجَّل فرح الله، لئن أغضبنا ربنا لنُفرِحَنَّه.

“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.

عصيانهم جهالةٌ، لا مُحَادَّةٌ ولا ضلالةٌ، غيرَ أجرياء على الله، يتملَّقون -حِثَاثًا- رضاه.

“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.

أقلعوا وندموا، وعلى الإصلاح عزموا، وأدَّوا الحقوق تامَّاتٍ؛ فبُدِّلت سيئاتُهم حسناتٍ.

“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.

أسرعَ بتوبتهم تعريفُ الله وتخويفُه؛ عرَّفهم ثواب المبادرة، وخوَّفهم عقاب التسويف.

“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.

قالوا: حسبُ الإسلام جراحاتُ أعدائه، لا يُؤتى من قِبَلنا، لنتوبنَّ قريبًا ابتغاءَ عافيته.

“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.

ذكروا مسارعة نفوسهم إلى زائلات المَعاش؛ فاستحيَوا من إبطائها عن خالدات المَعاد.

“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.

لما جهلوا موعد غرغرة الأرواح؛ سابقوا إلى الله بتطبيب الجراح، ومن لها إلا الله؟!

“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.

كيف يسارع الله لهم في الخيرات غنيًّا عنهم؛ ولا يسارعون إليه بالإياب فقراءَ إليه؟!

“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.

يغتنمون شبابًا قبل هِرمٍ، وصحةً قبل سَقمٍ، وغنىً قبل فقرٍ، وفراغًا قبل شغلٍ؛ فنِعِمَّا.

“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.

لما ثقُلت أقدامهم عن الله بالمعصية؛ خفُّوا إليه عجِلين بالتوبة؛ لتمحو صورةٌ صورةً.

“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.

إذا قال التلكُّؤ عن القُرُبات: تالله ما غنمنا؛ قال الهَرَع بالتوبة: ما شهدنا إلا بما علمنا.

“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.

“فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ”؛ العظيمو الحبِّ الصادقو القربِ؛ مَن يغيثهم التواب بالتوبة.

“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.

“وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا”؛ عليمًا بالتائبين وأحوالهم، حكيمًا أين يجعل توبته في عباده.

“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.

“ما للعباد عليه حقٌّ واجبٌ”؛ لكنه جعله كذلك؛ حنانًا من لدنه وزكاةً، وهو البر الكريم.

“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.

لبيك اللهم رُجْعَى؛ أفمن هرول إلى الرحمن بها؛ كمن أبطأ خَطْوَ أسبابها؟! لا يستوون.

هل يحس أحدكم في أخواته

هل يحس أحدكم في أخواته البنات ما أحس؟!

أحس في حضرتهما بالفَخار، أحس شيئًا جليلًا، أحسُّني عظيمًا.

سواءٌ في هذا الكبرى والصغرى؛ إي وإلهي.

اللهم من حجب عن عينيَّ ضيائيهما؛ فاملأ جَدَثَه عليه ظلماتٍ.

إني لأُحب أختيَّ حبًّا شديدًا، كلتاهما لي والدةٌ.

أرضاكِ الله يا أمي، وبورك ما ورَّثتِ أختيَّ من نعوت الجمال.

يا خليلتيَّ؛ رحمة الرحمن وبركاته عليكما أبدًا.

يا كل ودودٍ قسَم الله لي بقلبه من الحب نصيبًا؛ برَّ أختك عني.

يا صديقتيَّ؛ أنتما أولى مني بحياتي كلها والله.

آهِ لو كان العمر يُوهب؛ لوهبتكما عمري، ثم لا أجد ذلك شيئًا.

ما يضرنا الفراق هنا؛ إذا جمع الله بيننا هناك؟

ليت لي من صِدِّيقية المرحمة التي ملأ ربي بها قلبيكما؛ حظًّا.

أدهشكما الغفور بمغفرةٍ لا تبقي حُوبًا ولا تذر.

أخشى أن يقال لي غدًا: حين كنت تقول؛ كانت أختاك تعملان.

يا ابنتيَّ؛ لكما من أُبوَّتي ما لي من أُمومتيكما.

بسم الله أرقينا وأمثالنا؛ يصلح ربنا بالصدق بالنا وحالنا ومآلنا.

قال: أراك تحذِّرني مطالعة الشبهات

قال: أراك تحذِّرني مطالعة الشبهات يا أبت؛ أولسنا على الحق المبين؟!

قال: بلى يا بني؛ دينك الحق وحده لا شريك له بين أديان الأرض الباطلة جميعًا، وما حذَّرتك مطالعة الشبهات مخافة قوتها، بل مخافة ضعفك؛ ما حظك -يا ولدي- من هذا الدين علمًا وعملًا؟ ما نصيب قلبك من الطمأنينة به واليقين فيه؟ ما قسْم عقلك من الثقة به والتمكن فيه؟ ملأني الله وإياك بالإسلام.

قال: قد وعيت هذا -يا أبت- رضي الله عنك؛ فهل لشيءٍ سواه تحذِّرني؟

قال: أجل يا ولدي؛ لن يختار العبد الذنب والعقوبة جميعًا، له اختيار الذنب ولله اختيار العقوبة، يختار العبد في الذنب خمسًا؛ نوعه، وقدْره، وزمانه، ومكانه، وأسبابه، ويختار الله في العقوبة خمسًا، نوعها، وقدْرها، وزمانها، ومكانها، وأسبابها، وكم من عبدٍ جعل الرحمن عقوبته في دينه! يحول بينه وبين قلبه، فتُعسَّر عليه الطاعة، أو تُيسَّر له المعصية، أو تتمكن منه الشهوة، أو تدخل عليه الشبهة، وتلك -وربِّ أبيك وربِّك- العقوبة لا عقوبة مثلها، ولذلك أحذِّرك -ونفسي- مطالعة الشبهات؛ ثبتنا الله.

إلا عبدًا يدفعها عن الناس، وهو جادٌّ في أسباب النجاة الباطنة والظاهرة.

قال: يرحمك الله يا أبت؛

قال: يرحمك الله يا أبت؛ هل التمكين غايةٌ أم وسيلةٌ؟ أعني العمل لإقامة دولة الإسلام.

قال: ورحمك ورحم بك يا بني؛ التمكين غايةٌ لما قبله، ووسيلةٌ إلى ما بعده، ألم تر إلى ربك كيف قال: “الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ”؟ فجعله وسيلةً لإقامة الإسلام بأقصى درجةٍ في أعمِّ مساحةٍ، وما كان كذلك فهو غايةٌ لما قبله؛ فتبصَّر.

يا بني؛ قد ضل في هذه المسألة -من أهل الحق- طائفتان؛ طائفةٌ جعلت قصدها وأقوالها وأعمالها في سبيل ذلك وحده؛ حتى فرَّطت في عقائدَ وشرائعَ ومعاملاتٍ تفريطًا شنيعًا، وإنما جُعل التمكين لإقامة الدين؛ فكيف يُتوصَّل إليه بما يُحادُّه ويُشاقُّه؟! وطائفةٌ عصف بنفوسها متواتر الهزائم؛ حتى انفسخ في قلوبها ماضي العزائم، فباتوا لمعنى التمكين الدعوي الجهادي السياسي منكرين، ويقرِّرون في ذلك تقريرات العلمانيين نفسَها في تبعيض الإسلام وتعضية عقائده وشرائعه، غير أن هؤلاء أشد جنايةً على الإسلام وأهله؛ لما يُعرفون به في الناس من الانتساب إلى الحق، يا بني؛ القصدَ القصدَ تسلم.

حقيقةً لا مجازًا؛ تقيم الدولة

حقيقةً لا مجازًا؛ تقيم الدولة الحديثة نفسها مقام الإله الأعلى تبارك وتقدَّس، وتنازعه -علا وتعالى- في ربوبيته، وفي أسمائه وصفاته، وفي ألوهيته، ويخلع عليها المؤمنون بها ما لله الواحد الأحد في ذلك بحسب ما عندهم من الإيمان بها، وهم في إيمانهم بها متفاوتون تفاوت المؤمنين بالله -سبحانه وبحمده- في إيمانهم؛ فمنهم الذين يعبدونها بأقوالهم دون قلوبهم وأعمالهم، ومنهم الذين يعبدونها بقلوبهم وأقوالهم وأعمالهم إلى مقامات المحسنين مع الله الحق، وبين الطائفتين ما بينهما من أنواع العابدين ودركاتهم.

لكَم رأينا من يدعو الناس للإيمان بها رغبًا ورهبًا، ويحملهم على الجهاد في سبيلها حتى الشهادة، ويرى لها حق الهيمنة على البواطن والظواهر، وحق المجازاة على ذلك؛ نعوذ بالله من هذا الكفر المركَّب.

لقد بات واجبًا على من يكتب في عقائد الإسلام ويعلِّم الناس التوحيد؛ أن يعرِّف بهذه الأصنام الحديثة، وأن يحذِّر الناس عبادتها، مُبَيِّنًا معنى العبادة الواسع الحق الذي يغرق فيه كثيرٌ منهم لغير الله وهم لا يشعرون، لعل المنشور بأول تعليقٍ يبسط المراد مزيدًا؛ اللهم ربنا توفَّنا على توحيدك لا شريك لك.

أول وسيلةٍ عُصِي الله بها

أول وسيلةٍ عُصِي الله بها في العالمين؛ “تحريف التعاريف”.

“فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَآ آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ”.

أعاد إبليس تعريف المعصية، ووضع لها عنوانًا مغايرًا، فلم يقل: يا آدم؛ اعص ربك بالأكل من الشجرة التي نهاك عنها، بل قال ما قال، ثم تتابع بنوه من شياطين الجن والإنس على تلك الوسيلة في إغواء الخلق وإضلالهم حتى الساعة؛ الكفر فلسفةٌ، والزندقة وجهة نظرٍ، والشرك تعدديةٌ، وجعل الحاكمية والحكم والتحاكم إلى طائفةٍ من البشر ديموقراطيةٌ، وعقيدة الولاء والبراء إقصاءٌ، والردة عن الإسلام حرية اعتقادٍ، واحتلال بلاد المسلمين عولمةٌ، ومقاومته خروجٌ عن الشرعية الدولية، ومساواة الإسلام بالكفر مواطنةٌ، وإنكار المعلوم من الدين بالضرورة تنويرٌ، والاستمساك بالإسلام رجعيةٌ، والجهاد عنفٌ، والمفاصلة دوغمائيةٌ، وخيانة الله ورسوله مشاركةٌ سياسيةٌ، والزنا ممارسةٌ للحب، واللواط مثليةٌ، والربا فائدةٌ، والخمر شرابٌ روحيٌّ، والتعرِّي موضةٌ، والفسق المركَّب فنٌّ، والعمليات الاستشهادية عملياتٌ انتحاريةٌ، وتبديل الشرائع تجديدٌ للخطاب الديني، والكافر المحارب الآخر، والثورة فوضى، والخنوع حكمةٌ، والخزي سلامٌ، والخضوع للباطل فقه الواقع، وتجاوز الثوابت حداثةٌ، وتداعي الأمم الكافرة على الإسلام تحالفاتٌ دوليةٌ، وجندي الطاغوت العسكري الغلبان، ودواليك.

كل ذلك وما لا يُحصى عدُّه البتة؛ من شواهد “تحريف التعاريف”، وفي الحديث قول نبينا صلى الله عليه وسلم: “ليشربن أناسٌ من أمتي الخمر، يسمونها بغير اسمها”، بل قرن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين استحلال الخمر وبين تسميتها بغير اسمها، فقال: “إن أول ما يُكفأ كما يُكفأ الإناء” يعني الخمر، قيل: يا رسول الله؛ كيف وقد بيَّن الله فيها ما بيَّن؟! قال: “يسمونها بغير اسمها، فيستحلونها”؛ فكان تحريف تعريف الخمر هو المطية إلى استحلالها، واستحلال الحرام كفرٌ، والكفر غاية الشيطان.

أطول آيةٍ في كتاب الله

أطول آيةٍ في كتاب الله ليست في العقائد، ولا في النُّسك؛ أطول آيةٍ في كتاب الله في المعاملات.

لست بالذي يتصور الفصل بين العقيدة والنُّسك والمعاملة، وقد مزج الله بين الثلاثة -في القرآن كله- مزجًا عجبًا، لو اجتمعت الإنس والجن على أن يفكِّكوه لا يستطيعون ولو كان بعضهم لبعضٍ ظهيرًا.

قال الله تعالى: “فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّىٰ * وَلَٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ * ثُمَّ ذَهَبَ إِلَىٰ أَهْلِهِ يَتَمَطَّىٰ”، فجعل الذي فرَّط في نُسك الصلاة هو من لم يصدق بالله ورسوله أصلًا، وهو الذي يتبختر في معاملة الناس فرعًا.

لا فصل بين العقيدة والنُّسك والمعاملة في الإسلام، إنما يعتقد الفصل بين الثلاثة مرجئٌ دميمٌ وعالمانيٌّ ذميمٌ، من حسُنت عقيدته حسُن نُسكه، ومن حسُن نُسكه حسُنت معاملته، ومن ساءت معاملته ساء نُسكه، ومن ساء نُسكه ساءت عقيدته، يسوق الباطنُ الظاهرَ سوقًا لازمًا، ويفعل الظاهر في الباطن فعله، لكن الله جعل -على ذلك- أطول آيات كتابه في المعاملة؛ فإن المعاملة أطول أبواب اشتغال العباد في الدنيا، وآثارها فيما بينهم أطول الآثار، حتى تستطيل إلى موضع “القنطرة” قبل الجنة وبعد الصراط يوم القيامة، والقنطرة محلُّ القصاص بين المؤمنين يُنقَّون فيها من مظالم معاملاتهم بعدما جُوزوا بعقائدهم ونُسكهم في عرصات القيامة وفي الصراط، أما أثار المعاملة بين المؤمنين في نُسكهم وعقائدهم فأطول من أن يُختصر بيانه هنا؛ لذلك كله -وغيره- كانت أطول آيات القرآن في المعاملة.