خُلقتَ ضعيفًا فقيرًا عاجزًا لا

خُلقتَ ضعيفًا فقيرًا عاجزًا لا تعلم شيئًا، ثم تقلِّبك مقادير الله في الحياة بين العافية والبلاء، العافية الغالبة؛ شهد القدر والشرع والمؤدَّبون، فإذا عوفيت أوهمتك العافية أنك قويٌّ مستغنٍ قادرٌ بكل شيءٍ عليمٌ، ثم يردك البلاء -كلَّ آونةٍ- بين يدي نفسك إلى شهود أصلك؛ الضعف والفقر والعجز والجهل.

لو لم يكن في العافية سوى إنسائك حقيقتك لكفى بها بلاءً، ولو لم يكن في البلاء سوى تذكيرك حقيقتك لكفى به عافيةً. نحن قومٌ نسأل الله عافيته كمالًا تمامًا؛ لكنْ إذا نزل البلاء بساحاتنا شهدنا بركات الله فيه، وأي بركةٍ أعظم من قدرٍ يُظهر ضعفي وافتقاري وعجزي وجهلي؛ بين يدي سيدي ومولاي؟!

قد ألهم الله كل نفسٍ

قد ألهم الله كل نفسٍ فجورها وتقواها؛ من نفس أبي بكرٍ إلى نفس أبي جهلٍ، وإن خير الناس في المعاملة من استخرج تقوى النفوس وكَبَتَ فجورها، وشرهم من استخرج فجورها وكَبَتَ تقواها، ولقد رأيت أناسًا لهم في استخراج فجور عباد الله المتقين ملكاتٌ شيطانيةٌ فائقةٌ، ورأيت من يحسن كبت فجور الفاجرين بتوفيقٍ من الله إحسانًا، نسأل الله أن يصون بنا عباده عما يسخط، وأن يستخرج بنا منهم ما يرضى.

دخلت المقابر مرةً لدفن ميتٍ،

دخلت المقابر مرةً لدفن ميتٍ، فلما عاينتها ارتاعت نفسي، ثم ذكرت قول أبي الطيب فأنشدته:

أينَ الأكاسرةُ الجبابرةُ الأُلى ** كنزوا الكنوزَ فما بقينَ ولا بقُوا

مِنْ كلِّ مَنْ ضاقَ الفضاءُ بجيشهِ ** حتى ثوى فحَواهُ لحدٌ ضيقُ

خُرسٌ إذا نودوا كأنْ لمْ يعلموا ** أنَّ الكلامَ لهمْ حلالٌ مطلَقُ

ثم رجعت إلى نفسي موبخًا لها: مالكِ -هنا- وللمتكبرين؟ إنما جئتِ للموعظة، فإذا ذكرتِ الجبارين وأشباههم في هذا المقام؛ هان عليكِ -بعظائم جناياتهم- ما اقترفتِ أنتِ وتقترفين من الآثام.

إن للشيطان في كل موعظةٍ نهشةً، وإن من نهشاته هنا إشغال النفس بغيرها؛ ليَضيع عليها الانتفاع بالموعظة أو يَنقص، والعاقل من شغلته نفسه أول شيءٍ فبدأ بها، ثم ليذكر بعدها من شاء.

يوم أمطرت السماء مطرًا شديدًا؛

يوم أمطرت السماء مطرًا شديدًا؛ خشيت على نعلي أثر طين الطرقات كثيرًا، واحترزت منه لنعلي طويلًا، والطين طاهرٌ ومادته أصل خلقتي، وما يصيبني منه يغسله بعض الماء بلا جهدِ ولا مشقةٍ.

قلبي الذي هو محل نظر ربي -تباركت غيرته على عباده- كيف أُعرِّضه لوابلٍ من الشهوات وصيِّبٍ من الشبهات لا أبالي؟! ثم إنه إذا أُصيب بشيءٍ منها أجهدتني تزكيته، ولا أدري يعود بهذا نقيًّا أم لا.

ويحي! أيكون لنعلي من عناية نفسي ما ليس لقلبي؟! بك اللهم أستعين على ما تحب في قلبي وترضى.

أيحسب أحدكم أنه لا يكون

أيحسب أحدكم أنه لا يكون موصولًا بالله وليًّا له؛ ما دام يعصيه -غافلًا مغلوبًا- سبحانه وبحمده؟!

لا والله أحبتي؛ الموصول بالله قد لا يصبر على طاعةٍ من الطاعات فيفرِّط فيها، ويضعف عند معصيةٍ من المعاصي فيقارفها، ويعجز في بليةٍ من البلايا فيقلُّ احتماله؛ لكنَّ ذلك لا يكون له حالةً عامةً ولا غالبةً، فإنه -بصلته بمولاه أصلًا- يزاحم باطنه وظاهره بزاكيات المعاش والمعاد، فإذا غُلب على شرٍّ في طاعةٍ أو معصيةٍ أو بليةٍ أجْمَلَ واختصر، ثم يتوب بعده من قريبٍ لا طاقة لروحه بالصدود والبعاد، ثم يُحدث بعد السوء حُسنًا يتملَّق به وجه محبوبه الأعلى؛ ذلك المهديُّ المرضيُّ وليُّ الله.

العفاف كالإيمان؛ عقيدةٌ وقولٌ وعملٌ؛

العفاف كالإيمان؛ عقيدةٌ وقولٌ وعملٌ؛ فأما العقيدة فقول يوسف صلى الله عليه: “رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ”، وأما القول فصرخته “مَعَاذَ اللَهِ”، وأما العمل فشهادة امرأة العزيز له “فَاسْتَعْصَمَ”.

ثلاث ياقوتاتٍ في فقه الحياة؛

ثلاث ياقوتاتٍ في فقه الحياة؛ من تدبرهن نفعه الله كثيرًا، لجدِّك الأصولي الفقيه ابن حزمٍ.

قال رضي الله عنه: إذا تكاثرت الهموم سقطت كلها، وقال: إذا نام الإنسان خرج عن الدنيا، ونسي كل سرورٍ وكل حزنٍ، فلو رتب نفسه في يقظته على ذلك أيضًا؛ لسعد السعادة التامة، وقال: وطِّن نفسك على ما تكره يقلَّ همك إذا أتاك، ويعظُم سرورك ويتضاعف إذا أتاك ما تحب مما لم تكن قدَّرته.

إن للحياة فقهًا دقيقًا مكينًا؛ من يرد الله به خيرًا بسط له في تعلُّمه، ومن جهله شقي وأشقى.

لا تأمن تارك الصلاة على

لا تأمن تارك الصلاة على شيءٍ من أمرك؛ من ضيع دين نفسه فهو لدنيا غيره أضيع.

ترك الصلاة ليس فسقًا ولا ظلمًا ولا ابتداعًا؛ ترك الصلاة كفرٌ بعد إسلامٍ وشركٌ بعد توحيدٍ.

اللهم لا تجعل عقوبتنا في الصلاة، وأحينا بالصلاة، وأمتنا على الصلاة، واحشرنا مع المصلين.