“المُلك عقيمٌ”؛ كذلك قال الناس

“المُلك عقيمٌ”؛ كذلك قال الناس قبلنا فكأن لم يقولوا.

لو كان تحذير الإسلاميين المُقَلَّمَة عقائدُهم من انقلاب عدوهم عليهم -بعد تبليغهم صورة الحكم اضطرارًا- في آيةٍ من كتاب ربهم تتلى عليهم قبل الانقلاب؛ ما قرءوها، ولو قرءوها ما نفعتهم شيئًا؛ لأن آيات الله -جلَّ ثناؤه- وأحاديث رسوله -صلى الله عليه وسلم- كالمسامير قوتها شتَّى؛ لكنها لا تُدَقُّ إلا في جُدُرٍ حديديةٍ صُلبةٍ، فإذا دُقَّت فيها ثبَتت بإذن ربها، هنالك يعلِّق أصحابها عليها ما يشاءون.

سمعت مرةً شيخنا الوليَّ الحكيم رفاعي سرور -رفعه الله درجاتٍ، وسرَّه يوم الحسرات- يقول: “سُلَّم التنازلات كالسُّلَّم الكهربائي؛ ما على النازل عليه إلا أن يضع قدمه على أول درجةٍ منه”. نعوذ بالله من مبادي الخزي والخذلان جميعًا.

أيكم يصدق أن هذا الغنوشي المخسوف بدينه ونفسه وعقله جميعًا؛ كان يومًا من الأيام -فيما رأيناه- أحد الصادعين بالحق لا يخافون في الله لومة لائمٍ! فانظروا ما صار إليه في أعداء الله والحق والعدل والحرية شيئًا فشيئًا، ثم انظروا هل رضوا عنه بعد ذلك! ثم سبِّحوا الله ربكم أحكمَ الحاكمين وخيرَ الفاصلين.

لم تكن الآية من سورة البقرة لتقول: ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تكفر بدينك؛ بل ما كانت لتكون إلا كما قالها الله: “وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ”؛ فإن المنهزم من المسلمين قد يخرج من دينه جملةً ويدخل في دين عدوه جملةً؛ لكنَّ عدوه لا يرضى عنه حتى يكون متبعًا له في ملته كلها، لا يدَع شيئًا فيها إلا آمن به باطنًا واتبعه ظاهرًا، فإن فعل ذلك رضي عنه، ثم إذا نازع بعضهم بعضًا في الحُكم جرَت عليهم سُننه بما شاء الله.

“فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ”؛ سبحان منزِلِها وتعالى! لم يزل هذان السببان هما الحائلَين بين المفرِّطين في الحكم بما أنزل الله وبينه تاريخًا وجغرافيا، مِن الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تخالط بشاشتُه قلوبَهم، “وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا”.

خشية الناس من دون الله؛ وبها يكون لَبْسُ الحق بالباطل أولَ مراحل الفتنة، ثم كتمان الحق في مرحلةٍ ثانيةٍ، ثم إيثار الباطل على الحق في مرحلةٍ ثالثةٍ، ثم محاربة الحق وأهله بكل وسيلةٍ آخرَ مراحل الطريق. هذا السبب الأول، والسبب الثاني: بيع الدين بالثمن القليل من الدنيا؛ كطلب رضا المستكبرين في الأرض، والتقرب إليهم بترك ما يحبون وفعل ما يحبون، وابتغاء الإذن منهم بصورة التمكين الهشَّة الرخيصة، والطمع في فارغ الحُكم وحقير المال وسافل الجاه.

الآن حسب أكثركم أن السياسة الحقة في الإسلام الحق ضيقةٌ مغلقةٌ لا تعرف إلا شدَّ وأخواتها؛ فإنها -والله- ليست كذلك؛ بل علَّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصحابه -إذ يسوسهم ويسوس بهم- الإعلان والإسرار، والتقديم والتأخير، والصلح والحرب، والمفاوضة والإباء، يرعى أطباق القوة والضعف التي يُرْكِب الله فيها عباده طبقًا عن طبقٍ حق رعايتها، يشهد الله لحكمته والعالَمون.

قال قائلٌ منكم: فما سياسات الإسلاميين إلا كذلك؛ إعلانٌ وإسرارٌ، وتقديمٌ وتأخيرٌ، وصلحٌ وحربٌ، ومفاوضةٌ وإباءٌ. فأي فرقٍ بين الأمس واليوم! وفيم الطعن عليهم وهم يحاولون! قلت: الفرق واحدٌ لا شريك له؛ رسوخ الغاية من السياسة كلها: تعبيد الناس لله، والتمييز العملي على أساسه بين المحتمِل وغير المحتمِل من تصرفاتها؛ وفي ذلك يقول الله محْكِمًا أمره: “الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ”؛ جعل الله التمكين غايةً لما قبله من السياسة ووسيلةً لما بعده من العبادة.

مَن فقِه هذا لم يُصرف قلبه بشيءٍ من زخرف الحُكم وبريقه، مشغولًا كيف توحيدُه كلَّ خطوةٍ من طريقه. ألا قاتل الله أمراض الزمان البئيسة؛ السيولة والتفكيك والبعثرة في العقائد والشرائع والأخلاق، وتصدَّق اللهم علينا بالهدى والاستمساك في تُروكنا وأفعالنا، تُرينا ما بقينا الحق حقًّا وترزقنا اتباعه، والباطل باطلًا وترزقنا اجتنابه، والطف بمساكينك الموحدين في تونس المُسْتَرَقَّة؛ عصمةً لهم من موارد الفتن، وتسديدًا بالحق وتأييدًا، وبصِّرهم بمكر عدوك ما ظهر منه وما بطن، وأمكِنهم منهم غافرًا لهم تائبًا عليهم؛ لا إله إلا أنت العزيز الرحيم.

بأول تعليقٍ منشورٌ قديمٌ مطوَّلٌ لمن شاء منكم زيادةً؛ تجاوز الله عني وهداني.

#في_حياة_بيوت_المسلمين. كافٍ بلوغك الحُلُمَ وبلوغها

#في_حياة_بيوت_المسلمين.

كافٍ بلوغك الحُلُمَ وبلوغها المحيضَ للإنجاب فيسيولوجيًّا؛ ما كتب قلم الرب في أمِّ الكتاب لكما طفلًا؛ غيرُ كافٍ بلوغكما وبلوغ آبائكما للزواج نفسه في سائر مقاصده الربانية والإنسانية.

كما تزوج جدُّك فأتى بأبيك وأبوك فأتى بك؛ لك الزواج لتأتي بولدك، ابسط يا اسطى.. الآن زدت إسناد آبائك رجلًا كان ينقصه، وكثَّرت العالم القليل عددًا؛ لكن ليس لك أن تتمنى من زواجك على ربك الأماني إذا أمسيت عن فقهه واحدًا من السادة المستهبلين.

مفاخرًا يحلف والده بالله وبغير الله: ما فرَّطت في عون ولدي على زواجه بأموالي من شيءٍ، وزاهيةً تتباهى والدتها بما جهَّزت به ابنتها من جليل البُسُط وجزيل الفُرُش وجميل الثياب؛ ألهاهما التكاثر.

عما تُحفظ به البيوت من زلازل العيوب والآفات وتُوطَّد به من رواسي المحاسن والمكرمات؛ لا تسَل هذين الوالدين التائهَين وما ورَّثاه الأبناء في رحلة ضلال التربية البعيد؛ فإنه لن يفيض عنهما إلا ما تمكن منهما، وما تمكن منهما إلا حقائق الجهل والظلم في صور الحب والإحسان.

إنه ليس “أرحامٌ تدفع وأرضٌ تبلع”؛ إن النكاح اتصال بعض إنسانٍ بسائره -تأبيدًا لا تأميدًا- بالقلب والجسد؛ قضاءً لحاجاتهما، وفُروغًا بالتعاون لسائر مصالح المعاش والمعاد.

لو كان منتهى الأمر خِطبةً غاية همِّكما فيها تجويد الصور وبهرجتها.. لو كان، لو كان منتهاه عقدَ نكاحٍ يُرائي فيه كلٌّ صاحبه بمعسول الوداد وملذوذ الوصال.. لو كان، لو كان ذلك كذلك؛ لهان أمر الزواج هونًا يعصم وقتي عن إهلاكه بكتابة هذي الكلمات.

كم دعوت الله لمن أبطأ إنجابهما أن تقرَّ أعينهما بذريةٍ طيبةٍ! شطْر قلبي كئيبٌ يرجو لهما شطْر زينة الحياة الدنيا يَسعدان بها، وشطْره مسرورٌ يحاذر عليهما شطْر حساب الآخرة يُسألان في هذه الزينة.

ليس العجب من شيوع الطلاق وسرعته؛ بل العجب من بقاء من بقي من المتزوجين أزواجًا؛ لكن يُذهب شدة العجب وغُلَواءه أن طائفةً من هذه البقية متطلقون حُكمًا؛ ما هو أصل “الفاس وقعت في الراس”.

هذه أحرفٌ لا ترعبكما من النكاح.. قال يعني هتترعبوا أوي، عوَّذتكما بالله أن تكونا ممن يقرؤون الكَلِم فيتَّبعون أسوأه؛ لكنها تُذكركما -بنورٍ من الله وتوفيقٍ- أن صحة الأجساد لا تكفي لصحة الزواج.

عقاقير الواهنة فحولتهم -حقيقةً أو وهمًا- تملأ الدكاكين حبوبًا تُبشر الفئران بالأسَدية، وخلف أبواب مراكز التجميل ساحرات الواهنة عقولهن تقلب الساخطة منهن على جسدها -بنَفْث العُقَد- راضيةً مرضيةً.

أما الذي لا يُبلع كبسولًا من أفواهٍ ولا يُؤخذ محقونًا في عروقٍ؛ فمثلَّث فقه الزواج: فقه الذكر بذكورته والأنثى بأنوثتها.. ما قبل زمن تأنُّث الرجال وترجُّل النساء الجميل، وفقه كلٍّ منهما بطبيعة صاحبه ومعاملته.. ما قبل خبْط عشواء حروب الاستنزاف الزوجية الباردة، وفقه العيشة الراضية.. ما قبل أخفُّ الضررين استمرار الزواج على أي حالٍ؛ مثلَّثٌ هو سلعة الإسلام الغالية.. من الله ورسوله صِرفًا.. وعدًا للجادِّين مأتيًّا.

بقي بيني وبين والدتي وإخوتي

بقي بيني وبين والدتي وإخوتي وسائر أهلي وأرحامي؛ أن أفتح هذه الصفحة -كل دهرٍ- فأكتب فيها فتطمئن قلوبهم المصدوعة أني حيٌّ أُرزق، لا أستطيع أن أزيدهم على هذا شيئًا من وسائل التواصل التي يتواصل بها الناس؛ لتكون بواطنهم -إذا خلُص الطغاة إليهم- كظواهرهم لا يعلمون عني حقيقةً شيئًا.

حُبست في عشر سنين قبل الثورة عشر مراتٍ جريمتي “لا إله إلا الله” اعتقادًا لها ودعوةً إليها، أستغفرك اللهم من تفريطي في حقها الأعز الأقدس، ثم أُخرجت من بيتي منذ ست سنين عِلمُها عند ربي في كتابٍ لا يَضل ربي ولا ينسى، ولم يزل أهلي يتحولون من بيتٍ إلى بيتٍ فرارًا من بطش البُعداء البُغضاء، سُجن بين ذلك شقيقان لي صغيران جنايتهما أخوَّتي ثم نجاهما الله لا شريك له، وإن بوالدتي الذي استُشهد زوجها -أبي تقبله الله ورحمه- منذ أربعين سنةً -ولم تزل بعده تؤذى في سبيل الله- من الأسقام ما يخبُر الله وحده، وقد تجاوزتُ الأربعين من عمري متصدِّقًا علي ربي ببعض أمراض الشعب المكلوم التي باتت عاديةً؛ (سكرٌ وضغطٌ وجلطةٌ مخيةٌ وتكهفٌ في العصب البصري وروماتيزم وغيرها).

حسبي عِلمُ ربي المحيطُ أني لا أشكو من هذا -ولو ضُوعف أرجو الرحمن معافاته- شيئًا؛ بل بك اللهم أحلف -عائذًا بجلالك أن أكون من الكاذبين- أني لا أعدُّه شيئًا، وإن دينك الأكبر ليستحق البلاء الذي هو البلاء لا هذا الذي ليس شيئًا؛ إنما أذكره لأمرين: أولهما بيني وبين الله مولاي، والآخر بيني وبينكم أحبتي.

فأما الذي بيني وبين الله؛ فدعائي ساعةَ الإجابة هذه من يوم الجمعة الأعظم من أيام التشريق المَهيبة على طواغيت مصر بعامةٍ؛ مبتدئًا بخُنثاهم مختتِمًا بآخر عسكري غلبان! يناول معبوده قلمًا وورقةً فحسْب، وعلى ضباط حلوان والشروق وأمنائهم وعساكرهم ومخبِريهم؛ أن سلِّط اللهم -شديدَ التنكيل ذا الانتقام الحق- عليهم واحدًا واحدًا أمراضًا لا يعرفون لها أسماءً ولا يرجون منها شفاءً، ثم صُبَّ على قلوبهم من مقْت أنفسهم ما به يلعنونها كل لحظةٍ فما دونها تملؤها بين ذلك رعبًا، ثم حرِّق عليهم وعلى أهليهم بيوتهم، فإن أنت لم تفعل بعض ذلك محمودًا بحكمتك مقدمًا مؤخرًا؛ فأضرم عليهم قبورهم نارًا تستقبل أجسادهم فتشوي لحومهم وعظامهم شيًّا، ثم افتح عليهم في ظلماتها أبواب جهنم حتى تُسْكنهم يوم لقائك -خزايا مرعوبين- قعرها الأسود، غيرَ راحمٍ فيهم مَغارِز الإبر خالدين فيها؛ عذابُك العذاب لا يشفي صدورنا فيهم سواه ولك المجد.

وأما الذي بيني وبينكم فتشاورٌ ما أفعل؛ في إبقائي صفحتي مفتوحةً مغانم ومغارم؛ فأما المغانم فبلاغ بعض دين الله بطريقها، وأول الدين “لا إله إلا الله”، وأول “لا إله إلا الله” النفي، وحق النفي وحقيقته واحدةٌ هي الكفر بكل وثنٍ يُعبد في الأرض من دون الله، وإن أول أوثان الزمان الطواغيت وفيهم البراء والعداء معتقَدًا ودعوةً وحِسبةً وكذا؛ ألا من جعل براءكم وعداءكم فيما بينكم (يقاتل سلفيُّكم أشعريَّكم وأشعريُّكم سلفيَّكم)؛ فهو أحطُّ شرِّ دوابِّ الأرض جميعًا، ثم هو دجالٌ مهما سمَّى الله ورسوله على دَجَله، ثمَّتَ هو نذلٌ لئيمٌ يرى جراح الإسلام وفيرةً غائرةً فينكؤها مزيدًا لا يبالي، ولو كرُم عليه الدين المسكين كرامة نفسه الخبيثة عليه؛ لعطف عليه بمَباضعه يداويه، أو بسكوته لا يخذله ولا يخزيه.

هذا بعض النفي الذي في “لا إله”، وأما الإثبات الذي في “إلا الله”؛ فما سُلب من عبادات القلوب والألسنة والجوارح عن الأوثان منا ومن الناس؛ فالسعي في صرفه إلى الله الأحد -وحده- عبادةً وتعبيدًا، ثم المغنم الثاني: وصْل أهلي وإياكم بما أستطيع من الكتابة هنا والترويح بنسائمكم هذه بين عنت الدنيا وعنائها.

وأما المغارم؛ فواحدةٌ: استفزاز الصفحة أولئك الملاعين بصادع الحق فيها الذي أحاول على قدْري ولا عذر لي في تركه ما بقيتْ في جوفي أنفاسي، أجِرني اللهم أن أزيغ عن هذا طرفة عينٍ بما أستحق من عقابك، وما يجرُّ من تنقيبهم خلف أهلي ظنًّا منهم أن أحدهم يدلُّ علي أو يُوصِّل إلي؛ أشيروا علي أحرزكم الله.

سرًّا من أسرار قلبي أذيعه

سرًّا من أسرار قلبي أذيعه لكم؛ قد بتُّ أوثر الموت الجميل لكل من تشتد مودتي له فيعظم حذري عليه! كأنما أريد أن أخبِّئ هذا النوع من الناس في مغاراتٍ عند الله فهو يُحَصِّنهم فيها، هناك حيث لا يستطيع ذو سوءٍ بلاغَهم بسوءٍ، وأنَّى!

لعل أخا إيمانٍ يظن بي جزعًا من قدَرٍ أو يأسًا من فرَجٍ أو وهنًا في يقينٍ ولا حرج عليه؛ لكني بنعمة ربي على قلبي أتحدث -طاعةً لأمره في هذا- فأقول: ما توهمتُ نفسي ساعةً فما دونها في عِداد المبتلَين، كما أعتقد أن الله أولى بهؤلاء الذين أتعشق راحاتهم مني ومن أنفسهم ومن آبائهم وأمهاتهم والعالمين، كما أوقن بأن ما اختار الإله لمن اجتباهم فؤادي أصفياءَ له من كريم ابتلائه؛ خيرٌ لهم في عاجل الأمر وآجله وأبقى؛ لا أمتري في هذا طرفة عينٍ بعزة الله ورحمته.

الشأن أني كلما عاينت في أولئك الخاصة عجزي بنفسي عن دفع الأذى عنهم، وما أحدٌ -في عقيدة هواي وشريعته- أولى بهم في الإنس والجن مني؛ رجوت أن يخلُصوا بالموت الرؤوف إلى الرب الرحيم فيمنع أن يكون هذا فيهم تارةً أخرى.

“وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ”،

“وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ”، “لِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ”؛ ألَا ذاكرٌ منكم مكبرٌ!

الله أكبر الله أكبر؛ أَفَل كل ضياءٍ حاشا ضياءك اللهم فرجعنا نقول بقول الخليل أبينا عليه السلام: لا نحب الآفلين، ووجَّهنا وجوهنا لك بُرآء من الشرك والمشركين؛ الله أكبر.

الله أكبر الله أكبر؛ ضاقت -وحَياتِك- الأرض بما رَحُبت إلا من خيرٍ أودعته دينك معتصَمًا به وأولياءك محتمًى فيهم، وذَانِ البحبوحة الوافية؛ الله أكبر.

الله أكبر الله أكبر؛ إنباءُ ألسنة الموحدين عما قام بقلوبهم من كبرياء ربهم مستوليًا عليها؛ حتى لم يشهدوا سواه في الوجود كله أكبر؛ الله أكبر.

الله أكبر الله أكبر؛ ترُد كل ذي كبَرٍ زائفٍ إلى أصله متضعضعًا حقيرًا، لا يملأ عيونَ المكَبِّرين بعدها ذو سلطانٍ ما عاينوا سلطان ربهم كبيرًا؛ الله أكبر.

الله أكبر الله أكبر؛ أبهِجوا بها مُهجًا أوحشتها ذنوبها وعيوبها وكروبها، فإن ربها بالتكبير في كلٍّ وليُّها، يهزم التكبير جنودها مُوزَعَةً ويَفُلُّها؛ الله أكبر.

الله أكبر الله أكبر؛ أطربوا بها آذانًا أصَخَّتها صُخوب شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعضٍ زخرف الكفر والفسوق والعصيان غرورًا، فهي من بعد ذلك تائقةٌ إلى ترياق التكبير إبراءً لأسقامها وشفاءً؛ الله أكبر.

الله أكبر الله أكبر؛ اصدعوا بها جدران أبنية الجاهلية حالكةً طال بالزور ارتفاعها، وإنْ شموخُ حقائق التكبير في عقائدكم إلا مبتدأ زوالها؛ الله أكبر.

الله أكبر الله أكبر؛ طَئُوا بمعاقدها مواطئ تغيظ الكفار مرتدِّيهم قبل الأصليِّين؛ عسى الله أن يُنيلكم ببركاتها منهم نَيلًا فتصبحوا ظاهرين؛ الله أكبر.

الله أكبر الله أكبر؛ ما امتلأتم بها في نفوسكم؛ إلا أضحيتم عند ربكم هازمين وإن تخايلكم الناس مهزومين، لا يضركم خسران شيءٍ من هذه الدار أو من سكانها وأنتم الأعلون لا يُعلى عليكم؛ الله أكبر.

الله أكبر الله أكبر؛ تحيات صباح عباد الله المكْبِرينه المكَبِّرينه ومسائهم الزاكيات، من أداني الأرض وأقاصيها، إلى أعالي السماوات، فحظيرة القدس، فقوائم العرش، فسِدرة المنتهى، فحيث يُعجب الربَّ الإلهَ توحيدُ إكبارنا وتمجيدُ تكبيرنا؛ الله أكبر.

الله أكبر واحدًا أحدًا وِترًا؛ في ربوبيته، وفي أسمائه وصفاته، وفي ألوهيته، متفردًا بهن كلهن مستأثرًا، لا شريك له فيها من أحدٍ بشيءٍ؛ الله أكبر.

الله أكبر سيدًا صمدًا واسعًا حيًّا قيومًا؛ له صفات الكمال، وكمال الصفات، قائمًا بنفسه، قيَّامًا بغيره، متفردًا بالجمال والجلال في جميع نعوته أزلًا أبدًا، بتلك الطيبات في نفسه استحق الطيبات من خلقه؛ الله أكبر.

الله أكبر خالقًا خلاقًا بارئًا مصورًا بديعًا؛ للخلائق كلها؛ من أصغر ذرةٍ فما دونها إلى أكبر مجرَّةٍ فما فوقها، من مبدأ ذلك إلى أبده، ما عقل منه وما لم يعقل، ما ظهر منه وما بطن؛ الله أكبر.

الله أكبر سُبوحًا قدوسًا سلامًا متكبرًا طيبًا متعاليًا جميلًا؛ تنزه (اتصالًا) في ذاته وأسمائه وصفاته وأقواله وأفعاله وسُننه عن كل عيبٍ ونقصٍ وسوءٍ، وتنزه (انفصالًا) عن الصاحبة والولد وعن الشريك والعَضُد؛ الله أكبر.

الله أكبر سميعًا بصيرًا عليمًا خبيرًا لطيفًا رقيبًا محيطًا شهيدًا؛ بكل شيءٍ في كل شيءٍ، لا يعزب عنه من دقيق الأشياء وجليلها شيءٌ؛ الله أكبر.

الله أكبر عزيزًا أعزَّ قادرًا قديرًا مقتدرًا؛ على ما كان وما هو كائنٌ وما لم يكن، في الخلق وفي الأمر، في الأولى والآخرة، فيما شاء من شيءٍ قبلُ وبعدُ؛ الله أكبر.

الله أكبر رحمانًا رحيمًا رؤوفًا رفيقًا؛ لا أطيب منه في هذا كله ولا أوفى، لم يزل شاملًا بأعاجيبها بدائع الأقدار وروائع الشرائع وما بينهما من دقائق الأسرار، لم يُخْل شيئًا فيها من رأفةٍ تدفع الضر ورحمةٍ تجلب النفع؛ الله أكبر.

الله أكبر عليًّا أعلى؛ بذاته، وفي شأنه، وقاهرًا على الخلق أجمعين؛ الله أكبر.

الله أكبر عفوًا صفوحًا غفارًا غفورًا توابًا؛ باسطٌ يدَه بأعاظم تلك الصفات الليلَ والنهارَ لا يخاف عُقباها، ثم هو يُدهش أحبابه يوم التناد بأوسعها من لدنه وأرضاها؛ الله أكبر.

الله أكبر حليمًا صبورًا؛ لا تستخفه من عبيده موجبات الإغضاب، ولا يعاجل مستحق العقاب بالعقاب، مع تفرده بقدرة الإسراع بالحساب؛ الله أكبر.

الله أكبر قويًّا متينًا كبيرًا جليلًا عظيمًا؛ به عن كل ذي حظٍّ من هذه الصفات سريعِ الفقدان اكتفينا، وإلى حقها فيه وحقيقتها منه أسندنا ظهورنا فاستغنينا؛ الله أكبر.

الله أكبر وكيلًا كفيلًا؛ حَسبُنا في شدائد الدارين وبرزخٍ بينهما -وحده- ونعم الوكيل كفيلًا ونعم الكفيل وكيلًا؛ الله أكبر.

الله أكبر نورًا هاديًا مبينًا رشيدًا؛ ما فرَّط ربُّنا في شيءٍ من دلالتنا بهاديات الأقدار عليه، ولا قصَّر في شيءٍ من سَوقنا ببينات الوحيين إليه؛ الله أكبر.

الله أكبر غنيًّا واجدًا؛ كل غنيٍّ سواه مملقٌ، وكل واجدٍ عداه مفلسٌ، أصبحنا بفقراء العوالم قاطبةً كفارًا، نثني على ذي الغنى الحق -وحده- بما هو أهله، مباهين بعزيز الافتقار إليه على كل حالٍ لنا وحينٍ؛ الله أكبر.

الله أكبر وليًّا واليًا مولًى نصيرًا؛ عز من ولِي الله تدبيره وتولى شؤونه وانتصر، لا يَذل مُتولَّاه في الدنيا والآخرة ولا يُدحر، ومن يتركه ويخذله فلا مسعف له في الأرض ولا في السماء؛ الله أكبر.

الله أكبر حميدًا مجيدًا؛ لا محمود ولا حامد مثلُه، ولا عظيم ولا ممجَّد عِدْلُه؛ الله أكبر.

الله أكبر برًّا معطيًا محسنًا كريمًا ماجدًا أكرمَ جوادًا؛ ليس كمثله أحدٌ في العطاء، كرُم في ذاته -بانتفاء النقائص جميعها، واجتماع المحاسن كلها- فكرُم في خلقه وأمره، ليس أعجب من عطاءات ربوبيته لخلقه كله؛ إلا عطاءات ألوهيته لأنبيائه وأوليائه، إذا وعد وفَى وإذا قدَر عفى، يعطي المؤمن والكافر، والراضي والساخط، ويمنح بالأسباب وبدونها؛ الله أكبر.

الله أكبر حسيبًا مقيتًا حفيظًا؛ قدَّر كل شيءٍ تقديرًا فهو عنده بحُسبانٍ وإقاتةٍ وحفظٍ، حسابه وإقاتته وحفظه في الخلق وفي الأمر سواءٌ، قد أُحكِما إحكامًا فلا يؤوده شيءٌ منهما عنايةً ورعايةً؛ الله أكبر.

الله أكبر حقًّا حكمًا مقسطًا ديانًا؛ بحقه حكم، وبحكمه قسط، وبقسطه دان؛ الله أكبر.

الله أكبر ملكًا مليكًا مالكَ الملك؛ تعس الطواغيت المنازعونه صفاتِه وأفعالَه -لا ينازعونه إلا بما شاء- ومن يعبدونهم من المشركين، وسبحان من مُلكه بين ربوبيته وألوهيته فاجتمع له الحمد مع الملك؛ الله أكبر.

الله أكبر وهابًا فتاحًا؛ ما نوعُ وهْبٍ ولا فتْحٍ بشيءٍ على أحدٍ في العالمين إلا منه وحده، له الحول فيه والقوة، لولاه ما كان مددٌ؛ الله أكبر.

الله أكبر قهارًا جبارًا مهيمنًا؛ يبلغ ما أراد مما أراد باطنًا منه وظاهرًا، لا يمتنع منه شيءٌ في شيءٍ من أمره خاضعًا له قانتًا؛ الله أكبر.

الله أكبر حنَّانًا منَّانًا؛ يُقبِل على من أعرض عنه، ويبدأ بالنوال قبل السؤال؛ الله أكبر.

الله أكبر شاكرًا شكورًا؛ لا أحد أطيب وأسرع وأتم وأحفظ لعمل عاملٍ بمثقال ذرةٍ من خيرٍ منه، حتى إنه ليَرضى فإذا هَمٌّ أحدنا بالحسنة حسنةٌ عنده مكسوبةٌ، وحديثُ الأنفُس بالطاعة طاعةٌ لديه محسوبةٌ؛ الله أكبر.

الله أكبر أولًا آخرًا باطنًا ظاهرًا؛ ليس لأحدٍ ليست له هذه الإحاطة التامة أن يُعبد بشيءٍ من العبادة، فله الحمد أن عبَّدنا لذاته بأسمائه هذه وصفاته تعبيدًا؛ الله أكبر.

الله أكبر حييًّا ستيرًا؛ حَيِيَ فستر، مردُّ ستره إلى حيائه لا إلى استحقاق أهله، لولا ذلك لعاجل كل ذي سرفٍ في السوء بالهتك غيرَ ظالمٍ له؛ الله أكبر.

الله أكبر رازقًا رزاقًا؛ وسع رزقه السماوات والأرض وما فيهن، يضع الأرزاق مواضعها عليمًا بما يصلح البرايا ويفسدها خبيرًا، مستغنيًا عن أن يرزقوه هم بشيءٍ -تعالى أن يُبلغ- ولا يستطيعون؛ الله أكبر.

الله أكبر ودودًا قريبًا مجيبًا؛ لم يزل إلى عباده بأنواع فضله متعرفًا متحببًا، وإلى خاصتهم بخاص ألطافه مرغِّبًا متقربًا؛ الله أكبر.

الله أكبر طبيبًا شافيًا؛ لا أحد بعلل خلائقه كافةً أعلم وأخبر، ولا أقوى بسببٍٍ على كشفها وأقدر؛ الله أكبر.

الله أكبر قابضًا باسطًا مُسَعِّرًا مقدمًا مؤخرًا خافضًا رافعًا معزًّا مذلًّا مبدئًا معيدًا محييًا مميتًا؛ يفعل من ذلك ما شاء بما شاء لِمَا شاء متى شاء أين شاء كيف شاء، حكيمًا في فعله، حكمته: الحاكمية والحُكم والإحكام؛ الله أكبر.

الله أكبر مؤمنًا؛ شهد لنفسه بالوحدانية فهو الأكبر شهادةً، ويصدِّق أنبياءه وأولياءه في الدنيا والآخرة إذ يكذِّب غيرَهم، ويؤمِن من شاء له الأمان من خلقه مما شاء من المَخوفات والمحذورات؛ الله أكبر.

الله أكبر باقيًا وارثًا؛ لا خير منه بقاءً وإبقاءً، ولا أحسن منه وراثةً وخلفًا؛ الله أكبر.

الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلًا.

باسمك اللهم الأكبر الأكرم. أشهد

باسمك اللهم الأكبر الأكرم.

أشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

المحمودُ الله عزَّ جلالُه، والمصلَّى عليه محمدٌ وآلُه، سمِع سامعٌ بحمد الله وحُسن بلائه علينا، ربَّنا صاحِبنا وأفضِل علينا، عائذين بالله من النار، اللهم بك نصول وبك نجول؛ فيما نقصد ونفعل ونقول، اجعله لوجهك الأعلى خالصًا، ولثوابك الأحلى قانصًا، ولا تجعل فيه لأحدٍ سواك شيئًا، وما قدَرت لنا في الدنيا بقاءً فاقدُر لنا على الدين لقاءً؛ لا إله إلا أنت.

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

سلام الله عليكم الذي معناه أمانه، ورحمته التي خيرها غفرانه، وبركاته التي أطيبها رضوانه، وعلى أهليكم ومن أحببتم له تحياتِ الله في الدارين أجمعين.

سلام الله على ساداتنا المجاهدين في غرباتهم.. وفي عيد إبراهيم تثبيتٌ لأقدامهم في سبيله، وعلى موالينا الأسرى في كرباتهم.. وفي أضحى إسماعيل تهوينٌ لنفوسهم على شدائدها، وعلى الكرام المرضى في فُرشهم ومشافيهم، وعلى كل ذي فاقةٍ باطنةٍ أو ظاهرةٍ لا يجد لها قضاءً، وعلى طلاب العلم غيرِ أولي الدُّنو من الطواغيت والدناءة بهم، وعلى الدعاة إلى الله غيرِ أولى التَّعْضِيَة بين عقائد الدين وشرائعه، وعلى المهاجرين والمطارَدين أينما خبر الله مواقعهم، وعل كل مرابطٍ في ثغرٍ من ثغور الإسلام الجريح وداوِه اللهم بأيماننا.

سلام الله على الماجدة والدتي حيث يبلغ الله منها ما لا حيلة لي في بلاغه، وعلى أبي في جدثه محبورًا وإن يكن تقبله الإله شهيدًا فزيادةٌ من حبورٍ، وعلى أهل بيتي البررة كبيرهم وصغيرهم والطيبين أهليهم، وعلى أرحامي وجيراني وأصحابي وأخلائي ومشايخي ومعارفي كافةً لا أستثني منهم أحدًا.

سلام الله على من خلَفني في أمي وإخوتي بخير خلفٍ؛ حتى أصحَّ الله ببره حالي من بعد سقمٍ وبت في كنفه على الغيب مجبورًا، وما كنت لو أني بينهم لأستطيع شيئًا مما يفعل الرحمن بيمينه، وعلى بقيةٍ باقيةٍ في حياتي من رفاقي يعينوني بالصبر علي والإحسان إلي كثيرًا.

ذلك؛ ولا تُسلِّم اللهم ولا ترحم ولا تبارك على الطواغيت وجنودهم، وسحرتهم وكهانهم، ومن هان عليك فجعلته على دينك وأوليائك عونًا لا تبالي، وأعذنا أن تجعل مصيبتنا في ولائنا وبرائنا حتى نلقاك؛ بك الحِرز من موارد الحرمان والخذلان كلها وأنت الغفور الرحيم.

عامٌ وربع عامٍ نائيًا عنكم زمانٌ موحشٌ كئيبٌ وعلَّام غيوب القلوب؛ إلا من بقية الله مولاي في نفسي وما أولاني له الحمد وعليه الثناء؛ أنَّى أحتسب هذه القطعة الكثيفة من العمر شيئًا! وهل بقي في هجير الدنيا بعد توحيد الإله من نعيمٍ خلا معاشرة أهله في ظلاله!

رباه فعوِّض الفؤاد من أحبته فيما يستقبل من ودادهم ووصالهم أنسًا وفيرًا؛ أنت خير المؤنسين، وصِلني قريبًا غير بعيدٍ على الإيمان والعافية بمن غيبهم الطغاة عني؛ أنت أحنُّ الواصلين.

عاجزٌ إلى ما يشاء الله من وقتٍ -أحسبه يطول- عن فتح رسائل الأحبة المودودين وإجاباتها، رب اغفر لي وابسط لي قوةً على هذا؛ أنت أكرم الباسطين.

لا عدمت منزلًا أنزلنيه ربي بين موداتكم ومروءاتكم؛ به تغفرون تقصير أخيكم في جليل حقوقكم عليه ولكم عتيق المنة علي. إني أخوكم.