لا يُدْمِنُ السخرية من عباد

لا يُدْمِنُ السخرية من عباد الله إلا قاسي القلب، ثم تزيد السخرية قلبه قسوةً حتى يكون أشد من الحجارة فيها. والذي لا يحلف حمزة إلا به؛ لقد أشهدني الله من آثار قسوة هؤلاء في نفسي وفي غيري ما به اعتقدت هذا لا أمتري فيه طرفة عينٍ، ثم يجيئونك بعد ذلك يشْكُون غِلَظَ قلوبهم، وبُعْدَ ما بينهم وبين القرآن والذكر الكثير، ولو فقهوا ما سألوا فيما لم يُصِبْهم إلا بقصدٍ منهم وإصرارٍ.

كل السخرية من كل الخلق حرامٌ، وما استُثني حُكمه من هذا فمقدورٌ بقدْره، وأصله أن يكون في أعداء الله من كافرٍ وزنديقٍ وظالمٍ وفاسقٍ كلٌّ بحُسْبانٍ، وهو محدودٌ بحدود الشريعة المُحْكَمة المُحْكِمة أينما كان، ولا يجوز أن يضحى الاستثناء أصلًا مهما نظُفت المقاصد، ليس المسلمون في عقائدهم وشرائعهم وأخلاقهم ميكافلِّيِّين تبرِّر غاياتُهم وسائلَهم، وقد يُباح الشيء في نفسه ثم يَحْرم في غيره دورانًا على المصالح وجودًا وعَدمًا، ومن أشهده الله سياط قوارع القرآن والسنة كيف تصيب؛ لم يَكَد يُحْوَج إلى ذلك، وفي قول الخليل عليه الصلاة: “بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ” منهاجٌ تامٌّ في حد الاستهزاء المباح لمن اضطر إليه غير باغٍ ولا عادٍ، وفي تعوُّذ الكليم -عليه السلام- بالله حين ظُنَّ به الاستهزاء موعظةٌ بليغةٌ لمن عقل: “قَالُوآ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ”، ومن نسب إلى المِلَّة الغرَّاء همزه ولمزه -بغير حقٍّ- فقد سابق أعداءها في الإزراء بها، وكم مفسدٍ يزهو بنفسه في المصلحين!

إن من المزاح لظلمًا، وإن في الهزل لبغيًا، وكم جُرحت بالمزاح قلوبٌ وخَربت بالهزل بيوتٌ! وإني لأعرف إنسانًا لم يزل بعض أراذل الرعاع يبالغ في السَّفِّ على خِلقته صغيرًا؛ حتى تشوَّهت نفسُه العُمُرَ كلَّه في ذلك، وضعُف منه على الأيام ما ضعُف؛ حتى كان يُنحِّي وجهه عن الناس إلا قليلًا يعتقد أنه دميمٌ لا يُنظَر إليه. والسَّفُّ في عامِّية المصريين: التفنُّن في السخرية. ونحوه قول السُّوقة منهم يهدِّد بعضهم بعضًا: هطلَّعك عالمسرح. وما أشبه ذلك مما لا يُضحك إلا خِفاف الدِّيانة والمروءة والعقول جميعًا، وهم شرٌّ من السافِّين فلولاهم ما استمرؤوا ولا استمروا، وأغبنُ الناس في الدنيا والآخرة من يبيع دينه لدنيا غيره، ومن ذَكَر حديث القنطرة في المظالم يوم القيامة؛ ذُعِرَ أن يُحبَس فيها.

كنت إذا سقطت على الأرض صغيرًا فضحك الأطفال في فصول الدراسة مني -وكثيرًا جرى هذا وأمثالُه لي بضعف بصري وضعف جسدي- عجبت ما يُضحكهم مما آلمني إيلامًا شديدًا! ثم عرفت بعد ذلك تسبُّب المسرحيات ونحوها في تشويه فطرة الجمال والعدل فيهم، ولم يكن في بيتنا تلفازٌ منذ وُلدت حتى خرجت من البيت (2015)؛ لكن ليس في الوجود كله شرٌّ محضٌ بحمد الله عزَّ ثناؤه، وإن ربك ليقدُر بالشر خيرًا لا يقدُره إلا به؛ بغَّض الاستهزاءُ بي صغيرًا الاستهزاءَ بالناس كبيرًا؛ حتى كان يتغيَّظ عليَّ معلِّم الجغرافيا في الإعدادية لا يواري ذلك؛ كلما اعتزلت الطلاب في ضحكهم إذا استهزأ بطالبٍ أو معلِّمٍ، وكان يُثَوِّر على التهكم مني فلانًا وفلانًا في الفصل ليزيداني معه، هما اليوم من ضباط الشرطة الحُقراء، وكل ضابط شرطةٍ كذلك؛ كيف يُقيِّض الله إنسانًا لإنفاذ حُكم الجاهلية في الأرض -كثُر ظلمُه أو قلَّ- وهو يرى في قلبه خيرًا!

رب اغفر لنا، وتب علينا، وجمِّلنا بآداب الإسلام فنكون خير دالِّين عليه دعاةٍ إليه.

#في_حياة_بيوت_المسلمين. ما أيسر جهاد النسوية

#في_حياة_بيوت_المسلمين.

ما أيسر جهاد النسوية بالألسنة والأقلام!

تالله ما أبغض النسوية عبدٌ يشهد ظلم امرأةٍ قد أقدَرَه الله على حمايتها، ثم هو لا يُسْعِفُها بكل ما قدَر، أما الظالمون النساء بأنفسهم فأولئك أعونُ الناس على النسوية وإن لعنوها بكل قلمٍ ولسانٍ؛ فإن العبرة عند الله بالحقائق لا بالصور.

أقبح الظلم ظلم النساء، وأقبحه ما كان من مَظِنَّة رحمتها والقسط فيها فاستبدل بذلك ظلمها والبغي عليها، ولذلك المعنى عطف النبي -صلى الله عليه وسلم- المرأة على اليتيم في قوله: “إني أُحَرِّج عليكم حق الضعيفين؛ اليتيم والمرأة”.

في الحديث الإلهي: “اشتد غضبي على من ظلم من لم يجد له ناصرًا غيري”؛ فلولا أن العاجز عن مجازاة ظالمه بما ينبغي له من الشدة؛ ما اشتد غضب الجبَّار عليه هكذا، ولا يستوي غادرٌ بآمِنٍ إليه وغادرٌ سواه، وكلٌّ عند الدَّيَّان شنيعٌ.

ليس الظلمَ الجزئي العارض اليسير الذي يغشاه أكثرُ الخلطاء أعني؛ فإنه لا يكاد يسلم منه رجلٌ ولا امرأةٌ، إنما هو الظلم الكلي الدائم العظيم. نعوذ بالله من الظلم كلِّه دِقِّه وجِلِّه، واحفظنا اللهم بكل صحبةٍ بالتغافل والتغافر متراحمين.

رأيت في المنام أخي الكبير

رأيت في المنام أخي الكبير ابن شيخنا الأكبر يحيى رفاعي سرور؛ قد أحسن الله به فأخرجه من السجن؛ ما على حميدٍ مجيدٍ بعزيزٍ ولا بعيدٍ أن يجعلها ربي حقًّا فيكون ذلك، وأن يحسن إلينا ويتصدَّق علينا بإنجائه وأمثاله من السادة الأسرى أينما كانوا قريبًا يسيرًا، ما شاء الله كان لا رادَّ لأمره ولا معقِّب لحكمه مهم تخايل عبادُه الشأنَ قَصِيًّا عَوِيصًا، إن ربنا لطيفٌ لما يشاء؛ إذا أراد شيئًا هيَّأ له أسبابه وقيَّض له دواعيه، إنما القضاء قضاؤه والفصل فصله، ليس شيءٌ من أمر أسرانا بيد الطواغيت -مهما سحروا أعين الناس واسترهبوهم- بل بيده وحده سَحَّاء الليل والنهار لا تغيضها نفقةٌ، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماء والأرض!

ما نسيت أخي يحيى ولا حبيبًا من إخواني الأسرى وأنَّى! هذا بلاءٌ لا يُجحد مهما طال أمدُه، وإن لنا مع سجَّانيهم اللُعَناء موعدًا، أدركْناه أو أدركه مَن بعدنا فبلَغ فيهم ثأر الإسلام وثأرهم وثأرنا. ذلك وإني لأرجو الله أن يجعل مثاقيل الذر من شدائد الأسرى -في أنفسهم وفي أهليهم وفي كبد الإسلام الحَرَّى- سوادًا في موازين سيئات كهان الطواغيت قبل الطواغيت أنفسهم؛ أولئك المُرَقِّعون للطواغيت يُقِرُّون حُكمهم ويسألون الله تأييده لهم! كأن الربَّ -تقدَّس عن الغفلة- لا يسمع فظائعهم ولا يرى شنائعهم! ولو كانوا يؤمنون بحاكمية الله ما فعلوا؛ لكنهم وإن وحَّدوا الله في الربوبية هم به في المعبودية مشركون.

#في_حياة_بيوت_المسلمين. أربعٌ إذا كُنَّ في

#في_حياة_بيوت_المسلمين.

أربعٌ إذا كُنَّ في الرجل يريد خِطبتكِ؛ فلا عليكِ من نقصٍ به وعيبٍ: حرصه على رضوان الله، وعقلٌ يُرَدُّ إليه، وكرمٌ ظاهرٌ، ولِينٌ صادقٌ، وثِنتان إذا كانتا في المرأة تريد خِطبتها؛ فلا عليك من نقصٍ بها وعيبٍ: الإيمان بالحياء، والكفر بالنسوية.

فأما حرص الرجل على رضوان الله فنظريٌّ وعمليٌّ؛ النظري: حرصه على معرفة ما لربه من حُكمٍ فيما يترك ويفعل، ولو لم يكن طالب علمٍ؛ بل حسْبه أن يسأل فيما يجهل من يثق بدينه وأمانته، العملي: حرصُه على العمل بما علم ولو على الجُملة؛ فإنه لا يخلو عبدٌ من تفريطٍ؛ غير أن الحريص على الرضوان لا يكاد يعمد إلى العصيان، فإن عمد أو غُلب أسرع بالإياب، وليس الحريص على رضوان ربه الذي لا يعصيه قطُّ؛ لكنه الذي إذا ذُكِّر تذكَّر، فكان لكسر عبوديته من الجابرين.

وأما عقله؛ فإن الإيمان يزيد وينقص، فعسى إن نقص فرُدَّ إلى عقله كان إلى مقتضى الإيمان أقرب؛ وليس بعد ضعف العقل بعد ضعف الإيمان قوةٌ تُرجى.

وأما كرمه؛ فإنه ترجمان إيثاره، وما عَمِرت البيوت بخُلقٍ كالإيثار ولا خَرِبت بخُلقٍ كالأَثَرة، والكرم يستر كل سيئةٍ وإن جلَّت، والبخل يهتك كل سيئةٍ وإن دقَّت.

وأما لِينه؛ فأصرح شواهد سلامته النفسية من الكلاكيع، أن يلين للتي هي أقوم من الشرع أو العُرف إذا بُيِّن له من أوليائكِ أو منكِ؛ هذا عطاءٌ بغير حسابٍ.

وأما إيمان المرأة بالحياء؛ فأن يكون في قلبها عقيدةً، تؤمن به إيمانًا؛ تصديقًا بالقلب، وإقرارًا باللسان، وعملًا بالجوارح؛ لا نُخَالَةَ خجلٍ مصنوعٍ رِئَاءَ الخاطبين.

وأما كفرها بالنسوية؛ فالنسوية اليوم دينٌ ذو عقائد وشرائع وأخلاقٍ، لا يوجد منه شيءٌ في امرأةٍ إلا أعدم مِثلَه من الإسلام، والظافر بكافرةٍ به هو الناكح أنثى.

هنا خطابةٌ تزعج الناعمين من

هنا خطابةٌ تزعج الناعمين من طلاب علمهم؛ فليجتنبوها رغدًا.

هذا حرف اعتذارٍ إلى الله والرسول والإسلام؛ لا أريد به إعجاب عاجبٍ.

يا عليمُ اشهد، يا خبيرُ اشهد، يا سميعُ اشهد، يا بصيرُ اشهد؛ كفى بك شهيدًا.

بينما يتخذ نفرٌ هنا من أشباه الناس دينَ الله الأقدسَ لهوًا ولعبًا، يَعبدون أنفسَهم عبادةً خفيةً على أكثركم غيرَ خافيةٍ على الإله المحيط، ويُعَبِّدون عباد الله -حيارى آخرِ الزمان- للقصور تارةً وللقبور تارةً أخرى، لا يبالون بتوحيدهم وعبادتهم ما داموا لأنفسهم الدميمة شاهرين ولذَوَاتهم الخبيثة مظهرين، سوَّد الله في الدُّور الثلاثة وجوههم وأخزاهم وهتَّك أستارهم ومَقَتَهم مقتًا عظيمًا، بينما هم كذلك؛ إذ مرِض شيخٌ جليل القدْر في الإسلام علمًا وعملًا بالكورونا في سجنٍ من سجون مصر الأسيرة بأَسْرها، فاستاقه حكامها الكفرة الفجرة أبناء القردة والخنازير إلى مشرحة موتى بقاهرة أهلها فوضعوه حيًّا بينهم، والله يكتب ما يفعلون.

ذاكم الشيخ “مَدْيَنُ”؛ وليٌّ من أولياء الله الذين هم أولياؤه بحقٍّ بما بسط لهم من شرف مقاتلة أعدى أعدائه في الأرض، أسلمه طواغيت السودان إلى طواغيت مصر منذ مدةٍ، فأداموا حبسه سقيمًا لا يقدر على شيءٍ، وسامُوه سوء العذاب في ظلمات مكاتب التحقيق التي لا نور فيها إلا ما في صدور السادة المعذَّبين، شيخٌ يُعَرِّفه الحُقراء من عبيد هذه الدار النَّكِدَة بأنه جهاديٌّ، وربُّك الله في عليائه فوقَ عرشه وسمائه بريءٌ ورسولُه من دينٍ لا يقاتل أهلُه طواغيت العرب قبل العجم وإنْ بألسنتهم، صَحِبَه الأبرار في العافية وفي البلاء فأشهدَهم الله زهدَه في الدنيا وذُلَّه على المؤمنين وعزَّتَه على الكافرين وعلمًا بالوحيين وفيرًا.

أنجبته السلفية التي ما أنجب أكثرَ مقاتِلة الطواغيت -هذا الزمانَ البئيسَ- مثلُها، فلله الحمد الجميل إليها ولله الحمد الجزيل عليها، كأنما تعتذر السلفية إلى الله عمَّن خرج عنها -على حين غفلةٍ منها- من عبدة الطواغيت الذين يسميهم الناس جاميةً ومداخلةً. فأما صوفية اليوم فأين مقاتِلة الطواغيت منهم في الأرض كلها إلا قليلًا! ألا إن صالحيهم السادة المجاهدين في تاريخ الإسلام -حتى زمانٍ قريبٍ منا- بُرآء منهم حتى يفيؤوا إلى الإسلام الكامل لا يفرِّقون بين شرائعه. أشهد للسلفية بهذا وأنا لا أُعَرِّف نفسي بأكثرَ ولا أعظمَ مما عرَّف الله به المسلمين من وصف الإسلام، حسبي الإسلام نعتًا ونِعْم الثناء؛ توفاني الله عليه وإياكم.

ذاتَ هوانٍ على نفسه؛ كتب أزهريٌّ على صفحته من قريبٍ: حسْب الأزهر شرفًا أنه لم يُخَرِّج تنظيماتٍ إرهابيةً. وبِغَضِّ البصر عن فاضح جهله ومبين غبائه، وما الشيخان الفريدان عبد الله عزام وعمر عبد الرحمن -من رؤوس الإرهابيين لأعداء الإسلام- إلا أزاهرةٌ، وما أبناء الأزهر في صفوف السادة المتطرِّفين إلى ربهم -لا يُحْصَون عدًّا- إلا شهودٌ عليه؛ بَيْدَ أني لما قرأت هذا المنشور الخَسيف؛ ذكرت قول القائل: يُقضَى على المرءِ في أيامِ محنتهِ ** حتى يرى حَسنًا ما ليسَ بالحَسنِ! أوَ هذا مما يباهَى به يا قوم! أفإن لم يُخَرِّج الأزهر مقاتلين للطواغيت -أنجَسِ أهل الأرض وكل كوكبٍ تحت أديم السماء- يفاخِر مسلمٌ بذلك!

يا عباد الله الميامين؛ لا يُشَوِّهَنْ قتالَ الطواغيت في قلوبكم وعقولكم مُشَوِّهٌ فاجرٌ وإن أُشير إليه في علمٍ ببنانٍ، كفلانٍ هنا وفلانٍ وفلانٍ، مهما جلَّت أخطاء المُقاتِلِينَهُم وجمَّت، والله ورسوله ودينه والمسلمون منها خطأً خطأً بَراءٌ؛ لكنَّ تصورات فلاسفة المسلمين والجهمية والمعتزلة والاتحادية والجبرية الفاسدة عن التوحيد لا تُسقط التوحيد، وتجارب الحُكم بالإسلام البشرية المنتسبة إليه في التاريخ القديم والحديث مهما عظُمت أخطاؤها لا تُسقط الحُكم الإسلامي، وما أحدث كثيرٌ من بني الإسلام في أركانه وشعائره من البدع والضلالات لا يُسقط الأركان والشرائع؛ كذلك قتال الطواغيت مهما غَزُرَت خطايا أهله لا يَسقط.

ترون أولئك المظهرين شفقتهم على عامة المسلمين -اليوم- في أخطائهم العقدية والنُّسكية والأخلاقية رُؤَفاءَ حقًّا! لا والله الحَكم الحق خير الفاصلين؛ بل كذبةٌ قُساةٌ مُغْلظون، يتمحَّلون المعاذير لكل ذي بدعةٍ في المسلمين وإن بلغت به حد الزندقة، فإذا أخطأ مقاتلو الطواغيت في نظرٍ أو عملٍ؛ شنَّعوا عليهم بل على الشعيرة نفسها لا يرحمون، ولو كانوا يعادون الطواغيت لم يفعلوا. قتل سيدُنا أسامة بن زيدٍ رجلًا خطأً وهو هو رضي الله عنه، وقتل سيدُنا خالد بن الوليد بني جذيمة وهو هو رضي الله عنه؛ كيف يُظَن بمقاتِلة اليوم وهم المساكين الغرباء! نعوذ بالله من قبول باطلهم، وكم تبرأنا من خطاياهم!

يقصُّون عليكم من روائع قصص الخلافة الراشدة وما تلاها من تجارب الحُكم الإسلامية البشرية ما يقصُّون، وقد علم الله وأولو العلم من عباده أن فيها من الأخطاء النظرية والعملية أنواعًا وكمًّا وكيفًا ما لا طاقة للعدِّ بإحصائه، كلما دنا الزمان من النبوة قلَّت الأخطاء وكلما بعُد كثُرت، لا تستوي الخلافة الراشدة وما أعقبها؛ كيف تظنون بضعفاء اليوم الذين انتهضوا بخالص الانتماء للإسلام ونبيل الهَمِّ لأهله يقاتلون الطواغيت وحدهم! تالله ما شُكرُهم من صادق النسبة إلى الإسلام إلا أن يُسدِّد لهم علمًا وعملًا، وأن يشهد لهم بالجلال ما دام لم يشهد على نفسه بالحَقارة؛ لا أن يسابق طواغيت العالم اللُعَناءَ في البراء منهم.

ربنا ما ثبَّتَّ قلب عبدك مَدْيَنَ على الإسلام؛ لم يضرَّه أذًى في جسده، فداءُ دينِك الأجلِّ جسدُه وروحُه ومثلُ ذلك منا ومن المسلمين جميعًا، كم أكلت الأرض من عافية الناس يا شياطين الحُكم في مصر! إن جنة هؤلاء الذين قاتلوكم في مصر وفي الشام وفي ليبيا وفي غيرها في صدورهم، وإن لهم من ألوان السعادة في بلائهم أضعاف ما عليكم من صنوف الشقاء في عافيتكم، حتى إذا صرنا وإياكم إلى القيامة رجونا غفران الله ورضوانه، وكنتم بحمد الله حَصَبَ جهنم لا يخلف الله الميعاد. واكْبِت اللهم علمًا وطُلَّابَه لا يزيدون عبادك بهذا إلا جهلًا.

يا عليمُ اشهد، يا خبيرُ اشهد، يا سميعُ اشهد، يا بصيرُ اشهد؛ كفى بك شهيدًا.

ثم كانت سنة كذا وكذا

ثم كانت سنة كذا وكذا من سنين نَحِسَاتٍ قُبيل آخر الزمان، وفيها أنكر شيخ الأزهر -عامله الدَّيان بعدله- الرِّق، وفي إنكاره إنكارُ أحكامٍ قبله وأحكامٍ بعده، ولم يكن أول ما أنكر رجل مبارك والسيسي من أحكام الإسلام القطعية، ولا هو بالآخر.

لو أن الله شغل شيخ الأزهر باسترقاق ملعون مصر مصر وأهلها هذا الاسترقاق الأسود؛ ما قدَر أن يشغل هو نفسه بإنكار الرِّق من أحكام الإسلام عصمةً من الله؛ غير أن الله لا يمنع المخازي أهلها كما لا يَحرم المعالي أهلها وله العزة.

لمَن ينكر شيخ الأزهر الرِّق (الذي أحكامه في الإسلام مُتَّسِقَةً تاجٌ على رؤوس الأرِقَّاء إلى ليلة القيامة)! لمرتدِّي الداخل الذين غلبوا مسلمي البلاد على كل مالٍ لهم فنهبوه! أم لكفار الخارج الذين لا يرضون بأقلَّ من استعباد الأمم أَنْصِبَاءَ.

ليس هذا بالحديث إليه، ولا إلى شيعته الخُرس المهازيل؛ فإنه لو كان للإسلام سيفٌ يتقلَّده أهله اليوم لكان له حقُّ الحديث وحده؛ لكنَّ سيف الله وإن خفا عن أبصار المغترِّين قائمٌ تشهده بصائر المُصَّدِّقين، وإن لهم موعدًا لن يُخلَفوه.

حامت نفسه حول عقله تؤزُّه

حامت نفسه حول عقله تؤزُّه لسؤال ربه: رب لم منعتَني كذا من الدنيا وقد تعلم أني أشتهيه! قطع حَوَمَانَها الخارجَ بها عن حد العبودية تحت سُرادقات الربوبية يسألها هي: لماذا أنا حيٌّ وآخرون موتى! لماذا أنا طليقٌ وآخرون أسرى! لماذا أنا صحيحٌ وآخرون مرضى! ما لي عند ربي حتى يبسط لي من أنواع العافية هذه وسواها ما قبض عن سواي! تَرَيْنَنِي ممتازًا عند الله بحَظْوةٍ ليست لميتٍ انقطع عمله حين أفسح ربي في أجلي! أو أسيرٍ حُرِم أهله وبيته وحرمانُه اختيارَه أوجعُ من كل حرمانٍ حين أعطاني ربي ذلك كله موفورًا! أو مريضٍ مُرْتَهَنٍ بعلَّته في فراشه لا يرجو فوق الصحة من الدنيا كلها عطاءً حين أنشطني ربي في الحياة غير مغلولٍ بقيدٍ! ثم تَرَيْنَ ربي منعني شيئًا هو لي وكان حقًّا عليه أن يؤتينيه!

يا حبيبي؛ إن النفوس إذا لم تُغْزَ بالرَّشَد غزت أصحابها بالغَواية، وإلَّا تَخْطِم أنت جُمُوحَها فتمتطي بالعقل ظهرَها؛ تركب هي عقلَك فلا تُبقي من رزانته شيئًا.

يا حبيبي؛ نفسك التي تقطع على عقلك مرادات كماله التي أراد الله له؛ لا تعرف بعدُ ما تريد هي من مظاهر النقصان؛ فأنَّى تجعل لحيرانَ على مهتدٍ سبيلًا!

#في_حياة_بيوت_المسلمين. لمَّا (حُب جاهلي) بينتهي

#في_حياة_بيوت_المسلمين.

لمَّا (حُب جاهلي) بينتهي من أحد الطرفين بالتوبة والاستقامة مع الله، والطرف التاني يضغط عالأول عاطفيًّا مرَّة، ويهدِّده مرَّة، عشان ترجع المَيَّه منه لمَجاريها؛ فده -مع كُونه أنانية فجَّة، وشهوة قذرة- (خُلُق فرعوني) استبدادي قديم.

فرعون -لعنه الله- عمل كده بالضبط مع سيدنا موسى عليه السلام؛ في البداية حَب يضغط عليه عاطفيًّا، قال له: “أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِك سِنِينَ”، وبعدين قلَب عليه وهدِّده، وقال له: “وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ”.

إيه يا فرعون! كنت بتتكلم هادي.. وتربية.. وعِشْرة عُمْر؛ قلبت ليه كده!

عواطف وظيفية.. وِجدانيات السوق.. مشاعر براجماتية، والأغراض أمراضٌ.

شهواتٌ عارضةٌ رخيصةٌ يغلِّفها سُكارى السِّكك بأغلفة الحب النبيل، وتعسًا لهم!

الحب الحقيقي اللي بيعيش يا حبيبي؛ هو اللي بيحفظ فيه الطرفين بعضهم من الفساد والتلف، ومفيش فساد ولا تلف أكبر من مساخط ربنا وآثارها عليهم.

نفسي نصدَّق ربنا قبل ما نغرق، تصديق المؤمنين حقًّا، مش كلام والسلام.

حافظوا -يا غاليين عالدِّين- على قلوبكم؛ عواطفكم ومشاعركم، متبتذلوهاش.

جوابٌ عامٌّ في داء الوسواس

جوابٌ عامٌّ في داء الوسواس (إذا كان خفيفًا عارضًا)؛ لا الوسواس القهري الثقيل الدائم أنقذ الله أصحابه، جعلته بالعامِّية ليَعُمَّ النفع به إن شاء الله:

امسك الوسواس من أوله بكل قوة.

لو فلت منك أول فيمتو ثانية؛ انسى خلاص.

أول جزء من الثانية؛ مخَّك بيقول لك فيه: كذا وكذا.

هِز راسك فورًا هزة قوية؛ هيتقطع تفكير مخَّك على الفور.

لما يتقطع؛ مترجعلوش تاني بقى، مش ندْر ولازم توفِّي بيه يا رخم!

لو رجع بمزاجك أو غصب عنك؛ اقطعه بهَز راسك تاني، أو اقطع تفكيرك بأي قاطع؛ رباني كأي ذكر من الأذكار، أو بشري كحركتك في أي اتجاه.

لو راحت منك اللحظة الأولى ومشِيت ورا مخَّك؛ هيفسَّحك حرفيًّا (وحقه بصراحة.. أنا شخصيًّا لو مكان مخَّك ولقيتك سهل تتفسَّح كده هفسَّحك).

ساعتها؛ متسألنيش ولا تسأل غيري.. محدش متفرغ لنشاط مخَّك الزايد.

مهمتي إني أقول لك قبل ما تركب قطْر الوسوسة: متركبش يا صاحبي.. لو ركبت براحتك.. مليش دعوة بيك.. انت حر.. ده اختيارك.. تحمل نتيجة تفريطك في اللحظة الأولى.. النتيجة دي ممكن توصلك للشك في البديهيات.

خد مثال واقعي متكرر؛ واحد وصل لمسح ودانه في الوضوء، وهو بيتوضى على الأقل بقاله عشر سنين، يعني يقينًا موصلش لودانه غير بعد كل اللي قبلها؛ فجأة بيشك إنه ما مسحش رأسه، لو رجع خطوة لمسح رأسه؛ هيشك إنه مغسلش ذراعيه، ولو رجع لغسل ذراعيه؛ هيشك إنه مغسلش وشه، لحد ما هيبدأ الوضوء من أوله حقيقي، ده إذا ما رجعش الحمام يستنجى تاني.

الرسول عليه الصلاة والسلام هو اللي نبِّه لضرورة مسك الخيط ده من أوله: “يأتي الشيطانُ أحدَكم فيقول: من خلق كذا وكذا؟ حتى يقول له: فمن خلق ربَّك؟ فإذا بلغ ذلك؛ فليستعذ بالله ولينته”، فبقى المفتاح هو اللفظة المعجزة دي: “ولينته”؛ حتى إن بعض العلماء كان بيقول: علاج الوسواس ترك الوسواس.

اللحظة الأولى دي في مشكلتك؛ لحظة مولانا أبو اسماعيل (الفارقة) الله ينجِّيه.

قطْر الوسوسة مبيقفش غير في آخر محطة.

يا رب تفهم طبيعة مشكلتك كويس، وتسمع الكلام.

مفيش إجابة شرعية ولا منطقية هتقنع مخَّك؛ فمتنخورش عليها من حد.

أي محاولة للإجابة على أي تساؤلات لمخَّك في حالته دي؛ عدوان كبير عليه.

مخ الموسوَس بيكون مهيبر ومهنِّج لوحده، فالمعلومات بتضره مهما كانت قليلة، حتى لو معلومة واحدة، وحتى لو معلومة شرعية؛ بل ممكن الشرعية تربكه أكتر من جهة إحساسه بمسؤوليته تجاهها مع عجزه عن مطاوعتها.

بالظبط زي أي كمبيوتر أو موبايل هنِّج لأي سبب؛ الضغط على أي مفتاح بأحسن قصد في الدنيا غالبا بيزود التهنيج.

اللي هتسأله عن الوسوسة فهيجاوبك شرعيًّا؛ يبقى هو مش فاهم طبيعة المشكلة مهما كان علمه الشرعي، وده ملوش أي علاقة بالشريعة نفسها.

اللي هيجاوبك عقليًّا ومنطقيًّا؛ هيظلمك كمان؛ لأن مشكلة الموسوَس وإن كانت بتبدو منطقية من حيث الشكل والصورة؛ إلا إنها مشكلة نفسية مخِّية.

لو إيدك بتترعش رعشة مَرضية موصولة؛ مفيش حل آلي ليها (بعيدًا عن الحلول الطبية)؛ غير إني أقفشها جامد جدًّا فأمنعها من الحركة.

المخ كذلك في وضع الوسوسة؛ بيكون في حالة ارتعاش وقلقلة وتذبذب واضطراب، فمفيش حل في الدنيا غير إنه يتقفش قفشة جامدة ومرة واحدة.

أي تراخي أو استرسال معاه مُهلِك ليه؛ سواء من الموسوَس أو من اللي بيتعامل معاه في مشكلته بقصد المساعدة وهو مش فاهم طبيعتها.

مشكلتك نفسية بالدرجة الأولى، ومخِّية في الدرجة التانية، ولو كبرت معاك لازم دكتور وكيميا، وده شيء عادي ميخضش، والكيميا متفاوتة الأنواع والآثار، باختلاف طبيعتها وطبيعة المريض، وكتير بتكون لفترة وخلاص متقلقش.

لو عالجتها معرفيًّا بفهم الكلام ده أو غيره، وسلوكيًّا بإنك متسترسلش معاها ولا أقل من لحظة، وتحرك دماغك (أو تفصل بأي فاصل.. المقصود قطع سيلانك الذهني)؛ هتستغنى بفضل الله عن العلاج الكيميائي ومشوار الدكاترة.

هل للشيطان دور في مشكلة الوسوسة؟

الشيطان مش موجود في الأرض حضرتك عشان حد غيرك، فاستغلاله أي ثغرة نفسية أو عاطفية أو جسدية أو عقلية أو فكرية أو اجتماعية أو إيمانية فيك؛ ده أكل عيشه الطبيعي جدًّا في حياتك، وسؤالك ده بينرفزه جدًّا.

الشيطان بينفخ في المشكلة النفسية المخِّية دي، وبيزودها لأغراضه المعلومة، وتأثيره في الجانب الجسدي في الإنسان حقيقة شرعية وقدرية ليها شواهدها، زي استحاضة النساء كده، وكده بيدخل بُعد تاني في المشكلة على الخط.

الكلام إذا نفع الموسوَس؛ فهو المحدَّد المحدِّد.

عزو الوسوسة للشيطان بس غلط، وتبرئته منها غلط.

للموسوَس الأخذ بأيسر أقوال الفقهاء في مساحة وسواسه.

إذا كان التيسير سمْت عام للشريعة؛ فهو بزيادة جدًّا للموسوَس.

زي ما نبهت أول المنشور؛ الإجابة دي في الوسواس الخفيف العارض.

قال الحسن البصري لموسوَسٍ: “توضأ وصلِّ؛ ولو رأيت البول على فخِذِك”.

قال ابن رجبٍ: “الظاهر من أفعال المكلفين للعبادات أن تقع على وجه الكمال”؛ فشَكَّك في عبادتك اللي متعود عليها -إذا كنت موسوَس- محض أوهام.

لو وسواسك طوِّل أو غمَّق عياذًا بالله؛ فانت محتاج تشوف هل وراه مشكلة نفسية (اكتئاب أو فصام أو قلق أو غيرها)، أو مشكلة جسدية مش منتبه لها، أو منتبه بس مش متخيل تأثيرها في الوسواس، أو مشكلة بيولوجية في كيميا دماغك، أو مشكلة جِينية وراثية، وتتحرك باتجاه المعالجة بالرجوع لطبيب مسلم (مش علماني)، ربنا يعتَّرَك في واحد ابن حلال لو راجل ويعتَّرِك في واحدة بنت حلال لو ست، ومحتاج تقرَّب من ربنا على أد ما تقدر؛ تدعيه بصدق إنه يعافيك، تتعوذ بصدق من الشيطان المستغل لمرضك، تِجرَّد تفويضك وتوكلك، تِراجع ولاءك وبراءك، الصدقة سرًّا، استغفار وحوقلة وصلاة على النبي وآيات الشفاء والسكينة. ده ركن في العلاج أصيل لازم تعتقده، انت مش كائن الإلحاد المادي بتاع معادلات الكيميا والفيزيا اللي ملهاش حد يسأل عليها، وبرضه امسك أول خيط الوسواس لو لسه ليك فرصة. قلبي معاك ودعائي ليك يا اخوي.

تعلَّموا الاقتصاد في الذنوب؛ قبلها

تعلَّموا الاقتصاد في الذنوب؛ قبلها وخلالها وبعدها.

– الاقتصاد قبل الذنب:

ما استطعت أن تؤجِّله؛ فأجِّله. ولم لا تستطيع!

ألَا إن أشرف العجز العجز عن معصية الله، وأخسُّ القدرة القدرة عليها؛ اللهم عجزًا شريفًا عن عصيانك لا يغادر قلوبنا وألسنتنا وجوارحنا ما بقينا.

لعلك -صانك الرحمن وزانك- إن أجَّلت الذنب؛ أحرزك الله منه فلم تُقارفه، واذكر طاعاتٍ كثيرةً أجَّلتها -ويا خجَل القلوب من الله!- أفلا تؤجِّل عصيانك!

– الاقتصاد خلال الذنب:

لا تسرف فيه؛ لا تستوف لذَّاتِك كلها منه.

إذا كان ذنبك يُقضى بوسيلةٍ واحدةٍ؛ فلا تعْدُها إلى غيرها؛ ذاك أسلمُ لقلبك حالًا ومآلًا، وكم جرَّبتَ فخرَّبتَ! أوقد نسيت آثار سوالف توسُّعك السُّوأى!

إذا كان ذنبك يُقضى بك وحدك؛ فلا تورِّط معك فيه غيرك؛ ذلك أخف لك عند ربك لو ذهبتْ عنك سَكْرتك فشهدت القبائح كما هي، وهَبْ أن ربك الوهاب وهبك من لدنه توبةً؛ من أين لك توبة من انتهك بك حُرمةً من حُرماته!

إذا جاءتك رسالةٌ من الله خلال ذنبك؛ فأحسن استقبالها، فإنك إن أحسنت استقبالها؛ تابَعَك الله بأخواتها عند غيره من الذنوب لم يَحرمك، وإنه -من قبلُ- أدبٌ مع الله عظيمٌ، ثوابه حياؤه منك يوم تلقاه جزاءً وفاقًا.

من ذلك العُطاس يقدُره الله لك خلال معصيتك؛ رسالةٌ منه حقُّها التعظيم والإجلال، أولست ممن يقول إذا عطس: الحمد لله! فالآن لا تحمد الله على عُطاسك فحسْب؛ بل على رسالةٍ ناولك إياها حين لم يناولها غيرَك.

تذكَّر أن المعصية ليست مقصودةً لنفسها؛ بل هي غلبة الشهوة أو الغضب أو غير ذَيْنِ من بواعث المعاصي، فإذا صرَفك الله عنها بصارفٍ من الصوارف -رأفةً بك ورحمةً لك- فانصرِف؛ فإن انصرافك عنها بعد اشتهائك لها مقامٌ يُعجب الله في عليائه، ثم إن جزاءه نعيمٌ في الجنة يقال له: الإيواء؛ قال الله فيه -علا وتعالى-: “وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى”؛ ما أدقَّ وصف الجنة في هذا السياق بالمأوى!

إن مشتهى الإنسان من آثامه إراحة نفسه أو إراحة جسده أو إراحتهما جميعًا، إراحتهما من تعبٍ حقيقيٍّ أو تعبٍ أتعَبَهما هو به، هذه الراحة إن وجدها بطريق معصيةٍ لم تكَدْ تصفو له، مهما كَدَّ في تحصيلها؛ بل تُنغصِّها عليه مكدِّراتٌ لا يحصيها إلا الله والذين ذاقوها. أما في الجنة فالراحة الراحة، والمأوى المأوى؛ يرتاح كل شيءٍ فيك بكل رَوْحٍ فيها، ويأوي كل شيءٍ بك إلى كل سكنٍ بها.

لهذا ونحوه سماها باريها دار السلام؛ سلِمتْ كل لذةٍ فيها من كل آفةٍ، فهذا والله المشتهى والمنتهى؛ لا لذةٌ تحفُّها الآلام من كل مكانٍ، ثم لا تُعْقِب إلا أسَفًا.

– الاقتصاد بعد الذنب:

لا تفرح به في نفسك، ولا تجاهر به عند غيرك.

ويحك! ألم تقض منه وطرك! ألم تُسكِّن غضبك أو شهوتك! لِم تأبى إلا أن تزيد في سيئاتك وبما لا ينفعك بعدها! أي الناس أحمق من هذا وقتئذٍ!

“فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَٰفَ رَسُولِ ٱللَّهِ”؛ تالله ما عوقبوا بمثل هذا التقريع عذابًا، إنه -إذ يحكيه الله عن قلوبهم لا تخفى عليه أسرارها- أغلظ عليهم من عذاب جهنم بكل فظائعه؛ واغوثاه رباه من فرحٍ بعصيانك حتى نلقاك!

ألست -مهما عصيت الله في قليلٍ أو كثيرٍ- تحب الله! فأنَّى يُفرحك ما لا يُفرحه! ألست -مهما عصيت الله في قليلٍ أو كثيرٍ- تكره أن يجترئ عليه الخلق بالمعاصي! فلم تجاهر بها وما المجاهرة إلا حضٌّ عليها ودعوةٌ إليها!

يا حبيبي؛ الآن فأغلق منافذ العصيان التي بصَّرك الله بها في سوابق الأوزار، وبادر بالتوبة شهادةً على نفسك بديمومة الافتقار، وقل: رب ما زادني الشرود عنك إلا حاجةً إليك، أنا البعيد حتى تقرِّبني، المقطوع حتى تصِلني، المحروم حتى تعطيني، الوحشان حتى تؤنسني، لا ملجأ ولا منجا لي منك إلا إليك.

يا حبيبي؛ الآن وقد عزمت على الاقتصاد في خطاياك وأنقذك الله منها؛ فإني مُهْدِيك هديتين عن نبيك وعن ربك؛ فأما عن نبيك -صلى الله عليه وسلم- فحديثٌ رفيقٌ كريمٌ؛ “الندم توبةٌ”، وأما عن ربك -عزَّ ثناؤه- فأثرٌ حميدٌ مجيدٌ؛ “لَلَّهُ أفرح بتوبة عبده من العقيم الوالد، ومن الضال الواجد، ومن الظمآن الوارد”.

اليقين أن رسول الله يستحق إقرارَك عينَه، وأن الله يستحق تفريحك إياه.