من النفوس نفوسٌ مهرجانيةٌ؛ لونُها

من النفوس نفوسٌ مهرجانيةٌ؛ لونُها لونُ عذاب الله الذي يسمِّيه أصحابه -من أشباه البشر- مهرجاناتٍ، ويلتذون بسماعها مخسوفًا بذائقاتهم، أجلْ هو عذابٌ ضرب الربُّ به أهل الزمان كما ضرب أسلافهم بالقُمَّل والضفادع والدَّم؛ بَيْدَ أن هذه المهرجانات أشنعُ فظاعةً من هذه الثلاث لو عُصِرت في وعاءٍ واحدٍ.

فإن يكُ لونُ هذه المهرجانات شكوى صُروف الدهر إلى الخلق، ولعنَ أخلاق الخلق إلى النفس؛ فإن من النفوس نفوسًا مهرجانيةً، لا تنفكُّ شكَّاءةً على كل أحوالها وجميع أحيانها، كَلْبِيَّةً تلهث حُمِل عليها أم لم يُحمل. وكيف يُشكى إلى الخلق ثم هم يُلعنون! لا تسَل عن غير معقولٍ غيرَ عاقلٍ فإنك إذن تشقى.

يقولون: لا تُوصِ حريصًا. من

يقولون: لا تُوصِ حريصًا.

من كان على أمرٍ له حريصًا؛ لم يُوصَ به، كفى بحرصه عليه في تحقيقه سببًا.

كيف يستعجل العبد ربه!

لا أعلمَ بحاجاتك ما جلَّ منها وما دقَّ إلا ربك، لا أولى بك في قضائها من ربك.

كيف تستعجل إذن ربك!

إنما أُمرت بالدعاء تشريفًا لك بسؤال ربك، ولتكون إذا استُجيب لك فيه سببًا.

نستغفر الله من جهلنا به.

بك أنزلنا حاجاتنا ذا الجلال والإكرام، لا نستعجلك قضاءها، إنما طُمأنينتنا بك.

ربُّنا بنا أخبر وأقدر وأرحم.

اذكروا من طال في أسقامهم

اذكروا من طال في أسقامهم الأمد لا تنسوهم.

لا تألفوا أمراضهم فإنها ما بقيتْ ذاتُ آلامٍ شديدةٍ.

لا تغفلوا عنهم حتى إذا ماتوا بكيتموهم ورثيتموهم.

زوروهم، واسُوهم، اجبروهم، أصغوا إليهم، ادعوا لهم.

من قال إن الأوجاع إذا طال عليها العمر هانت! بل تَشُق.

لَطف اللطيف بكل ذي علَّةٍ منا، وجعلنا في اللطف أسبابًا.

يا أرباب العافية؛ آتُوا زكاة العافية، رأفةً بأُولي البلايا ورحمةً.

نستغفر خير غافرٍ من تفريطنا في جنبكم مرضانا، ونستغفركم.

أحدهم يسألكم الدعاءَ له؛ فادعوا له صُدُقًا بالتخفيف وبالتطبيب.

يا حبيبًا طال في علَّته الأمد؛ طبَّبك الله، أصحَّك الله، لله فسامحني.

كن كالقرآن لا ريب فيك؛

كن كالقرآن لا ريب فيك؛ لا شك فيك ولا ارتياب ولا امتراء.

توحيدٌ بلا قصورٍ، ونُسُكٌ بلا قبورٍ، وأخلاقٌ بعُصُم الوحيين لا تبور.

إلَّا تكن لا شك فيك؛ تكن بدينك من اللاعبين؛ “بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ”.

بلاؤك أقوى منك ما واجهته

بلاؤك أقوى منك ما واجهته وحدك، وأنت أقوى منه ما واجهته بالله.

بين يدي ربك فاشهد على نفسك بجهلك وضعفك؛ ذلك العلم وتلك القوة.

كذَبك من نعتك قويًّا، خُلقت ضعيفًا وبضعفك تلقى الله، ضعيف النفس ضعيف الجسد ضعيف ما بينهما، لا قوة لك في ترك هذا وفعل ذاك إلا بما قوَّاك الله. إذا علمت ذلك؛ لم تلق البلاء بصدرك، بل لقيته بفقرك، يا مسكين.

يا توأم ديني؛ لا توبة

يا توأم ديني؛ لا توبة بغير ندمٍ، الندم عمود فسطاط التوبة؛ لكن حسبك من الندم قدْرٌ يعينك على ثلاثٍ؛ بُغْضِ الخطيئة، عزمٍ ألا تعود إليها، فعلٍ للطاعة بعدها لتَحُلَّ عند الله محلَّها، فأما ما زاد من الندم على هذا القدْر المستصلِح؛ فوبالٌ عليك في عاجل أمرك وآجله؛ فإنه يُبَغِّضُ إليك نفسك، وإنك متى أبغضت نفسك حقرتها، فقعدت بها عن طلب المعالي غيرَ مُبَالٍ بطول مُكْثها في المخازي، وهل يطلب معالي الأمور اليومَ وفردوس الله الأعلى غدًا؛ إلا عاشقٌ لنفسه العشق الحق! ذلك العبد الذي يَضِنُّ بها على النار وما قرَّب إليها من قولٍ وعملٍ، فإن هو اقترب مما يُقَرِّب من النار؛ نهض من عثاره فأتى اللهَ بالتوبة هرولةً، فأتاه الله بقبولها هرولةً جزاءً وِفاقًا إنه هو الغفور الشكور.

أخا السبيل؛ إنما الندم الحق الذي يُسْخِطُك على معصيتك، لا الذي ينفخ فيه الشيطان فيجعل سخطك على ذاتك؛ أفلح النادمون لا يزيدون ولا ينقصون.

من وجد قسوةً في قلبه؛

من وجد قسوةً في قلبه؛ فليُنصت بقلبه إلى موعظتين؛ الأولى: “وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ” لسيِّدنا الشيخ العلَّامة محمدٍ المختار الشنقيطي رحمه الله، الأخرى: “طِبت حيًّا وميتًا يا رسول الله” لسيِّدنا الشيخ العلَّامة عبد الرحيم الطحان حفظه الله، وعسى الله أن يجعل هاتين الموعظتين بركةً عليكم، فتتعلَّق بعِلم الشيخين ومواعظهما قلوبُكم؛ فإن الله قد حشا فؤاديهما خشيةً وعلمًا.

اللهُ أكبرُ كلُّ همٍّ ينجلي

اللهُ أكبرُ كلُّ همٍّ ينجلي ** عنْ قلبِ كلِّ مكبرٍ ومهللِ

التكبير قهَّار الكروب، اهزموا كروبكم بالتكبير، كبروا الله بقلوبكم عند كروبكم تصغر فيها حتى لا تراها شيئًا وإن بقيت، كبروا الله على كروبكم لكن بغير تجريبٍ؛ بل على الثقة الكاملة واليقين التام؛ إن الرب أكبر من أن يُجَرَّب تكبيرُه.

رب اجعل مقام أمي عندك كبيرًا؛ إنها علمتني هذا.