“لم يأت رجلٌ قطُّ بمثل

“لم يأت رجلٌ قطُّ بمثل ما جئتَ به؛ إلا عُودي”.

انظر كيف صَدَقَ ورقةُ بن نوفلٍ -رضي الله عنه- رسولَ الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- من أول يومٍ من أيام هذا الدين بحقيقته، وأنه ابتلاءٌ عظيمٌ، وأن طريقه طريق حربٍ لا هوادة فيها، وأنها سنةٌ ماضيةٌ في أهله إلى قيام القيامة!

انظر هذا القول الفصل، ثم انظر ما تأسَّست عليه عامة الدعوات إلى الإسلام اليوم؛ من مخادعة المدعوِّين بأن طريق الإسلام لا شوك فيها، وأن المبتلين فيها هم المتطرفون؛ يظهر لك الفرق بين العلم والجهل، وبين الأمانة والخيانة.

يحسب هؤلاء المخادعون الناس أنهم يرفقون بهم! وحق الرفق بهم أن يكاشَفوا بحقيقة ما يقدُمون عليه من شأنٍ جسيمٍ؛ لتتهيأ له قلوبهم، وتتأهب له جوارحهم، وليستعينوا الله على مكابدته، فلا يستوي مُبَصَّرٌ بالطريق ومُعَمًّى عنها.

ثم إنه ليس رسول الله وحده؛ بل كل رسولٍ أراد الناس على الحق الذي أُرسل به إليهم، واقرؤوا إن شئتم قول الله: “وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ”. وإذا كان لأنبياء الله من هذه الشدائد الحظُّ الأوفر؛ فإن لأتباعهم منها كفلٌ عظيمٌ.

لا يعارِض شدائدَ الطريق ما قضى الله خلالها من ألطافه، وقسَم بينها من رحماته، وقدَر فوقها وتحتها من بركاته؛ بل السالكون طريق الله أرغد عيشًا بأنواع السرور الروحية وألوان النعيم القلبية من سواهم من المتنكِّبين الطريق.

المُوصُون إياي بالرفق ((هذه الأيام))

المُوصُون إياي بالرفق ((هذه الأيام)) أشباه ذكرانٍ خبثاء مدلسون؛ فإني -غفر الله لي وتجاوز عني- لا أعرف إلا الرفق في مخالَقتي المسلمين، وإنما الشدة في صفحتي ((هذه الأيام)) على طوائف ثلاثةٍ لا على غيرهم من الناس؛ الموالين للطواغيت كالبراهمة مقتهم الله، ومُعَبِّدي الناس للقبور كفئةٍ حقيرةٍ من الأزاهرة والأشاعرة أخزاهم الله، والخليفية أتباع عبد الله الخليفي الزنديق المجهول فضحهم الله، وقديمًا كانت على الإخوان والبراهمة والغلاة فيما كانوا يقترفون.

ألا إن أهون شرًّا منهم الذين سخط الله على شمائلهم، فكتبَت بخذلانٍ من الله تذود عن برهامي حارق أجساد المسلمين في رابعة والنهضة أماته الله صاغرًا، وعن الخليفي سابِّ أبي حنيفة وأئمة المسلمين أماته الله زنديقًا، هؤلاء الحقراء الذائدون عن برهامي والخليفي -على خسَّتهم- أهون شرًّا ممن لا يجهر بدفاعه عن هذا وذاك ويكتب لي في الوصية بالرفق ((هذه الأيام))، وقد علم القاصي والداني ممن يعرفني -بحمد الله لا بحمدي- أني لا أسلك غير الرفق سبيلًا.

فئةٌ يغار أوباشها الأقزام العبيد على عِرض برهامي سوَّد الله وجهه، ولا يغارون على عِرض دينٍ مستباحٍ وبلدٍ مخطوفةٍ بأهلها بين مفقَّرٍ ومهجَّرٍ ومقتولٍ ومسجونٍ، بحُكم خنثى الطواغيت الذي جاء به فيمن جاء، ثم نصره فيمن نصره، مُلْبِسًا عبادته الطاغوت لَبوس الإسلام ثأر الله له منه، وفئةٌ يغار أوباشها التافهون الساقطون على عِرض الخليفي فضحه الله مزيدًا، ولا يغارون على أعراض أئمة الإسلام المفروغ من جلالتهم في الدين والمسلمين. عليكم بهم.

لن أعدم أحمق قرأ هذا الكلام العربي المبين يقول -مسلوبَ البصر والبصيرة- في تعليقٍ: لم تستكبر عن الوصية بالرفق! لم تستنكف عن النصح بالخير! لم لا تجيب هؤلاء وأولئك على باطلهم! وقد أبنت عن مذهبي في أمثالهم. إذا ساغ لي أن أرد على الطواغيت في منازعتهم الله الربوبية والأسماء والصفات والألوهية؛ ساغ لي أن أرد على البراهمة، وإذا ساغ لي أن أرد عن أعراض أمهات هؤلاء إذا رُمِين بالفاحشة -صانهن الله وزانهن- ساغ لي الرد على الخليفية.

ألا من رأى من فضلاء إخواني الرد على هؤلاء وأولئك؛ فله ما يشاء مرجوحًا رأيُه، فأما أنا فلا أدين الله فيهم وأمثالهم -ما دام عقلي محفوظًا- إلا بجَلد السياط، أمَا وقد عُطِّلت زواجر الإسلام من شريعته المعطَّلة بأسرها من طواغيت لم يزل يعبدهم برهامي، وكان الخليفي مثله إلى زمنٍ قريبٍ ثم خرس عنهم والله بحاله اليوم فيهم أخبر، أمَا وهي كذلك؛ فعليهم لساني ويميني مبسوطَين -بضياءٍ من الربِّ الحقِّ ومددٍ- حتى ترجع سياط الإسلام على الظهور سيرتها الأولى.

أو يحسب الحافظ متونًا في

أو يحسب الحافظ متونًا في العقيدة ثم هو لا يبالي بحاكمية الله في الأرض أن ينهشها الطواغيت؛ أن الله قائلٌ له يوم القيامة: أسمِعني متونك من حفظك. فإن هو تلعثم في بعضها؛ قال الله لملائكته: خذوه فغُلُّوه فإنه لم يُحسن حفظها!

هذا حرفٌ لا يُهوِّن في نفسك حفظ المتون، وما كان عملي نحو عشرين سنةً إلا تحفيظ القرآن والمتون فيه وفي السنة وفي غيرهما من علوم اللغة والشريعة؛ لكنه حرفٌ يقول لك: إن للحفظ غايةً، وغايته وغاية كل مطلوبٍ نظريٍّ وعمليٍّ لله من عباده عبادته وحده. وما العبادة بعد ضياع الحاكمية! واقرأ مأمورًا قول الله على لسان رسوله يوسف عليه سلامه: “إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوآ إِلَّآ إِيَّاهُ”.

تالله ما العقيدة إلا انعقاد القلب على إفراد الرب بربوبيته خَلقًا وحُكمًا، وبأسمائه الحُسنى وصفاته المُثلى، وبأن يُفرد بالعبادة والتحاكم وحده، ثم ما يكون باللسان والجوارح لزامًا. فأما حفظ متونها وإتقان فنونها فوسائل علميةٌ لهذه الغاية.

لو جاز أن أدعو لأبناء

لو جاز أن أدعو لأبناء برهامي دعوت لهم؛ فإنهم ذكَّروني أنفسهم وكنت عنهم في شغلٍ، الآن أنشر قصيدةً لي قديمةً كتبتها فيهم بعد ما فضح الله خيانتهم.

يا حزبَ سوءٍ يا براهمةَ الهوى
أنحِسْ بقومٍ ظاهروا الكفارا

والَيتُمُ الطاغوتَ سرًّا ذائعًا
ومكرتمُ مكرًا لهُ كُبَّارا

متدثرينَ بلحيةٍ وعباءةٍ
واللهُ سِتِّيرٌ حليمٌ وارى

حتى إذا علمَ الإلهُ فجوركمْ
ورأى هناكَ الغيَّ والإصرارا

سبحانهُ عزَّ الإلهُ وغارا
كشفَ الغطاءَ وهتَّكَ الأستارا

ما كنتُ أحسبُ أنْ سأهجو مثلكمْ
يومًا أصوغُ بذمِّكمْ أشعارا

برهانُكمْ برهامُكمْ وكفى بهِ
عندَ السَّوافلِ حُجةً وخِيارا

يروونَ عنهُ أعزةً وهوَ الذي
يروي عنِ ابنِ سَلولَ لا يتوارى

هوَ ياسرٌ بلْ خاسرٌ متكسرٌ
لمْ يرْجُ للدينِ الحنيفِ وقارا

قدْ يمَّمَ الأغرارُ قِبلةَ وجههِ
فالخُرْقُ لا يبغونَ عنهُ جوارا

لوْ قالَ كُفُّوا عنْ وِقاعِ نسائكمْ
كَفُّوا هنالكَ خُشَّعًا أبصارا

أوْ قالَ مسُّوهنَّ لمْ يتبصَّروا
تلكَ النساءَ حوائضًا أطهارا

هيَ حكمةُ الشيخِ التي قدْ وجَّهتْ
أعظِمْ بيُمناهُ وجلَّ يسارا

يا حزبَ عِبدانٍ تهافَتَ جمعُهمْ
حسْبُ اللئامِ دناءةً وصغارا

يا خنجرًا في الظَّهرِ ولَّى وجهَهُ
طاغوتَهُ واستدبرَ الأحرارا

أشئِمْ بكمْ منْ رهطِ إثمٍ بائرٍ
أضحى على الإسلامِ عبئًا عارا

إنا وَكَلنا في عقابكمُ هنا
وهناكَ ربًّا مُقسطًا جبارا

يا غيرةً للهِ يُسحتكمْ بها
إلا مُنيبًا أحدثَ استغفارا

اللهم وليَّنا ومولانا؛ والِ بنا من واليت، وعادِ بنا من عاديت؛ أنت العلي الكبير.

يا حبيبي؛ رابحٌ رابحٌ أنت

يا حبيبي؛ رابحٌ رابحٌ أنت بالدعاء وإن رأيت أنه لم يُستجَب لك.

الدعاء العبادة التي ما خُلِقْت إلا لأجلها؛ بل هو خير العبادة وأعلاها.

الدعاء توحيد ربوبيةٍ؛ فلولا اعتقادك أحَدِيَّة الله في خلقه وحُكمه؛ ما دعوته.

الدعاء توحيد أسماءٍ وصفاتٍ؛ فلولا اعتقادك تفرُّد الله بالأسماء الحسنى والصفات المُثلى؛ ما دعوته، ولولا اعتقادك واحِدِيَّته في صفات الكمال وكمال الصفات؛ ما دعوته، ولولا اعتقادك في أسمائه وصفاته ما يليق بها وينبغي لها بين تعطيل المعطِّلة وتجسيم المجسِّمة ربًّا ليس كمثله شيءٌ فيها؛ ما دعوته.

الدعاء الإيمان الجامع بالأسماء والصفات مجموعةً غير مفرَّقةٍ؛ فإنك لا تدعو الله بشيءٍ إلا وقلبك مُوثَقٌ مشدودٌ على الإيمان بحياة ربك وقيُّوميَّته، ورأفته ورحمته، وقوته وقدرته، وعلمه وخبرته، وسمعه وبصره، وعزته وحكمته، وقهره وجبره وغلبته، ومُلكه ومالكيته، وغناه وبرِّه، وحفظه وحسابه وإقاتته، وتوليه وولايته، ووده ولطفه وإحسانه، وكرمه وجوده ومجده، وفتحه وقبوله وإجابته، وعفوه وحلمه ومغفرته، وسعته وإحاطته، وما لا ينتهي من أسماء ربك وصفاته.

الدعاء توحيد ألوهيةٍ؛ فلولا اعتقادك استئثار الله باستحقاق التعبد؛ ما دعوته.

الدعاء اتباعٌ للنبي صلى الله عليه وسلم؛ فلولا تعبدك في قضاء الحاجة بما شرع هو؛ ما عرفت من تدعو، ولا كيف تدعو، ولا بِمَ تدعو.

الدعاء إسلامٌ؛ فهو خضوع قلبك وانقياد جوارحك في اللجأ إلى ربك.

الدعاء إيمانٌ بالله؛ فلولا إقرارك بالله ربًّا؛ ما توجه قلبك ولسانك إليه بالطلب.

الدعاء إيمان بالملائكة؛ فلولا إقرارك بوجودهم وما يفعل الله بهم في استجابات الدعاء؛ ما دعوته، حضرك هذا في الدعاء أم لم يحضرك.

الدعاء إيمانٌ بالكتب؛ فلولا تصديقك ما أمر الله في كتابه من دعائه؛ ما دعوته.

الدعاء إيمانٌ بالرسل؛ فلولا تصديقك الباطن أن الرسل هم أولى العالمين بالدعاء استمساكًا به وحضًّا عليه؛ ما دعوت الله مثلهم، متأسِّيًا بهم.

الدعاء إيمانٌ باليوم الآخر؛ فإنك إذ تدعو الله تعتقد أن استجابة دعائك قد تؤخَّر إلى يوم القيامة، وقد يَعْظُم إيمانك فتؤثر ذلك، ومع هذا لا تكف عن الدعاء.

الدعاء إيمانٌ بالقدَر خيره وشره؛ فلولا أنك تؤمن بخلق الله كلَّ شيءٍ، وعلمه بكل شيءٍ، وكتابته كلَّ شيءٍ، ومشيئته لكل شيءٍ؛ ما دعوته.

الدعاء إحسانٌ؛ فلولا شهودك جلال الله وجماله الذَين ترجو بهما رأفته التي يُدْفع بها الضر ورحمته التي يُجْلب بها النفع -كأنك تراه- ما دعوته.

الدعاء حبٌّ؛ فلولا محبتك الله ما دعوته، وهل يُقصد اختيارًا إلا المحبوب!

الدعاء صدقٌ؛ فلولا اجتماع قلبك على مرادك من الله؛ ما دعوته.

الدعاء إخلاصٌ؛ فلولا إفرادك الله بقصد التوجه؛ ما دعوته.

الدعاء خوفٌ؛ فلولا رهبتك حصول شيءٍ أو عدم حصوله -مما ليس بيد أحدٍ في الوجود كله إلا الله وحده- ما دعوته.

الدعاء رجاءٌ؛ فلولا طمعك في استجابة الله تضرعك إليه؛ ما دعوته.

الدعاء ذكرٌ؛ بالقلب فلولا تذكُّر القلب ربه ما حمل اللسان على الدعاء، وإن أصل الذكر بالقلب، ولئن كان الدعاء باللسان مجرَّدًا؛ فكم يَجْتَرُّ هذا القلب!

الدعاء حمدٌ وشكرٌ ومدحٌ وثناءٌ؛ في نفسه بدلالة التضمن، وبما قد يشتمل عليه.

الدعاء إيثارٌ؛ فلولا اختيارك اللهَ فوق كل مرجوٍّ من الخلائق؛ ما دعوته.

الدعاء تعظيمٌ وإجلالٌ وإكبارٌ؛ فلولا أنك ترى ربك الأعظم الأجلَّ الأكبر؛ ما دعوته.

الدعاء تسبيحٌ وتقديسٌ؛ فلولا اعتقادك تنزُّه الرب عن كل عيبٍ متصلٍ وشريكٍ منفصلٍ؛ ما دعوته، وهل يُخَصٌّ بالسؤال ذو نقصٍ في نفسه مفتقرٌ إلى غيره!

الدعاء تفويضٌ وتوكلٌ؛ فلولا أن قلبك غير معتمدٍ على الأسباب ولا راكنٍ إليها -مهما أخذَت الجوارح بها لا تفرِّط فيها- ما دعوت مسبِّبها.

الدعاء ثقةٌ ويقينٌ؛ فلولا قيامهما بقلبك في ربك وما في يده؛ ما دعوته.

الدعاء هجرةٌ وفرارٌ؛ فلولا شهادتك على سكون الأسباب إلا أن يحركها بارئها؛ ما تركت الاستناد عليها بكُلِّيتك ودعوت الله.

الدعاء صبرٌ؛ فلولا أنك مانعٌ نفسك من السخط على المقدور؛ ما دعوت المقدِّر.

الدعاء افتقارٌ؛ فلولا شهودك فقر نفسك وضعفها وجهلها وذلَّها؛ ما دعوت الله.

الدعاء ذلٌّ واستكانةٌ وإخباتٌ وانقيادٌ وتسليمٌ، وما حقيقة العبادة إلا هذا جميعًا.

الدعاء أنسٌ بالله؛ فلولا حاجتك إلى تحبُّبه إليك وتقرُّبه منك بما تريد؛ ما دعوته.

الدعاء إيقاظٌ للقلب؛ فلولا إنعاشه بإحواجه إلى الله واضطراره إليه؛ بقي جامدًا خامدًا هامدًا، وإنما انتفاع اللسان والجوارح بالقلب إذا كان حيًّا.

الدعاء تزكيةٌ وتربيةٌ؛ فإنه بنفسه -وإن لم تقصد ذلك منه- مطهرٌ للنفس من عُجْبها المحبِط للأعمال وكِبْرها المفسِد للأحوال، ومؤدِّبٌ لها بأضدادها.

الدعاء تشبهٌ بالملائكة والنبيين والصِّدِّيقين؛ فإن سبيلهم الباطنة والظاهرة على كل أحوالهم وجميع أحيانهم؛ هي دعاء الله والتوسل إليه.

الدعاء تعريفٌ بنفسك في السماء؛ فإنك لا تزال تدعو الله وتُلِحُّ في الدعاء؛ حتى يألف صوتَك أهلُ السماء، وإن لم يسمعك سامعٌ من أهل الأرض.

ألم أقل لك: رابحٌ رابحٌ أنت بالدعاء وإن رأيت أنه لم يُستجَب لك!

هل البَغِيُّ التي تبيت كل

هل البَغِيُّ التي تبيت كل ليلةٍ في فراشٍ؛ كافرةٌ بالبِغاء مجرَّدًا؟

الجواب الأوحد لأهل السنة والجماعة: ليست كافرةً، وإن فسقت وفجرت.

هل يُتصوَّر رِثاؤها إذا هلكت من ذي مشيخةٍ في علمٍ ودعوةٍ؟

الجواب الأوحد لأُولي النُّهى: لا يُتصوَّر من مسلمٍ؛ إلا أن يكون أعهر منها.

هل جُرم أكبر عاهرةٍ أغلظ من جُرم أصغر سياسيٍّ للطواغيت؟

الجواب الأوحد لفقهاء الملَّة لا الدولة: جُرمه أغلظ مطلقًا؛ بل لا مقايَسة.

هل قرأت رثاء أُدباء وطلاب علمٍ جيهانَ السادات وطنطاوي؟

نعم وقفت على هذا كله؛ غيرَ أني لم أعجب عجبك لشدة خبرتي بهؤلاء.

هل تعرف ما آتى الله بعض هؤلاء الطلاب من أدبٍ وعلمٍ؟

نعم؛ بعضهم مشتغلٌ بأدبٍ، وبعضهم مشتغلٌ بعلمٍ؛ وكلٌّ وَسِخٌ مهزومٌ.

هل يسوغ وصفهم بذلك؛ على ما هم فيه من طلب العلم؟

هم أخبث من ذلك ولكن أكثركم بالزائفات يبهرون. هتَّك الجبَّار أستارهم.

هل أنت ممن يستخف بالآداب والعلوم، وما أكثرهم اليوم؟

تبًّا لكل أدبٍ وسحقًا لكل علمٍ لا يبرأ أهلُوهما من الطواغيت والطاغين.

هل محرَّمات الإسلام مرتبةٌ عند جَمْهَرتنا بترتيب الله ورسوله؟

لا؛ ليست كذلك؛ بل منا أقوامٌ يعظِّمون الصغائر على نواقض الإسلام.

هل أكثر من قرؤوا “النواقض” في السطر الفائت يعرفونها؟

لا؛ وأكثر معرفة عارفيها مجملةٌ لا تكفي، والله المستعان على الدَّواهي.

هل طواغيت الزمان كفارٌ؛ أم هم فسقةٌ ظلمةٌ زنادقةٌ فُجَّارٌ؟

الجواب الأوحد لمن لم يطمس الله بصيرته: كفارٌ بنواقضَ قطعيةٍ كثيرةٍ.

هل تناسبهم هذه الأوصاف الأربعة؟ أم أنها دون جرائمهم؟

الجواب الأوحد ما دام ميزان الله قائمًا: هي حسناتٌ في جَنْب ما يفعلون.

هل من لم يكفِّرهم -كما تكفِّرهم أنت ومن بصَّر الإلهُ- كافرٌ؟

معاذ الله! منهم جهلاء فضلاء، ومنهم جهلاء فجرةُ، وكثيرٌ منهم منافقون.

هل من فروقٍ بين الطواغيت، وبين شيوخهم العاملين لهم؟

الطواغيت يُعَبِّدون الأجساد، والشيوخ الكُهان يُعَبِّدون القلوب، فهم شرٌّ.

هل أتاك مدح شيخ الأزهر طنطاوي بثباته ضد أعداء الوطن؟

لا جديد، هما إخوةٌ في الدولة المعبودة من دون الله، وغدًا يبكي الخنثى.

هل طلاب العلم المعظِّمون شيخ الأزهر هنا جهلاء بحاله؟

هم بين مجرمٍ مثله لا فرق بينهما إلا في عينك، ودرويشٍ كأَطْرَش الزَّفَّة.

هل من فرقٍ بين شيخ الأزهر وعلي جمعة في هذا الباب؟

الطيب وجمعة والجفري وأبو عاصي والجندي وحسان وكريمة؛ مطبِّلون.

هل توصيني بشيءٍ في هذا المقام؛ غفر الله لك وهداك؟

أوصي نفسي وإياك بواحدةٍ؛ لا تلْق الله وفي قلبك موالاة لمُوَالٍ طاغوتًا.

هنا رجلٌ غير مشهورٍ لكني

هنا رجلٌ غير مشهورٍ لكني أعرف صفحته، يتهمه رجالٌ ونساءٌ عندي أنه أكل أموالًا كثيرةً لهم بالباطل، وأنه يُلَايِن النساء في الخاصِّ بينه وبينهن ويستعطفهن، وأنه يقلِّدني في بعض أسلوب كلامي إذ يكتب في العامِّ وإذ يراسل في الخاصِّ، وأنه يتدسَّس إليهم بذكر أمراضه وما إلى ذلك من بلاءاتٍ، ويحكون عنه ادِّعاءه معرفتي به ومعرفته بي، وأنا لا أعرفه إلا اسمًا هنا ولا أعرف عن ذلك كله شيئًا، وإني داعٍ بدعاءٍ يسمعه الله خبيرًا وهو خير الفاصلين:

اللهم إن كان عبدك هذا بريئًا من هذا كله؛ فبيِّن للمدَّعين عليه واهدهم إليك، فإن أصرُّوا على ظلمهم إياه؛ فأهلكهم، وإن كان فعل؛ فاهده أن يتوب إليك؛ فإن حبيبًا إليك وإلى رسولك ثم إليَّ وإلى عبادك المسلمين أن يتوب ويتحلَّل؛ لئلا يدخل في قول رسولك صلَّيتَ عليه وسلَّمتَ: “لا تُسَوِّدوا وجهي”، ولكيلا يُجازَى في الدارين بما توعَّدت على مثله، فإن أبى وأصرَّ؛ فافضحه اللهم في الدنيا والآخرة وميتًا على خشبة تغسيله يوم يلقاك مغضوبًا عليه. واغوثاه ربَّاه!

كم ألقى كثيرًا من مِثل هذا بين المسلمين! اللهم أعِذنا من الدخول عليك وفي أعناقنا حقٌّ لعبادك لم يُؤَدَّ. ألا إن حقوق العباد مبنيةٌ على المُشاحَّة، وإن بعد الصراط قنطرةٌ لا يُجاوزها ذو حقٍّ عليه إلا اقتُصَّ منه، وإن يوم القيامة يوم الحاقَّة العُظمى، وإنه لا درهم هناك ولا دينار؛ فاتقوا المظالم عباد الله. أليس كافينا ما بيننا وبين ربِّنا من خطايا لا يعلمها إلا هو! فإنه إن عفا يوم القيامة -اللهمَّ اللهمَّ- لم يعْفُ عبادُه المفتقرون إلى مثاقيل الذرِّ من الحسنات.

سألت يومًا سائق أجرةٍ: هل

سألت يومًا سائق أجرةٍ: هل تصلي؟ قال: لا.

قلت له: سبحان الله! قد استدعيتك بإشارةٍ واحدةٍ من يدي، فأجبتني من فورك، وأركبتني عربتك، وتلطَّفت بي، وأنت لا تعرفني؛ ما هذا كله إلا ابتغاء الجنيه.

خالقك الذي جاء بك من العدم لسعادتك في الدنيا بالعبادة وفي الآخرة بالجنة، تبقى في هذه هنا حتى تلقاه محفوظًا من ضَنْك الناس والدنيا، وفي تلك هناك خالدًا فيها أبدًا؛ يستدعيك كل يومٍ خمس مراتٍ بعشر تكبيراتٍ في كل أذانٍ وإقامةٍ، تقول لك كل تكبيرةٍ: الله أكبر منك ومن كل شيءٍ تُشقي نفسك بأنواع الإشقاء لأجله، لا يستدعيك ليستكثر بك من قِلَّةٍ، ولا ليستعز بك من ذِلَّةٍ؛ بل كان أول شيءٍ قاله بعد قوله: “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ”؛ أن قال: “مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ”؛ ليُعْلِم الخلق كلهم أنه لا يطلب أحدٌ غيرُه في الوجود كله شيئًا منهم إلا لمصلحةٍ له، ما حاشا الله؛ فإنه لم يطلب العبادة منهم إلا لمصالحهم هم في الدارين، تعالى الله أن يُنال بنفعٍ أو ضُرٍّ شيئًا.

هذا الرب الأكبر الأكرم يستدعيك كل يومٍ خمس مراتٍ -وانظر كم توالت عليك أيامٌ في أعوامٍ يستدعيك فيها آلاف المرات- وأنت لا تجيب! كم يَغُرُّ حِلم الله!

دمعت يومئذٍ عينا السائق، ووعدني خيرًا؛ فاللهم اهدني وإيَّاه وثبتنا تثبيتًا.

المحمود الله عزَّ جلالُه، والمصلَّى

المحمود الله عزَّ جلالُه، والمصلَّى عليه محمدٌ وآلُه، وبعد؛ ليست الأغاني التي يسمعها أكثر الناس اليوم حرامًا مغلَّظًا لِمَا اشتملت عليه من منكراتٍ قطعيةٍ ظاهرةٍ فحسْب؛ بل هي حرامٌ قبل هذا لأمرين لا يكاد أحدٌ يشير إليهما إشارةً.

الأول: إفسادها في الميزان الذي أنزله الله مع الكتاب وهو العدل؛ فإنها تجور على أعظم معنًى في الأرض وفي السماء وهو الحب جَورًا مبينًا. إي أحبتي؛ لم يخلق البارئ معنًى في الوجود كله أجلَّ من الحب، وليس معنًى في البرايا أحق بالعناية والرعاية منه في حدِّه وما بين يديه وما خلفه، وإن جمهرة هذه الأغاني لتجور عليه وعلى كل معنًى تعلق به بأنواعٍ من الجَور لا يحصيها إلا الله والذين أوتوا راشد الحب من عباده، وليس الجَور على الناس بأشد من الجَور على المعاني؛ فإنها أصول المقاييس وقواعد المعايير، وما انهدام كثيرٍ من بيوت المسلمين اليوم إلا بفساد تصوراتهم عن الحب وما تعلَّق به، وليس خلف ذلك إلا ما خلَّفت الأغاني وما أشبهها من الأفلام والمسلسلات في القلوب والعقول.

الثاني: جناياتها على ذائقات الناس؛ فإنها لم تزل -بانحطاط معانيها، وسُفول مبانيها، وشناعة أصوات أهليها، وكريه طرائقهم في تغنيها- تخسف بالذائقات حتى هوت بعامَّتها إلى سِجِّين، وما تعشُّق أكثر الناس اليوم عقوبة الله الجديدة التي يسمونها “المهرجانات” عنكم ببعيدٍ، وإن حفظ ذائقات الناس لمن مقاصد التشريع اللطيفة جزءًا من حفظ الأنفس والعقول والدين، وما شُكر ربٍّ جميلٍ أبدع الخلق على هذا الجمال الفريد إلا أن يُحفظ فيه، عبادةً قائمةً بنفسها.

بالله الغوث؛ هو وليُّ الصَّوْن عن الخبائث، والمستعان على كل طيبٍ جميلٍ.

تعرفون سُرادقات العزاء هذه! تالله

تعرفون سُرادقات العزاء هذه!

تالله ما أوحى شيطانٌ إلى أولياء ميتٍ مكرًا به عند الله؛ بشرٍّ منها.

لا تزال تأخذ من أولياء الميت أموالهم وأوقاتهم وكَدَّهم، ينفقون عليها ابتغاء المباهاة وعلى الشيوخ الأثَمَة النصَّابين القارئين فيها القرآن يطفحون به، والميت في قبره مستغنٍ عن هذا كله لا ينفعه مثقال ذرةٍ؛ بل يضره غاية الضرر إذ لا يُبقى له من أوليائه إلا نُخَالَة الكَدِّ والوقت والمال ينفعونه بها.

ينصرفون بعد الفراغ منها وقد رضوا عن أنفسهم بما بذلوه كما لو كان من أموالهم، وكأنهم حَجُّوا عنه واعتمروا، ولو قضى الله للميت المسكين خروجًا من قبره دقيقةً لسجد في شطرها سجدةً، وقال في شطرها لهم: اتقوا الله في؛ دعوا ما يضرني، واعملوا ما ينفعني، ما أغناني هنا عن تكاثر أهل الدنيا!

خير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، ولو كان في ذلك خيرٌ لأتاكم به هرولةً، قد كان يذكر الموتى بليلٍ -فداؤه آباؤنا وأبناؤنا- فينهض من فراشه يزورهم فيدعو لهم ويستغفر. أفيَعلم رسول الله فيما يفعل الناس اليوم خيرًا لميتٍ مسلمٍ؛ ثم لا يحض عليه! بئس ما صرنا إليه بعد ما كنا عليه.

لعل المُصِرِّين على ذلك يرتقبون إنكار موتاهم بأنفسهم؛ ليفقهوا.

يا حبيبي؛ أليس الشرع بكافٍ!