يا حبيبي؛ لا الأصل أنت

يا حبيبي؛ لا الأصل أنت ولا الميزان.

قبولُك مزاحَ أحبابك من أي نوعٍ بأي كيفٍ على كل حالٍ في كل حينٍ، مهما جنى هذا على صيانة حُرمة نفسك؛ لا يوجب احتمالهم منك ذلك لو كان؛ فلست الأصل الذي تُقاس عليه خلائق الناس ولا الميزان الذي تُوزن به أفعالهم.

مُوالاتُك أحبابَك بجميع أسرارك النفسية والجسدية والأُسرية لا تبالي بكتمانها عنهم، مهما عرَّضك هذا للفضائح المُبِينة؛ لا توجب عليهم مثل ذلك فيك؛ فلست الأصل الذي تُقاس عليه خلائق الناس ولا الميزان الذي تُوزن به أفعالهم.

تسامحُك في غَشيان أحبابك بيتَك على كل أحوالك وجميع أحيانك، مهما عاد على نفسك وامرأتك وذريتك بالسوء؛ لا يوجب عليهم قبول مثله منك لو كان؛ فلست الأصل الذي تُقاس عليه خلائق الناس ولا الميزان الذي تُوزن به أفعالهم.

إباحتُك وقتَك لأحبابك ينهشون منه ما يشاؤون بغير حسابٍ، لا تعبأُ بهذا مهما بلغت مغارمُه في دينك ودنياك؛ لا يوجب عليهم قبول مثله منك لو كان؛ فلست الأصل الذي تُقاس عليه خلائق الناس ولا الميزان الذي تُوزن به أفعالهم.

يا حبيبي؛ لا ريب في شططك في الإمكان من نفسك فيما سلف جميعًا، لكنك بطبيعتك السائلة لا تحسَب ما تفعل إلا إحسانًا يجب على أحبابك أن يكافؤوك بمثله أو خيرٍ منه، ثم إنه لو لم يكن شططًا عند الله مكروهًا؛ لوجب عليك إعذارهم من جهة اختلاف طبائع الناس وأمزجتهم وأحوالهم اختلافًا عظيمًا.

إن من الحقائق البشرية العامة قياس الغير على النفس في تصوراتها وتصرفاتها بغير وعيٍ من صاحبها أحيانًا وبوعيٍ حينًا، وبعض هذا سائغٌ لا حرج فيه وكثيرٌ منه لا يسوغ، وإنما الرجل الأوحد الذي تُقاس عليه خلائق العالمين وتُوزن بميزانه أفعالهم؛ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ في المَنشط والمَكره، والعسر واليسر، والغضب والرضا، ومهما بلغ تسامح إنسانٍ سواه لم يكن أصلًا ولا ميزانًا.

دجَّالون في إكبارك سيدي رسول

دجَّالون في إكبارك سيدي رسول الله، أفَّاكون في وُدِّ ابن زهرائك الحُسين.

يُسَوِّدون صحائفهم عند الله وصفحاتهم عندنا بتعظيم أحمد الطيب وأحمد عمر هاشم وأمثالهما من كُهَّان الطواغيت الذين أسمع الله الصُمَّ وأنطق البُكْم وبَصَّر العُمْي بمخازيهم، فإذا جاء يوم مولد سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو استشهاد سِبْطِه الحُسين -رضي الله عنه- شَنُّوا غارات الأفواه والأقلام على من لم يَشْركهم من المسلمين ما هم فيه من صخبٍ وزيفٍ، والله يعلم إنهم أكَّالون.

يا أولياء نبي الله في رسالته وأنصار ولده الحُسين في ثورته؛ إذا اجتمع الضَبُّ والحوت؛ لم يجتمع في قلبٍ تعظيمُ النبي وموالاةُ أولياء الطاغوت، وإذا دخل الجمل في سَمِّ الخِياط؛ لم يدخل توقيرُ الحُسين قلبَ من بينه وبين أولئك رِبَاطٌ.

إنما أولياء رسول الله إلى يوم القيامة؛ الذين يجتنبون الطواغيت ويعادونهم، احتفلوا بيوم مولده الشريف أو لم يحتفلوا، وإنما أنصار الحُسين ما دامت السماوات والأرض؛ الذين يثورون على الطواغيت بأسِنَّتهم وألسنتهم، ناحُوا في يوم استشهاده أو لم ينوحوا؛ فإن الله وليُّ الحق والحقائق لا الباطل والصُّوَر.

سبحان خير الفاصلين وتبارك! ما إن مرَّ يوم المولد المعظَّم؛ حتى امتحن الله الناس بنُفُوق الملعون حسن حنفي، السابِّ اللهَ ورسولَه والإسلامَ فيما هو قطعيُّ الثبوت إليه قطعيُّ الدَّلالة عليه، فترحَّم عليه كاهن الأزهر الأكبر كما هي عادته في إخوانه في الدولة المألوهة، ومِن تركيا يَحُطُّ على عباد الله الفرحين بهلاك الزنديق؛ طالبُ علم أصول الفقه! وصفي أبو زيد، الإخواني الذي لو اجترأ مجترئٌ على أردوغان بعُشر عَشير مِعشار ما اجترأ به حسن حنفي على الله والرسول والإسلام؛ لوجد الناس منه حَمِيَّةً عَدِموها منه هنا، فأما المتنفِّخ كوناتي والمتقبِّح غلامه؛ فلا تسَل عن تطبيلهما لكاهن الأزهر وأمثاله آناء الليل وأطراف النهار، ولا غَرْوَ؛ فعداوتهما والبغضاء لا تُصرفان إلا في السلفيين الأشرار.

يا رجال الإسلام؛ ليس عَقْد الولاء والبراء هنا على ما اختُلف فيه من شرائعه بل ولا على المتفَق عليه منها، إنما هو على قواعد عقائده؛ فإنه ليس بعد البراء من أولياء الطواغيت المحاربين اللهَ ورسولَه والإسلامَ من قاعدةٍ يُعْبَأُ بها ويُبالَى، إلا أن يبيت الإسلام عند أبنائه -والغوثُ بالرحمن- كالعنوان على غير بنيانٍ.

يا نبي الله؛ حَسْبُك الله ومن اتبعك من الكفار بالطواغيت، وقِنَا ربَّاه الفتن.

هل أسامح من ظلمني؟ أم

هل أسامح من ظلمني؟ أم أدعو عليه؟ ما أصلحُ للبال والحال والمآل جميعًا؟

سامح المسلمين (الذين لا يوالون الطواغيت وهم على صلاتهم يحافظون) جميعًا؛ لكن لا تُظهر المسامحة إلا لمن كان لإظهارها أهلًا (الذين يسْعَون في أداء الحقوق أو كانوا عنها عاجزين)، أما الذي يقدِر على الأداء ولا يبالي؛ فلا تُظهر له المسامحة؛ بل أظهر له ضدَّها؛ لعله يتذكر أو يخشى.

إن الذي يغفر لظالمه من المسلمين ويتجاوز عنه؛ إنما يُعرِّض نفسه لمغفرة الله وتجاوُزه في الدارين؛ فإن جزاءه من جنس العمل، مع ما ينال قلبَ الغافر المتجاوِز من الصفاء والنقاء فما جعل الله له من قلبين في جوفه، وما يصيب نفسَه من لذَّة الانتصار على حظوظها، وما وعده الله به من العزة.

لقد عشت دهرًا أحسب هذه البواعث الأربعة على الصفح لا خامس لها؛ (مغفرة الله، وتزكية القلب، والانتصار على النفس، والعزة في الدنيا والآخرة)؛ حتى بَهَرَني باعثٌ خامسٌ اختصَّ الله به سيدًا من آل بيت رسوله -صلى الله عليه وسلم- فألهَمَه إيَّاه؛ ذلكم الشافعي الإمام رضي الله عنه؛ قال:

مَنْ نَالَ مِنِّي أَوْ عَلِقْتُ بِذِمَّتِهْ ** أَبْرَأْتُهُ لِلَّهِ شَاكِرَ مِنَّتِهْ

أَأُرَى مُعَوِّقَ مُؤْمِنٍ يَوْمَ الْجَزَا ** أَوْ أَنْ أَسُوءَ مُحَمَّدًا فِي أُمَّتِهْ

يتقاصَر كلُّ بيان إنسٍ وجانٍّ عن نعت هذا المقام العُلويِّ الذي رفع الله إليه نفْس هذا السيد الجليل.

هانت عليه نفسه في محبة الله والرسول والإسلام؛ حتى أعدَم كل حظوظها لأجلهم مع الحمد والرضا؛ شهد حكمة الله في قدَر مظلمته فشكر له، وعرَف حق الإسلام فغفر لمسلمٍ يؤاخيه فيه، وتعشَّق فؤادَ رسول الله فحاذَر أذاه في تابعٍ له يعاقَب بسببه يوم القيامة، وتلك مواهب الله يؤتيها من يشاء.

ثم إن ربك لمن تخلَّق بصفةٍ من صفاته السائغ الاتِّصافُ بها وهي صفة أنبيائه؛ لغفورٌ شكورٌ.

هذا بابٌ، وسعيُك بكل سببٍ مباحٍ متاحٍ في انتزاع حقك -مستعينًا بالحق الأكبر سبحانه- بابٌ آخر؛ فإنه حق الله قبل أن يكون حقك، ثم إنه حفظٌ لعُروة العدل من عُرَى الإسلام أن تُنقض من جهتك، وصيانةٌ للميزان الذي وضعه الله في الأرض لا تُحرَس إلا به، وتخفيفٌ عنك وعن ظالمك في الدارين.

لكن اعلم أن هذه الدار ليست بدار استيفاءٍ، “وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”، وأن عامة المستوفين ما لهم يخسرون الأدنى مع الأعلى أو يَجُورون؛ قالت عائشة رضي الله عنها: “لله دَرُّ التقوى؛ ما تركتْ لذي غيظٍ شفاءً”، وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: “من خاف الله لم يشف غيظَه”.

ذلك؛ ومن لم يقدِر على العفو فلا شيء عليه، ومن كان ولا بد داعيًا على ظالمه فبقدْر مظلمته.

“خُذِ الْعَفْوَ”، “فَاعْفُ عَنْهُمْ”، “فَاصْفَحْ عَنْهُمْ”.

“وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوآ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ”.

“إِن تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَن سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا”.

“ارحموا تُرحموا، واغفروا يغفر الله لكم”.

“عبدي؛ اذكرني في غضبك؛ أذكرك في غضبي لا أمحقك فيمن أمحق”.

“ولا يعفو عبدٌ عن مظلمةٍ -يبتغي بها وجه الله- إلا رفعه الله بها”.

“وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًّا”.

“فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ”.

“ينادى منادٍ يوم القيامة: أين الذين كانت أجورهم على اللَّه؛ فلا يقوم إلا من عفا”.

“ما أحدٌ أصبرَ على أذًى سمعه من الله؛ يدَّعون له الولدَ، وهو يرزقهم ويعافيهم”.

كم نعفو عن الخادم يا رسول الله؟ قال: “اعفوا عنه كل يومٍ سبعين مرةً”.

“ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ”.

“يا أيها النبي؛ إنا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وحِرْزًا للأُمِّيين، أنت عبدي ورسولي، سمَّيتك المتوكل، ليس بفظٍّ ولا غليظٍ، ولا سَخَّابٍ في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة؛ ولكن يعفو ويغفر”.

“كانوا يكرهون أن يُستذلُّوا، فإذا قدَروا عفوا”.

“إياكم ورأي الأوغاد؛ الذين يرون الصفح عارًا”.

“إنا لا نكافئ من عصى الله فينا؛ بأكثرَ من أن نطيع الله فيه”.

أعذنا اللهم أن نَظلم أو نُظلم، أو نَجهَل أو يُجهَل علينا؛ حتى نلقاك في عبادك المسلمين السالمين.

“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”. لدغتْ

“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.

لدغتْ أفئدتَهم وحشةُ البعد عن سيدهم، فآبُوا إلى بابه سراعًا، وهل يطيق المحبون!

“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.

كآحاد الأنام قارفوا الآثام، وقد يعمَدون إليها؛ لكنْ أنَّى يصرُّون عليها! هم الراغبون.

“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.

مولاهم ربهم، علموا ألا ملجأ من صفات جلاله إلا إلى صفات جماله؛ فآوَوا إلى كهفه.

“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.

قد تُجعل عقوبتهم في الطاعات والمعاصي؛ لكنَّ عادة المنَّان هُداهم، “وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ”.

“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.

علموا أن ربهم يفرح بهم إذا تابوا، فقالوا: نتعجَّل فرح الله، لئن أغضبنا ربنا لنُفْرِحَنَّه.

“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.

عصيانهم جهالةٌ، لا مُحَادَّةٌ ولا ضلالةٌ، غير أجرياء على الله، يتملَّقون -حِثَاثًا- رضاه.

“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.

أقلعوا وندموا، وعلى الإصلاح عزموا، وأدَّوا الحقوق تامَّاتٍ، فبُدِّلت سيئاتُهم حسناتٍ.

“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.

أسرَع بتوبتهم تعريفُ الله وتخويفُه؛ عرَّفهم ثواب المبادرة، وخوَّفهم عقاب التسويف.

“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.

قالوا: حَسْب الإسلام جراحاتُ أعدائه، لا يُؤتَى من قِبَلنا، لنتوبنَّ قريبًا ابتغاءَ عافيته.

“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.

ذكَروا مسارعة نفوسهم إلى زائلات المَعاش، فاستحيَوا من إبطائها عن خالدات المَعاد.

“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.

لما جهلوا موعد غرغرة الأرواح؛ سابقوا إلى الله بتطبيب الجراح، ومن لها إلا الله!

“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.

كيف يسارع الله لهم في الخيرات غنيًّا عنهم؛ ولا يسارعون إليه بالإياب فقراءَ إليه!

“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.

يغتنمون شبابًا قبل هِرمٍ، وصحةً قبل سَقمٍ، وغنىً قبل فقرٍ، وفراغًا قبل شغلٍ، فنِعِمَّا.

“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.

لما ثقُلت أقدامهم عن الله بالمعصية؛ خفُّوا إليه عجِلين بالتوبة؛ لتمحو صورةٌ صورةً.

“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.

إذا قال التلكُّؤ عن القُرُبات: تالله ما غنمنا؛ قال الهَرَع بالتوبة: ما شهدنا إلا بما علمنا.

“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.

“فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ”؛ العظيمو الحبِّ الصادقو القربِ، مَن يغيثهم التواب بالتوبة.

“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.

“وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا”؛ عليمًا بالتائبين وأحوالهم، حكيمًا أين يجعل توبته في عباده.

“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.

ما للعباد عليه حقٌّ واجبٌ؛ لكنه جعله كذلك، حنانًا من لدنه وزكاةً، وهو البر الكريم.

“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.

لبيك اللهم رُجْعَى، أفمن هرول إلى الرحمن بها؛ كمن أبطأ خَطْوَ أسبابها! لا يستوون.

إن ذنبًا ألان قلبك، وطيَّب

إن ذنبًا ألان قلبك، وطيَّب لسانك، وأخضع جوارحك؛ لَأَرْجَى حسناتك عند الله.

إن للعبادة التي خلقك الله لأجلها صورةً هي امتثال الأمر واجتناب النهي، وحقيقةً هي ذلُّ القلب وإخبات النفس، وقد يبلغ عبدٌ -بترك المأمور، واقتراف المحظور- من حقيقة العبادة؛ ما لا يبلغه بصورتها.

هذا حرفٌ لا يحضُّك على المعاصي قبلها؛ بل يدرك نفسك من القنوط بعدها.

إن العبد إذا أذنب فأعقب ذنبَه توبةً؛ صار ذنبُه قدَرًا مقدورًا يتأمل في جوانبه حكمة الله، يقول: أذنبت فخشع قلبي وانقادت أركاني، أذنبت فذهب كبري وانقشع غروري، أذنبت ففهمت من أسماء الله وصفاته ما فهمت، أذنبت فوعيت من سنن الله ما وعيت، أذنبت ففقهت من أسرار الخلق والأمر ما فقهت، أذنبت فعرفت من نفسي ما عرفت، أذنبت فأشفقت على الخلق ما أشفقت، أذنبت فكرَّه الله إلي من عصيانه ما كرَّه، أذنبت فحبَّب الله إلي من رضوانه ما حبَّب، أذنبت فبَعُد عني من الدنيا ما بَعُد، أذنبت فدنا إلي من الآخرة ما دنا، أذنبت فأشهد الله قلبي من أنواع عبودياته ما أشهد، أذنبت فبصَّر الله عقلي من حِكَم شرائعه ما بصَّر، أذنبت فعُلِّمت من طرائق النفوذ إلى النفوس ما عُلِّمت، أذنبت فازددت لربي في قدَره وشرعه تسليمًا، أذنبت فعاديت الجاهلية والشيطان وجنودهما، أذنبت فأحببت الله.

تلك والله (حسنات السيئات)، حُظوظ من عصى الله فعقل أمره، قد أفلح التوابون.

ثلاث كلماتٍ في الجرائد؛ انفع

ثلاث كلماتٍ في الجرائد؛ انفع اللهمَّ بها موحِّديك في مشارق الأرض ومغاربها.

– لا خير في شراء الجرائد من وجوهٍ إيمانيةٍ وحضاريةٍ وأخلاقيةٍ، وفي متابعة “المَاجَرَيَات” التي لا بد منها في بعض وسائل التواصل غَنَاءٌ وكِفَاءٌ، وما مدُّ أصحاب الجرائد الفجرة الرأسماليين العُتاة بالمال -وهم من هم حربًا على الإسلام والعقول والأخلاق- إلا جنونٌ مطبقٌ وظلمٌ شديدٌ؛ فأنَّى تفعلون!

– يحرُم دخول “مساجد الله” بجرائدَ تملؤها صور الفساق وأنباؤهم، ولَأنواع الزندقة بها أشدُّ وأدهى.

– لا تكاد صفحةٌ من صفحات الجرائد تخلو من اسمٍ عظيمٍ من أسماء الله الحسنى، سواءٌ في ذلك أسماء الكاتبين والأخبار والمقالات؛ فلا يجوز استعمالها في التنظيف ولا في غيره؛ إلا بعد التيقن من خلائها من أسماء الله علا وتعالى، ومن آيةٍ وحديثٍ، كما يجب صَوْنُها عن وطء الأرجل والرمي في المزابل؛ إلا لمن تحرَّى خلاءها من المعظَّمات السالفة؛ كيف بالصفحات الدينية فيها وصفحات الوفيات!

– لا نحصي كم مشينا مع مولانا الشيخ الشافعي الصالح “عطاء بن عبد اللطيف” حفظ الله مهجته، فكان لا يدع ورقةً من جريدةٍ في شارعٍ ولا سوقٍ إلا التقطها، ثم يأخذها إلى دكانه فيحرقها بالنار في صفيحةٍ، لا يرى ذلك من التطوع والورع؛ بل تعظيمًا واجبًا للرَّبِّ تقدَّست أسماؤه وتباركت آياته.

– “وَمَن يُعَظِّمْ شَعَآئِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ”، “وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ”؛ هذا تعظيم شعائر الله وذاك تعظيم حرماته؛ كيف بتعظيم أسماء ربِّنا الحسنى وتوقير آياته! اللهمَّ اللهمَّ.

أول وسيلةٍ عُصِي الله بها

أول وسيلةٍ عُصِي الله بها في العالمين؛ (تحريف التعاريف).

“فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَآ آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ”.

أعاد إبليس تعريف المعصية، ووضع لها عنوانًا مغايرًا، فلم يقل: يا آدم؛ اعص ربك بالأكل من الشجرة التي نهاك عنها. بل قال ما قال، ثم تتابع بنوه من شياطين الجن والإنس على تلك الوسيلة في إغواء الخلق وإضلالهم حتى الساعة؛ الكفر فلسفةٌ، والزندقة وجهة نظرٍ، والشرك تعدديةٌ، وجعْل الحاكمية والحُكم والتحاكم إلى طائفةٍ من البشر ديموقراطيةٌ، وعقيدة الولاء والبراء إقصاءٌ، والردة عن الإسلام حرية اعتقادٍ، واحتلال بلاد المسلمين عولمةٌ، ومقاومته خروجٌ عن الشرعية الدولية، ومساواة الإسلام بالكفر مواطنةٌ، وإنكار المعلوم من الدين بالضرورة تنويرٌ، والاستمساك بالإسلام رجعيةٌ، والجهاد عنفٌ، والمفاصلة دوغمائيةٌ، وخيانة الله ورسوله مشاركةٌ سياسيةٌ، والزنا ممارسةٌ للحب، واللواط مثليةٌ، والربا فائدةٌ، والخمر شرابٌ روحيٌّ، والتعرِّي موضةٌ، والفسق المركَّب فنٌّ، والعمليات الاستشهادية عملياتٌ انتحاريةٌ، وتبديل الشرائع تجديدٌ للخطاب الديني، والكافر المحارب الآخَر، والثورة فوضى، والخنوع حكمةٌ، والخزي سلامٌ، والخضوع للباطل فقه الواقع، وتجاوز الثوابت حداثةٌ، وتداعي الأمم الكافرة على الإسلام تحالفاتٌ دوليةٌ، وجندي الطاغوت العسكري الغلبان، ودواليك.

كل ذلك وما لا يُحصى عدُّه البتة؛ من شواهد (تحريف التعاريف)، وفي الحديث قول نبينا صلى الله عليه وسلم: “ليشربن أناسٌ من أمتي الخمر، يسمونها بغير اسمها”، بل قرن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين استحلال الخمر وبين تسميتها بغير اسمها، فقال: “إن أول ما يُكفأ كما يُكفأ الإناء” يعني الخمر، قيل: يا رسول الله؛ كيف وقد بيَّن الله فيها ما بيَّن! قال: “يسمونها بغير اسمها، فيستحلونها”؛ فكان تحريف تعريف الخمر هو المطية إلى استحلالها، واستحلال الحرام كفرٌ، والكفر غاية الشيطان.

“ما عدت ملتزمًا، لقد انتكست،

“ما عدت ملتزمًا، لقد انتكست، مات قلبي”.

لا يصيب شيطانٌ من عبدٍ مرادَه كما يصيب بهذه العناوين، ولا تزال بصاحبها حتى يكون كذلك، وأبعدَ من ذلك، ولقد نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحدَنا أن يقول: “خبُثت نفسي”، وليقل: “لَقِسَتْ نفسي”، مع أن الفرق بينهما يسيرٌ من جهة المعنى؛ لكنه عنوانٌ يسجن صاحبه في موضوعه.

“ما عدت ملتزمًا، لقد انتكست، مات قلبي”؛ إذا كان ذلك كذلك؛ فلا عليَّ من كل طاعةٍ أفرِّط فيها، ولا عليَّ من كل معصيةٍ أقارفها، ولا عليَّ إذا هجرت الأبرار لئلا أدنِّسهم بآثامي التي لا يعرفونها، ولا عليَّ إذا صاحبت الفجار الذين صرت لهم شبيهًا، ولا عليَّ إذا لم أحمل للإسلام همًّا ولأهله قضيةً.

“ما عدت ملتزمًا، لقد انتكست، مات قلبي”؛ هذه العناوين من جملة مداخل الشيطان “اليمينية” إلى قلوب المؤمنين، والمداخل اليمينية هي التي قال فيها اللعين قديمًا: “وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ”؛ أي من جهة الحق والخير والإحسان، وهي أضرُّ على العبد -لخداع فتنتها- من مداخل الشيطان “الشِّمالية” الصريحة.

“ما عدت ملتزمًا، لقد انتكست، مات قلبي”؛ صورة يأسٍ خفيٍّ من رَوْح الله، وقنوطٍ مستترٍ من رحمته ومغفرته، مهما ألبسها صاحبها -واعيًا أو غير واعٍ- لَبُوس الحطِّ من نفسه وسوءِ الظن بها.

“ما عدت ملتزمًا، لقد انتكست، مات قلبي”؛ إن إزراء العبد بنفسه من شواهد عبوديته؛ لكنه إذا بلغ ذلك كان سوءًا مستطيرًا، ومَرْكَبًا للشيطان من النفس إلى بلوغ الكفر بالله، ما الكفر بالله -هنا- دقَّ الصُّلبان، ولا إنكارَ وجود الرحمن؛ بل ركوب الموبقات جُملةً، وترك الفرائض جُملةً، مع موالاة الفاسقين فالظالمين فالكافرين على خطواتٍ متتابعاتٍ، ولقد سمعنا حتى وَجِعْنا وأبصرنا حتى أقصرنا.

“ما عدت ملتزمًا، لقد انتكست، مات قلبي”؛ فأنَّى لغارقٍ مثلي أن يأمر بمعروفٍ أو ينهى عن منكرٍ! وجَهِل هذا المسكين أن من أوسع أبواب نجاته من ظلماته (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، ودونكم هذه الدُّرة النادرة لشيخ الإسلام ابن تيمية يحكيها صاحبه ابن القيم -رحمهما الله- قال: “انظر إلى موسى صلوات الله وسلامه عليه؛ رمى الألواح التي فيها كلام الله الذي كتبه بيده فكسرها، وجرَّ بلحية نبيٍّ مثلِه وهو هارون، ولطم عين ملك الموت ففقأها، وعاتب ربه ليلة الإسراء في محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- ورفْعِه عليه، وربه تعالى يحتمل له ذلك كله، ويحبه ويكرمه؛ لأنه قام لله تلك المقامات العظيمة في مقابلة أعدى عدوٍّ له، وصَدَع بأمره، وعالج أمَّتَي القبط وبني إسرائيل أشدَّ المعالجة، فكانت هذه الأمور كالشعرة في البحر. وانظر إلى يونس عليه السلام؛ حيث لم يكن له هذه المقامات التي لموسى، غاضب ربه مرةً، فأخذه وسجنه في بطن الحوت، ولم يحتمل له ما احتمل لموسى”.

“ما عدت ملتزمًا، لقد انتكست، مات قلبي”؛ يخبرك الإسلام عن زيادة إيمان عبدٍ حتى لكأنه يرى الله، وعن نقصان إيمان عبدٍ حتى لكأن الله -تعالت إحاطته- لا يراه؛ لكنه لا يقضي بهذه العناوين الكلية على عبدٍ قضاءً؛ إلا عبدًا تنكَّب سبيل الله باطنًا وظاهرًا، وأحاطت به بوائقه على القبول والرضا.

“ما عدت ملتزمًا، لقد انتكست، مات قلبي”؛ تكشف وزن الخلل الشائع في معنى الاستقامة عند عامة المسلمين، وما الاستقامة -عند الله ورسوله- إلا جهاد العبد نفسَه باطنًا وظاهرًا على الثبات في الأمر، فإن فرَّط في طاعةٍ أو قارف معصيةً جاهدها في التوبة والإنابة، لا يضيره شيءٌ ما بقي كذلك.

“ما عدت ملتزمًا، لقد انتكست، مات قلبي”؛ حيلةٌ نفسيةٌ غير واعيةٍ لمداراة القعود عن معالي الأمور، والرضا بالخسف، والتصالح مع البطالة، ولو فقه قائلوها ما قالوها. وبالله السلامة والسداد.

حدَّثني -يائسًا من الهدى- عن

حدَّثني -يائسًا من الهدى- عن أنواع خطاياه الجِسام، وعن كبائر تشيب لها نواصي الولدان، وأنه لا يظن توبة الله عليه وتجاوزَه عنه، وأنه جرَّب الأوبة إلى الله مرارًا فأخفق عددَ ما جرَّب؛ فقلت له:

حدِّث نفسك وحدِّثني وحدِّث العالمين مليون مرةً عن خطاياك كلها؛ عما ظهر منها وما بطن، عما كان بقلبك وما كان بلسانك وما كان بجارحةٍ جارحةٍ، عما جنيته في نفسك وما جنيت به على غيرك، عما حصل منها بالتَّرك وما حصل بالفعل، عما تذكر منها وما نسيت، عما انقطع منها وما اتصل.

حدِّث نفسك وحدِّثني وحدِّث العالمين مليون مرةً عن تعمدك لها، وعن إصرارك عليها، وكيف لم تعتبر بمواعظ الله التي والاك فيها، وعن كيفِها العظيم، وعن كمِّها الوافر، وعما لم تُحط به فيها خُبرًا.

حدِّث نفسك وحدِّثني وحدِّث العالمين مليون مرةً عن بواعثها الشنيعة، وعن زمانها الطويل، وعن أماكنها التي لا تحصيها، وعن حبائلها الباطنة التي مكرتها، وعن أسبابها الظاهرة التي أبرمتها.

حدِّث نفسك وحدِّثني وحدِّث العالمين مليون مرةً عمن أغرقتهم معك فيها من الناس؛ عمن عرَّفتهم بها وما كانوا يعرفونها، وعمن حببتها إليهم وكانوا من قبلُ يكرهونها، وعمن أعنتهم عليها بشيطانك.

حدِّث نفسك وحدِّثني وحدِّث العالمين مليون مرةً عن فتنتك أنت نفسَك بها، وعن سعيك الحثيث إلى مقارفتها، وعن تسويغ هواك ما قدمت يداك، وعن رضاك بها واطمئنانك إليها، وعما بين ذلك.

حدِّث نفسك وحدِّثني وحدِّث العالمين مليون مرةً بهذا جميعًا وبما فاتك سواه؛ سأظل أحدِّثك عن رحمة الله التي وسعت كل شيءٍ، ومهما بلغت ذنوبك بالعَرض قُرابَ الأرض وبالطُّول عنان السماء فإنها شيءٌ؛ حتى أن شيخ الجاهلية إبليس -لعنه الله- يطمع في الدخول فيها يوم القيامة، وأوسع من ذلك.

حدِّث نفسك وحدِّثني وحدِّث العالمين مرةً بهذا جميعًا وبما فاتك سواه؛ سأظل أحدِّثك عن مغفرة الله التي شملت كفر من تاب من الكافرين، وضلال من تاب من الضالين، وظلم من تاب من الظالمين، وفسق من تاب من الفاسقين؛ حتى جاء الله بهم -غنيًّا عن عذابهم- وجعلهم أولياء له ربانيين.

حدِّث نفسك وحدِّثني وحدِّث العالمين مليون مرةً بهذا جميعًا وبما فاتك سواه؛ سأظل أحدِّثك عن قدرة الله على كل شيءٍ، ومهما جلَّت آثامك كيفًا وجمَّت عددًا فإنها شيءٌ، ولقد سمعت الله -تباركت رحمته- يقول: “من علم منكم أني ذو قدرةٍ على مغفرة الذنوب؛ غفرت له ولا أبالي، ما لم يشرك بي شيئًا”.

حدِّث نفسك وحدِّثني وحدِّث العالمين مليون مرةً بهذا جميعًا وبما فاتك سواه؛ سأظل أحدِّثك عن عقيدةٍ لا ظن فيها: ليس بينك وبين توبة الله عليك من كل ما قارفت من الخطايا؛ إلا لحظة صدقٍ في ذلٍّ في افتقارٍ تهتف فيها بسيد الاستغفار؛ “اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي؛ فاغفر لي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت”، فإذا اطلع الله على قلبك فوجد هذه العزمة على محبته وخوفه ورجائه؛ حرَّك من نفسك ما جَمَدَ، وأنعش من روحك ما خَمَدَ، وبعث من قلبك ما هَمَدَ، وبدَّل الخطايا عطايا.

حدِّث نفسك وحدِّثني وحدِّث العالمين مليون مرةً بهذا جميعًا وبما فاتك سواه؛ سأظل أحدِّثك بحق اليقين، نداء التواب لا يأتيه شكٌّ من بين يديه ولا من خلفه: “قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ”؛ كذب ظنك وصدق وعد الله.

“اللهم باعد بيني وبين خطاياي؛

“اللهم باعد بيني وبين خطاياي؛ كما باعدت بين المشرق والمغرب”.

جزءٌ من دعاء استفتاح الصلاة عظيمٌ؛ طوبى لمن تدبره وصدَق الله فيه وأخلص.

“اللهم باعد بيني وبين خطاياي”؛ باعد بيني وبين خطاياي نفسًا فأمقتها، باعد بيني وبين خطاياي عقلًا فلا تخطر لي عليه، باعد بيني وبين خطاياي لسانًا فلا أخوض فيها بشيءٍ، باعد بيني وبين خطاياي سمعًا فلا تبلغني ولا أبلغها، باعد بيني وبين خطاياي بصرًا فأُصرف عنها وتُصرف عني، باعد بيني وبين خطاياي جوارحَ فلا تنشط لها بحركةٍ فما دونها، باعد بيني وبين خطاياي زمانًا، باعد بيني وبين خطاياي مكانًا، باعد بيني وبين خطاياي أسبابًا، باعد بيني وبين خطاياي أحوالًا، باعد بيني وبين خطاياي آثارًا في نفسي وجسدي وأهلي ومالي، باعد بيني وبين خطاياي عقوباتٍ في الدنيا والآخرة وفي البرزخ بينهما، باعد بيني وبين خطاياي فتنةً بها، باعد بيني وبين خطاياي حتى كأن لم تكن.

بيني أنا وبين خطاياي؛ بنفسي أبدأ لا بالخطايا، مني البداية وعلي النهاية، كما في الدعاء الآخر؛ “اللهم اغفر لي جدِّي وهزلي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي”، فهو متضمنٌ اعترافي بذنبي يا مولاي، وكاشفٌ عما أظن بنفسي من السوء واستحقاق الجزاء عليه، وإذا أبعدتني عنها ربي فأبعدها عني.

“اللهم باعد بيني وبين خطاياي”؛ خطاياي جميعًا؛ أنواعًا وأقدارًا، خطايا قلبي وخطايا لساني وخطايا جوارحي، ما اقترفت في نفسي وما اقترفت في غيري، دِقِّها وجِلِّها، خطئِها وعمدِها، جدِّها وهزلِها، علانيتِها وسرِّها، ما قدَّمت منها وما أخَّرت، ما علمت منها وما جهلت، ما ذكرت منها وما نسيت.

“كما باعدت بين المشرق والمغرب”؛ كما لا يلتقي المشرق والمغرب؛ فلا ألتقي وخطاياي، ولأنه إذا صار المغرب مشرقًا فطلعت منه الشمس؛ لم ينفع نفسًا إيمانُها لم تكن آمنت من قبلُ أو كسبت خيرًا.

يا أحبتي؛ هذا حرفٌ يسيرٌ في جزءٍ قصيرٍ من دعاءٍ واحدٍ من أدعية استفتاحٍ كثيرةٍ؛ علَّمناها نبي الله، صلى الله عليه وسلم.