أخا ديني؛ صبرك على الأذى في سبيل الله شهادةٌ عزيزةٌ من عقلك على صحة هذا الدين، ودعوةٌ صامتةٌ من نفسك للناس إليه أبلغُ من كلامٍ كثيرٍ، ودليلٌ مبينٌ من قلبك على محبةٍ خاصةٍ لمحبوبك الأعلى جلَّ جلاله، واتصالٌ جليلٌ لروحك بسند أنبياء الله وأصحابهم السابقين في الشأن سبقًا بعيدًا؛ “فَاصْبِرْ”.
2023
الله أعلم ما صلح من
الله أعلم ما صلح من آمالنا وما لم.
كم أمنيةٍ لنا ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب!
إن الذين يوقنون بحكمة الله قابضًا باسطًا؛ هم فقهاء الحياة.
كثِّروا مطامعكم ممَّن خزائنه لا تنفد؛ لكن ما قُدِر عليكم منها فاحمدوا الله.
لا يأسى عاقلٌ عرف الله
لا يأسى عاقلٌ عرف الله على ما فاته؛ تارةً يقول: ربما أرهقني -مع الإيمان- طغيانًا وكفرًا، وتارةً يقول: عسى ربي أن يبدلني خيرًا منه زكاةً وأقرب رُحمًا.
“يا ابن آدم؛ البلاء يجمع
“يا ابن آدم؛ البلاء يجمع بيني وبينك، والعافية تجمع بينك وبين نفسك”.
أثرٌ إلهيٌّ بديعٌ، من تأمله بدت له غاية البلاء العليا، ورضي ابتغاء الجمع بالله.
لا ينفع الصبرُ المسلمَ في
لا ينفع الصبرُ المسلمَ في جهاد عدوه إلا وفيرًا؛ لذلك ألهم الله داود وأصحابه -في قتال جالوت وجنوده- أن يقولوا: “رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا”، كما ألهم السحرة -لما توعَّدهم فرعون- أن يقولوها.
فأما الأولون فأظفرهم الله بما أفرغ عليهم من صبرٍ وأنالهم من أسبابٍ، وأما الآخرون فكانوا أول النهار سحرةً وآخره -بمُنْهَمِر الصبر- شهداء؛ يقولون لا يبالون: “لَا ضَيْرَ إِنَّآ إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ”.
أيها المجاهدون صانعو النهار؛ إن قلوبكم العَطَاشى وجوارحكم الظِّمَاء -مع حَرِّ الكفر ولَفْح مُنَازَلَته- لا يُبْرِدها إلا صبرٌ منسكبٌ دفَّاقٌ؛ فاضرعوا إلى السماء “رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا”، وارتقبوا غوث الله.
تبكون الشهداء! على أنفسنا فلتبكي
تبكون الشهداء! على أنفسنا فلتبكي البواكي.
حَسْب الشهداء راحةً كبرى؛ أنْ كُفُوا مؤنة الخواتيم.
أما نحن؛ فلا ندري على أي حالٍ باطنةٍ وظاهرةٍ نموت.
من لم يمت اليوم مات غدًا، ومن لم يمت عنك مت عنه.
أهذا زمانٌ يُبكى فيه على ميتٍ نجا بدينه! كيف على الشهيد!
فتنٌ ما خطرت على بال إبليس يوم “لَأُغْوِيَنَّهُمْ”؛ رعبٌ رعبٌ واللهِ.
“لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل، فيقول: يا ليتني مكانه”.
اللهم إني أسألك أن أسألك الشهادة صادقًا، فإني إن صدَقتك صدَقتني.
“إِنَّ هَٰؤُلَآءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ
“إِنَّ هَٰؤُلَآءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَآءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا”.
كلما أحست نفسك بلاءها ثقيلًا؛ صبِّرها بهذه التذكرة عن ربك.
ألا يسرك أن يخفف الله عنك ثقل يوم الدين؛ بما ثقل عليك اليوم من بلاءٍ!
إذا عوفيت معرضٌ، وإذا ابتليت
إذا عوفيت معرضٌ، وإذا ابتليت فذو دعاءٍ عريضٍ!
لئن نسي عقلي كل سؤالٍ
لئن نسي عقلي كل سؤالٍ سُئلته؛ فمحالٌ نسيان قلبي ذلك السؤال:
أمي لا تستطيع القراءة، وهي تحب القرآن، فكلما أرادت تلاوته فتحته فجعلت تُقَلِّب صفحاته، وتمسح بيمينها صفحةً صفحةً من أعلاها إلى أدناها؛ فما حكم هذا؟
الحكم أن تأخذ والدتك علمنا بالقراءة، وتعطينا من حبها للمقروء له.
هذا سؤالٌ جوابه الدمع إن ضَنَّ الدم.
كسؤالٍ سُئلته من مقاتلٍ بالشام أيام ثورتهم العظيمة: لا أستطيع مع شغلي بالقتال وخدمة إخواني مراجعة القرآن كما كنت؛ فما أصنع؟
يا أولياء الله؛ إني لَأُقَدِّس سؤالاتكم عن قراءة مثلي لها؛ كيف بجوابها!
انظر كيف أكثر الناس في
انظر كيف أكثر الناس في الواقع والمواقع؛ باردون ودماؤنا حارَّةٌ تفور!
تظن أولئك المثلَّجين في (فريزرات الشهوات)؛ لا تغضب نفوسهم طبيعةً!
يغضبون، ويسخطون، ويحنقون، ويحرِدون، ويتغيظون، ويتلظَّون، ويتوغَّرون، ويستشيطون، ويعبسون، ويكلحون، ويمتعضون، ويكفهرُّون، ويثورون، ويهيجون، ويتجهَّمون، ويُرْغون، ويُزْبدون، ويحتدون، ويشتدون، ويغلظون، ويتوعدون، ويتهددون، ويعادون؛ لكن لذواتهم المقدَّسة في قلوبهم إذا خوصمت بالباطل في لُعَاعَةٍ من الدنيا، أو بالحق في مجيدٍ من الدين.
ليس أحدٌ بأشدَّ غضبًا من أحدٍ؛ لكن العبد إذا هان على ربه بغرقه في نفسه -والرب غيورٌ- صرَّف غضبه لحظ نفسه، فلا يكاد يغضب لذات الله؛ مهما انتُهكت محارمه، ودِيست حدوده، وبُغِي على أوليائه، وذلك العذاب الأليم.